خبر آخر الزعماء -هآرتس

الساعة 10:35 ص|28 أكتوبر 2009

بقلم: نيفا لنير

 (المضمون: رابين كان اخر رئيس حكومة اسرائيلي ملك رؤية واضحة لتسوية النزاع مع العرب وعقيدة سياسية واجتماعية واضحة - المصدر).

عشية انتخابات 1992 ثارت خصومة بين رابين وخبير الدعاية وكل اليه تدبير حملته الانتخابية. قال خبير الدعاية اذا تحدثت كثيرا جدا في السياسة فلن تنتخب. وكان ما تواضعا عليه احداث حملتين انتخابيتين. احداهما لخبراء الدعاية ("اسرائيل تنتظر رابين" و "ضقنا بكم ذرعا ايها الفاسدون")، واخرى لرابين، الذي فصل في برامج البث وفي خطبه تفصيلا دقيقا نياته المتصلة بتسوية مع الفلسطينيين وبحدود دولة اسرائيل الدائمة وتغيير ترتيب الاوليات الوطني. كانت تلك المعركة الانتخابية العقائدية الاخيرة.

كان رابين آخر رئيس حكومة التزم علنا نظرية سياسية واجتماعية. لم يجرؤ احد بعده. وقد يكون هذا اسوأ اثار قتله في المجتمع الاسرائيلي الا وهو سيطرة الغموض على الحياة السياسية. بعده فضل بيرس ونتنياهو وباراك وشارون كساء الغموض: فقد صرف جانبا التحريض والفلسطينيون وحماس، وسورية وحزب الله، والاحكام الاقتصادية وميزانية الدفاع. فالغموض قوة: هدوء ننتخب. كانت المشكلة ان ثلاثة منهم انتخبوا لرئاسة الحكومة جعلوا الغموض تاج ولايتهم. فنحن نسمع من سنين طويلة منهم قولهم "هذه احدى اصعب الفترات في تاريخنا"، من غير ان يقولوا سنخلص منها، والى اين تسعى حكومتهم، ولماذا. في مسألة واحدة يحسن الصمت فيها يتحدثون حديثا لا ينقطع و "لا يزيلون اي خيار عن الطاولة".

كان رابين في السبعين من عمره عندما بدأ ولايته الثانية. لم تكن سنه، وحكمته وتجربته في جدول العمل، بل التسويات السلمية في الشرق الاوسط، وميزانية التربية والامن، والاستثمار في البنى التحتية. ان نتائج حرب الخليج الاولى وانهيار الاتحاد السوفياتي كانت "نافذة فرص" لتسويات في الشرق الاوسط. استوعب رابين بمساعدة حدس صحيح ومعرفة حميمة للجيش الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي، الاشارات واتخذ قرارا استراتيجيا على التقدم لتسويات سياسية لضمان قدرتنا على ان نعيش ها هنا حياة طبيعية.

ان الفحص عن ولاية رابين في السياق المناسب هو جوهر ذكراه، وهو الذي سيشهد على كونه آخر رئيس حكومة كان برنامجه واضحا مكشوفا للجميع، وعلى مثابرته في محاولة تحقيقه من غير أن يهزل ومن غير ان يتبجح.

يوجد من يزعمون انه اصبح مقدسا بعد موته. هذا زعم باطل مثل زعم ان كل ما خلف وراءه هو نزاع اكثر تعقيدا مع الفلسطينيين نتاج اتفاقات اوسلو. يسهل انساء اتفاق السلام مع الاردن وفتح القناة السورية، واليوم لا يوجد من يريد تقديمهما. ولماذا نتذكر ازدهار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بالبلدان العربية والاوروبية، وقد عاد اليوم شعار "العالم كله ضدنا" الى نشرات الاخبار؟

لن نعلم ابدا هل كان سيستمر على سياسته، او كان سيجمد اوسلو ويتجه الى خطة اخرى، وكيف كان سيدير التفاوض مع السوريين. لا يوجد من يجيب. لكن بعض الامور بقيت معلومة وهي ان رابين كان سيحبط اية محاولة لنشوء دولة ثنائية القومية، وكان سيبذل كل ما يستطيع لتقديم السلام مع سورية.

ان القراءة في كتب رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، ومستشاريه للشرق الاوسط روبرت مالي ودينيس روس، والسفير في اسرائيل آنذاك مارتن اندك، وفي كتاب آفي شلايم، "الملك حسين، سيرة ذاتية سياسية"، لا تترك شكا في أن رابين كان رئيس الحكومة الذي فضله كلينتون والحسين. وقد علموا مثل اسرائيليين كثير لماذا: بسبب استقامته وصدقه وشجاعته وقدرته على الالتزام وتحمل المسؤولية.