خبر ما العمل حين يصيب « اليأس » و« الخيبة » القيادة ذاتها ؟!..كتب : عريب الرنتاوي

الساعة 08:26 ص|28 أكتوبر 2009

ما العمل حين يصيب "اليأس" و"الخيبة" القيادة ذاتها ؟!..كتب : عريب الرنتاوي

 

صحافة الأمس، العربية منها والعبرية، "ضجّت" بالتقارير والمعلومات التي تصور حجم "المأزق" الذي تعيشه الرئاسة الفلسطينية في علاقاتها مع إدارة أوباما وحكومة نتنياهو وحركة حماس، وكشفت عن جوانب مهمة من الاتصالات التي تجري بين رام الله وواشنطن منذ عدة شهور، لتخلص إلى جملة من النتائج والمعطيات أبرزها:

 

أولا: أن إحساسا عميقا بـ"الخيبة" و"اليأس" و"انعدام الأمل والثقة" يخيم على السلطة والمنظمة، وبالأخص على الرئيس والرئاسة، وثمة أصوات في رام الله لم تعد تخفي قلقها من "ضعف" الرئيس الأمريكي باراك أوباما و"قلة حيلته" حتى أن هؤلاء أخذوا "يترحمون" على أيام جورج بوش والمحافظين الجدد، خصوصا بعد عودة الرئيس الفلسطيني من قمة نيويورك الثلاثية خالي الوفاض، حتى من "مرجعية عامة" للتفاوض و"أطر فضفاضة" للحل النهائي.

 

ثانيا: أن خيار "المفاوضات حياة" الذي تحوّل إلى خيار استراتيجي وحيد، ومعقد آمال "المشروع الوطني الفلسطيني" يتبخر يوما إثر آخر، على نيران الاستيطان والتهويد الإسرائيلية الحامية، وأن "خيار الضفة" الذي صوّر كبديل استراتيجي لـ"خيار الإمارة الظلامية" يتحول مع الأيام، إلى خيار مفرغ من أي مضمون وطني، ومثقل بذل الحواجز والاجتياحات والاعتقالات والتوسع الاستيطان والتعدي على القدس والمقدسات والأقصى.

 

ثالثا: أن حكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو، ليست أبدا في وراد تدعيم ما يسمى "معسكر المعتدلين الفلسطينيين"، بخلاف ما كان أولمرت وحكومته يدّعيانه، لفظيا على الأقل، فلا أحد في مكتب نتنياهو يكترث لمأزق السلطة أو تراجع شعبية عباس، وإسرائيل بزعامة اليمين، تتصرف واقعيا وفق نظرية "غياب الشريك الفلسطيني" وإن كانت لفظيا تتحاشى ذكر ذلك صراحة وعلى الملأ، لا خشية على السلطة أو خشية منها، بل تقديرا للموقف الأمريكي – الأوروبي الداعم لها.

 

رابعا: أن حركة حماس في الضفة والقطاع والخارج، تقدم نفسها على أنها "البديل المحتمل والجاهز" لخيار السلطة والرئاسة ونهجهما، وهي لا تدخر جهدا لتعميق "مأزق" الرئاسة وإحراجها توطئة لإخراجها، وأن كل تعثر يصيب السلطة وخياراتها ورهاناتها، يصب القمح صافيا في طاحونة حماس، وثمة معلومات أقلقت واشنطن ورام الله، تفيد بتزايد شعبية حماس في الضفة، وبصورة تتهدد نتائج أية انتخابات حرة ونزيهة تجرى في المدى المنظور.

 

خامسا: بات مؤكدا وفقا للتقارير ذاتها: أن واشنطن هي من ضغط على الرئيس عباس لسحب تقرير غولدستون من اجتماع جنيف في 2 اكتوبر الجاري، وأنها غضبت عليه عندما أعاده تحت ضغط "سورة الغضب الفلسطينية" إلى مائدة النقاش والتصويت في مجلس حقوق الإنسان في 16 من الشهر ذاته، وأنها طلبت إليه عدم توقيع الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية، وعندما رأت تردده في الخضوع لضغوطها مرة أخرى والمقامرة بفقدان ما تبقى له من شعبية وصدقية، تدخلت لدى مصر هذه المرة، لتعديل الورقة وجعل توقيع حماس عليها متعذرا، وأن ميتشيل أبلغ عباس بما لا يدع مجالا للشك، أن المصالحة والوحدة الوطنيتين مرفوضتان تماما ما لم تأخذا بنظر الاعتبار الشروط الثلاث للرباعية الدولية، ودائما تحت طائلة التهديد بسيف قطع المساعدات والانسحاب من عملية السلام.

 

سادسا: عاد عباس للتلويح بورقة "الاستقالة" في مواجهة الضغوط الأمريكية، وقد استجابت كلينتون لهذه الضغوط، وقررت العمل لمساعدة الرئيس عباس، لكن المفارقة تتجلى هنا بأبشع صورها، فبدل الضغط على نتنياهو لإجباره على الانصياع لمرجعيات عملية السلام، يجري العمل "لتشجيعه" على مساعدة السلطة والرئيس، أما كيف يكون هذا"التشجيع" فبالضغط على وزراء خارجية الاعتدال العربي الذين ستتلتقيهم كلينتون في المغرب من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات التطبيعية المحفزة لإسرائيل وحكومتها للتخفيف من مأزق السلطة والرئاسة والرئيس (؟!)

 

صورة محزنة وقاتمة للمآلات التي انتهى إليها المشروع الوطني الفلسطيني وفرسانه، والذي للأسف لم يعد يستحضر إلا كراية من راية الاحتراب والانقسام الداخليين، وفي مواجهة "الإمارة الظلامية"، وهي صورة تدعونا لمناشدة الرئيس عباس أن يفعلها هذه المرة، وأن لا يجعل استقالته راية يلوح بها فقط، بل "إجراء" يقلب به الطاولة على رؤوس الجميع، ويعيد من خلاله وضع الحركة الوطنية الفلسطينية على سكة "المفاوضات الرشيدة والمقاومة الرشيدة"، فطريق "المفاوضات حياة" غير نافذة، والمكابرة و"ركوب الرأس" لم يعودا خيارا بأي حال من الأحوال، وعلى الذين تحول تكويناتهم النفسية والثقافية والسياسية دون قيامهم بدور الموحد والجامع لكيانات الشعب الفلسطيني ومكوناته المختلفة، عليهم أن يتنحوا جانبا، وأن يفسحوا في المجال لرموز جديدة ودماء جديدة، علّها تتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الذي قزّم تماما وأعيد "تفصيله" على مقاس "فضلات الاحتلال ومخلفات الاستيطان".