خبر دلالات الانتخابات في السياق الفلسطيني.. د. عبدالله الأشعل

الساعة 06:07 م|25 أكتوبر 2009

دلالات الانتخابات في السياق الفلسطيني

 

د. عبدالله الأشعل ـ المصريون 25/10/2009

 عندما بدأت الانتخابات فى فلسطين فى أوائل السبعينات من القرن الماضى كان الهدف منها هو إظهار قوة حركة فتح بين الجماهير على سائر الفصائل الآخرى التى كانت كلها ضمن قوى الثورة الفلسطينية. فى ذلك الوقت كانت نتائج الإنتخابات تعطى حركة فتح قوة سياسية كبيرة فى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك على المستوى العالمى حيث تمكنت المنظمة من أن تقنع العالم عام 1974 بأنها-وليس الأردن - الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، وأن اساس شرعيتها يقوم على أمرين: الأول هو صناديق الانتخاب، والثانى: هو التطابق بين برنامج المنظمة وآمال الشعب الفلسطينى داخل الأراضى المحتلة وفى الشتات. وفى عام 2006 جرت الإنتخابات العامة فى فلسطين فى مشهد فلسطينى شهد تغيراً كاملاً، واختفاء عرفات وظهور قيادة جديدة، وحلول السلطة الفلسطينية محل منظمة التحرير الفلسطينية، وتردى الأوضع العربية والقضاء على انتفاضة الأقصى، كان هدف هذه الإنتخابات متباينة وملتبسة ومؤشراً على ما بعدها. فهذه الانتخابات من، زاوية أبو مازن كانت تهدف إلى تأكيد زعامته للسلطة والمنظمة واهليته لقيادة الشعب الفلسطينى فى المفاوضات مع إسرائيل تصل إلى تسوية للمشكلة الفلسطينة. وكان ملحوظاً أن خط أبو مازن يتجه إلى الهجوم على المقاومة واعتبارها عملا لا أخلاقياً ومضيعة للجهد وتغييباً للوعى الفلسطينى، وقصوراً فى قراءة الواقع، فى نفس الوقت الذى فاحت فيه رائحة الفساد فى قيادة السلطة، وتواترت فيه انتقادات واشنطن وأوروبا وإسرائيل للنزاهة المالية والإدارية لهذه السلطة.

من زاوية حماس، كان هناك جدل حول جدوى خوض الانتخابات، فقد رأى البعض أنها حركة مقاومة، وأن ظهورها على المسرح السياسى سوف يعرضها للخطر، بينما رأي البعض الآخر أن المقاومة وحدها لاتكفى وإنما يجب ترجمتها إلى عمل سياسى وأن تكون المقاومة ورقة فى يد المفاوض السياسى، كما أن العمل السياسى يوفر الحماية للمقاومة. وكان رأيي ولايزال هو أن القرار بدخول الانتخابات أو العزوف عنها قرار صعب لأنه لايوجد مثيل للحالة الفلسطينية يقاس عليها، مادامت الأراضى الفلسطينية محتلة، والأهم أنه يتم التهامها من خلال الاستيطان، فى إطار مشروع منظم يتمدد يومياً على الأرض. وأظن أن إسرائيل كانت سعيدة بدخول حماس هذه الانتخابات وكانت واثقة من شعبية حماس، كما أنها كانت تأمل أن تقضى على حماس فى السلطة بعد أن طاردتها فى الميدان بقيادة شارون من منزل إلى منزل منذ أواخر مارس 2002.

أما الانتخابات المزمع إجراؤها فى يونيو2010 فقد أصبح لها دلالات مختلفة يمكن إيجازها فى النقاط الخمس الآتية:

النقطة الأولى، هى أن الانتخابات تهدف إلى تحديد موقف الشعب من القوى المتنافسة فى دول عادية، وإلى تشكيل السلطة السياسية فى هذه الدولة، ولكن ليس فى الانتخابات فى فلسطين معنى عندى مادامت الأراضى الفلسطينية محتلة ومستهدفة على النحو الذى أشرنا إليه، ويصبح لهذه الانتخابات- بعد كل ماجرى من 2006 حتى 2009 مما يعرفه القراء- وظيفة خطيرة وهى المزيد من تمزيق الصف الفلسطينى.

النقطة الثانية هى أن هذه الانتخابات من وجهة نظر أبو مازن سوط ضد حماس يعتقد أن مجرد ذكرها يثير الفزع فى حماس لأنه يريد من جهة أن تكون هذه الانتخابات اساساً لشرعيته فى الضفة وحدها تؤهله للاتفاق مع إسرائيل وتساعده على المزيد من تكريس البيئة الدولية ضد انشقاق حماس "وتمردها" فى غزة، فتصبح غزة هى الأراضى المحتلة وتصبح الضفة الغربية هى الأراضى المتحالفة مع إسرائيل، بينما تصبح القدس خارج دائرة الاهتمام الفلسطينى وتصير لقمة سائغة لإسرائيل. ويبدو أن أبو مازن واثق من الفوز لتحقيق هذه الوظائف المنتظرة.

النقطة الثالثة هى أن الانتخابات بالنسبة لحماس تحصيل حاصل بل لامعنى لها لأن حماس قد عوقبت على الفوز فى الانتخابات السابقة، وترى أن الانتخابات فى هذه الظروف قبل المصالحة هى قتل لفكرة المصالحة والاستغناء عنها. وحتى لو ساهمت حماس فى الانتخابات على مستوى كل فلسطين وفازت فسوف يعيد العالم انتاج نفس الموقف المناهض لحماس والشعب الفلسطينى، وهذه هى النقطة الاساسية التى يريد أبو مازن أن يراهن الناخب الفلسطينى عليها، وهى أن تصويته لصالح حماس سوف يكرر المأساة الأولى وأن يصوت لفتح حتى ينهى أبو مازن القضية ويصفيها ويريح الفلسطينيين من شظف العيش وشقاء المواجهة.

النقطة الرابعة هى أنه لهذا السبب فإن مصر تحفظت خلال جهود المصالحة على إجراء الانتخابات قبل المصالحة كما طلب أبو مازن، ثم أعلن أبو مازن فى القاهرة بعد تردد حماس أن مصر لا تمانع فى اجراء الانتخابات مادامت المصالحة غير ممكنة، ثم جاءت تصريحات مستشارى عباس عن الانتخابات بنفس الروح التى أشرنا إليها فى النقطة السابقة، وهو أمر يجب أن تدرسه حماس بعناية فلا تستسلم لقدر مقدور ولاتستخف بخطر محظور.

النقطة الخامسة هى أن الحديث عن الانتخابيات الفلسطينية وضررها للمصلحة الفلسطينة العليا يماثل الانتخابات فى العراق تحت الاحتلال والانتخابات فى افغانستان تحت الاحتلال، فالأصل أن يزول الاحتلال فى فلسطين والعراق وافغانستان وأن يقرر الشعب فى الدول الثلاث مصيره بحرية، ولايجوز إنشاء نظم سياسية على اساس انتخابات وهمية فى هذه الدول الثلاث لصالح الاحتلال، لأن مجرد وجود الاحتلال يتناقض تماماً مع الوظيفة النبيلة للإنتخابات، التى تهدف إلى انشاء النظام السياسى الديمقراطى الذى يقرر مصير البلاد فى داخلها ومع غيرها، ولاعبره لنظام سياسى اختاره الشعب بحرية جريحة بينما أغلق عليه الاحتلال كل الطرق مع الخارج وحاصره مادياً وسياسياً ونفسياً.