خبر تقرير غولدستون -يديعوت

الساعة 11:09 ص|26 أكتوبر 2009

فيه فضائل ايضا

بقلم: يوآف زاكس

تقرير غولدستون ليس حمارا ملونا بل حمار وحشي حقيقي اسود وابيض، مسموح ومحظور. من تكبد عناء القراءة، بل حتى مجرد التصفح للتقرير (575 صفحة)، لا يمكنه الا يأخذ الانطباع بانه غير نزيه، مثير للاعصاب، ينم عن رائحة اضطهاد، مصوغ كلائحة دعوى والطرف الاسرائيلي معروض فيه بشكل مغرض – ورغم ذلك فان هذا التقرير جيد لنا.

اولا، التقرير يصف بشكل حاد قواعد اللعب الجديدة، تلك القواعد التي نجتهد منذ سنين لتجاهلها. وعلى نحو خاص يقترح التقرير مقاييس للتوازنات بين حق الدولة في الدفاع عن نفسها وبين واجب الامتناع عن المس بالمدنيين.

ثانيا، التقرير يعرض الثمن الذي سيفرض علينا اذا ما تجاهلنا قواعد اللعب. الثمن هو مطاردة قضائية للاسرائيليين في اثناء سفرياتهم في العالم، تعرضهم لدعاوى جنائية ومدنية، بل وربما خطر امني شخصي. التقرير مليء بالاقتباسات، التي جمعت من وسائل الاعلام، لرجال جيش وحكم اسرائيليين، كبارا وصغارا، في ظل الاشارة الى اسمائهم ومناصبهم، مثابة تلميح بالخطوات التالية.

ثالثا، التقرير سيلزمنا باجراء بحث عسير – عملياتي، تكنولوجي وكذا قانوني – في الشكل الذي تجسد فيه اسرائيل واجبها في الدفاع عن مواطنيها. ولعل هذا الاخطر بين خطايا تقرير غولدستون: فهو ليس فقط غير متوازن بل ومهين ايضا... فماذا حصل أن نتعلم منه متى نطور تفكيرنا العملياتي، او الاهداف التي نضعها لمحافل التطوير، بل واجهزة الرقابة لدينا؟ ولكن هنا يلمس غولدستون كبد الحقيقة.

في المجال العملياتي، في حملة "رصاص مصبوب" بذلنا الحد الاقصى الممكن لتكييف التفكير العملياتي التقليدي مع واقع القتال ضد الارهاب. هذا ليس بسيطا وهذا ليس ناجحا. الدبابات والمدفعية مثلا ليست ادوات للقتال ضد الارهاب، وبالذات ليس في المناطق المبنية. هكذا ايضا استخدام الطائرات القتالية على نطاق معروف بيقين انه يوجد فيه مدنيون – هذا يعمل ضدنا المرة تلو الاخرى.

في المجال القانوني – تدعو اللجنة اسرائيل الى تشكيل هيئة مستقلة، خارجية عن الجيش، تكون لها صلاحيات التحقيق في الاحداث التي يوجد فيها تخوف من المس بالقانون الدولي. هيئة مستقلة كهذه هي مصلحة لدولة اسرائيل. وهي حيوية لانه لا توجد لدينا ادوات قانونية مناسبة لمكافحة الارهاب، وليس من المجدي ترك التحقيق لمنظمات مثل "بتسيلم" او "نحطم الصمت" (كلتاهما يقتبسهما التقرير).

في المجال التكنولوجي كان بوسع اسرائيل ان تقرر منذ زمن بعيد ادوات أكثر حداثة وملاءمة للحرب الراهنة. ادوات تمنع اخطاء عملياتية (بما في ذلك النار على قواتنا وكذا المس بالمدنيين)، تخفف عن اصحاب القرار وتوفر توثيقا لازما وحيويا ليس فقط لاغراض التحقيق العملياتي، بل وايضا لغرض حسم الصراع على الوعي، الجاري اساسا عبر وسائل الاعلام.

نحن لسنا ملزمين بان نتبنى شيئا مما قيل في التقرير، ولكن لا ضر في أن نرى متى مثلا نار قواتنا نحو مخربين يختبئون في مناطق مأهولة هي مثابة "متوازنة" ومتى هي مثابة حظر وكيف ينبغي توثيق حدث قتالي كهذا بشكل يحقق اهدافنا. اذا تغلبنا على الشعور بالاهانة من الشكل الذي حددنا فيه الهدف عن جبيننا قبل أن نتوجه الى المهمة، اذا ما حاولنا ان نرى ما هي الادوات اللازمة لنا كي ننجح في الحرب ضد الارهاب، سنستخلص من التقرير منفعة.

وأخيرا – التقرير يقضي بان نار الهاون والمقذوفات الصاروخية نحو المدنيين الاسرائيليين من قبل الفصائل الفلسطينية هي "جريمة حرب"، وعلى ما يبدو ايضا "جريمة ضد الانسانية" (بند 1724)، وفي بند التوصيات (1770) مطالبة الفصائل الفلسطينية بالكف عن العنف تجاه المدنيين الاسرائيليين وبتحرير جلعاد شليت. لو كانت اسرائيل تطالب بتطبيق كل توصيات التقرير كجملة واحدة، فليس مؤكدا على الاطلاق بان الفلسطينيين كانوا سيبدون ذات الحماسة التي يبدونها الان.