خبر لماذا يبدو الخلاف الفلسطيني عصيا على الجميع؟ .. بلال الحسن

الساعة 06:05 م|25 أكتوبر 2009

لماذا يبدو الخلاف الفلسطيني عصيا على الجميع؟

 

بلال الحسن ـ الشرق الأوسط 25/10/2009

تعيش القضية الفلسطينية حالة من التراجع، ويتبرع كثير من المعلقين والمحللين العرب والأجانب، في إرجاع حالة التراجع هذه إلى الانقسام القائم بين حركتي فتح وحماس. وحين برز الخلاف حول توقيع اتفاق المصالحة الذي أعدته القاهرة، قيل كلام كثير حول الخلاف الفلسطيني وأسبابه ونتائجه وانعكاساته على القضية الفلسطينية. وبدا أن الأمور لن تقف عند الخلاف الفلسطيني الداخلي، وأنها مرشحة أيضا إلى ظهور خلاف فلسطيني ـ عربي يزيد من حدة الأزمة.

لقد شهدت السنوات الأربع الأخيرة، أي منذ تفوق حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، وحتى العدوان الأخير على غزة، وساطتين عربيتين تولتهما عاصمتان نافذتان: السعودية أولا ثم مصر. أنجزت السعودية اتفاق مكة وفشل، وأنجزت القاهرة اتفاق المصالحة وهو يتعثر الآن من دون القدرة على الجزم إن كان سيوقع أم لا.

ما الذي يجعل عاصمتين عربيتين من أهم العواصم العربية مكانة ونفوذا وتأثيرا، تتوسطان في مسألة وطنية حساسة يهم أمرها الجميع، ثم تفشل جهودهما في النهاية؟

إذا توقفنا عند اتفاق مكة، نجد أن الفشل تسرب إلى هذا الاتفاق من النافذة الأمنية. أما اتفاق القاهرة فإنه مرشح لأن يتسرب إليه الفشل من النافذة السياسية. فما الذي يعنيه هذا الأمر؟

تضمن اتفاق مكة نقاطا إيجابية عدة، فقد أقر الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية، أي أنه أقر الاعتراف بحركة حماس، القادمة من خارج منظمة التحرير الفلسطينية، كفريق شرعي يشارك في السلطة على قدم المساواة مع حركة فتح. وفتح هذا الاتفاق الباب أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية تشكلت فعلا، وكادت أن تحكم باسم الجميع. وإضافة إلى شرعية الانتخابات، قدم اتفاق مكة اعترافا عربيا بشرعية حركة حماس. واعتبر منظمو الاتفاق أن هذا يكفي لحل مسألة الخلاف الفلسطيني. ولكن هذا كله لم يجد في النتيجة. لقد نجحت السياسة في تشكيل الحكومة وتوحيدها، ولكنها فشلت، أو هي لم تنتبه أصلا إلى تشكيل الأجهزة الأمنية وتوحيدها قيادة وبناء. وهكذا بدا وكأن هناك حكومتين داخل الحكومة الواحدة، حكومة إدارة الوزارات، وحكومة إدارة الأجهزة الأمنية. الأولى تتبع لرئيس الوزراء إسماعيل هنية الفائز تنظيمه بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، بينما تتبع الحكومة الثانية لرئيس السلطة محمود عباس الفائز بنسبة 62% في الانتخابات الشعبية المباشرة. وبينما بدأت حكومة الوزارات، ومنها وزارة الداخلية، تصدر أوامرها، بدأت حكومة الأجهزة الأمنية ترفض تنفيذ الأوامر. وتمت ترجمة ذلك في الشارع اشتباكات، ونزاعات، وملاحقات هنا وهناك، حتى انفجر الوضع برمته. وكانت المفاجأة أن حكومة الأجهزة الأمنية لم تستطع السيطرة على الوضع، وأن حكومة إدارة الوزارات كانت أكثر تماسكا وتنظيما، فسيطرت على الوضع، وفرضت سلطتها على الوضع المستجد بكل معانيه.

ومرت أشهر جديدة أخرى، أشهر صعبة شهدت حصارا معيشيا، واعتداءات إسرائيلية، واعتقالات وإبعادات بين أبناء الوطن الواحد، وشهدت أيضا حصارا ضد غزة كلها، سارع إليه الإسرائيليون والأميركيون والأوروبيون.. وغيرهم. وتوج هذا الحصار بعدوان إسرائيلي كبير على غزة ما زال يتفاعل حتى الآن، آلاما وأمراضا وتدميرا وجوعا.. وتقريرا يطلقون عليه تقرير ريتشارد غولدستون. وفي قلب هذه المأساة كلها وجدت الوساطة المصرية. وبينما تفاءل الكثيرون بهذه الوساطة لما لمصر من مكانة عربية، ولكونها محاذية حدوديا لقطاع غزة، وتستطيع أن تفتح وأن تغلق، فإن آخرين كثر لم يشاركوا في هذا التفاؤل، وركزوا أنظارهم على ما أسموه السقف السياسي لاتفاق كامب ديفيد، والذي تحرص مصر على التمسك به.

وهكذا.. وبسبب هذا كله، وجدت الوساطة المصرية التي ركزت جهدها على العلاقات الثنائية، وعلى شؤونها الأمنية، متجاهلة السياسة بالكامل. والسياسة هنا لها أبعاد متعددة، تشمل الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداءات الإسرائيلية، ومشاريع التسوية السياسية، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. ووجدنا بين أيدينا في النهاية أتفاق مصالحة فلسطينية خلوا من السياسة، وفي سياق قضية تضج السياسة من حولها، داخل الوطن وخارجه، بل وفي العديد من عواصم العالم. وحين نشبت الأزمة حول اتفاق المصالحة، هل يوقع أم لا يوقع، كانت الدوافع من حولها كلها سياسية:

الذين أنجزوا الاتفاق وصاغوه، ابتعدوا عن السياسة، لأن الإيغال في السياسة يعني الاصطدام بأشياء كثيرة، تخصهم، وتخص العرب، وتخص الفلسطينيين.

والذين أيدوا الاتفاق وأرادوا التوقيع عليه من دون أي تحفظ، فعلوا ذلك وفي ذهنهم نقطة هنا ونقطة هناك، تخدم أهدافهم السياسية بالسيطرة، وإبعاد الخصوم عن مواقع القرار، حين يحين أوان ذلك. ويبرز هنا مطلب إجراء الانتخابات الفلسطينية (بل والتهديد به) كتعبير واضح عن الهدف غير المذكور.

والذين عارضوا التوقيع على الاتفاق بنسخته المقدمة إليهم مرتين، رأوا أن السياسة التي كان من المفروض أن تدخل إلى مشروع الاتفاق بوضوح، قد دخلت إليه خلسة ومن دون وضوح، حيث يتولد عن غياب الوضوح في السياسة مشكلات كثيرة. ويبرز هنا موضوع المقاومة تنظيما وممارسة كتعبير واضح عن الهدف المذكور.

والسياسة هنا أمر قديم، ولكن جذورها الحديثة موجودة في مواقف الدول العظمى، وفي وثائق تعاملها مع قضايا الدولة الفلسطينية، والعمل الفدائي، واتفاق مكة، والمصالحات المطلوبة ومضمونها. وما قالته هذه الوثائق هو «الأمن» الذي عطل اتفاق مكة. وهو «السياسة» التي تحوم حول اتفاق القاهرة.

في هذه الوثائق نقرأ ما يلي:

نقرأ في وثيقة حل الدولتين (رؤيا بوش) المعلنة في 14/6/2002، موقفا يتعلق بالأمن يقول: إن السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة مختلفة. إنني أهيب بالشعب الفلسطيني أن ينتخب قادة جددا، قادة لا تكون سمعتهم ملطخة بالإرهاب (مقاومة الاحتلال مثلا). إن السلطات الفلسطينية (حماس مثلا) تشجع الإرهاب ولا تكافحه.

ونقرأ في رسالة جورج بوش إلى آرييل شارون (وعد بوش 16/1/2004) موافقة على سياسة بناء المستوطنات الأساسية التي تم بناؤها، من خلال القول: على ضوء الوقائع على الأرض، ومن ضمن ذلك المراكز السكانية الإسرائيلية المتواجدة، لا يمكننا واقعيا، أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي، العودة الكاملة والشاملة إلى حدود هدنة 1949.

ونقرأ أيضا: إن الولايات المتحدة تلتزم بقوة، أن إسرائيل دولة يهودية.

ونقرأ أيضا: إن حل قضية اللاجئين لا يكون إلا بإقامة دولة فلسطينية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين هناك، بدل إسرائيل.

المسألة إذا، وحسب هذه المقتطفات المعبرة، تتجاوز اتفاق المصالحة المصري بين فتح وحماس. إنها جزء من سياسات الدول العظمى، وهي سياسة يعرفها الحكام العرب جميعا، وهي أيضا سياسات يعرفها الفلسطينيون جميعا، ومنهم من يعارضها ويرفضها، أو يتصرف دون اعتبار لها، ومنهم من يخشى مغبة ذلك.

وقد آن الأوان لوقفة يقول فيها العرب، إن كانوا يريدون هذه السياسات الدولية أو أنهم يريدون شيئا مغايرا لها.

وقد آن الأوان لوقفة يقول فيها الفلسطينيون، إن كانوا يريدون هذه السياسات الدولية، أو أنهم يريدون شيئا مغايرا لها.

بأقوال صريحة واضحة يمكن إنجاز المصالحات بأيام.

أو.. بأقوال صريحة واضحة، يصبح الاتفاق منطقيا، ويصبح الاختلاف منطقيا، ونعرف عند ذلك أن الاتفاق ليس مسألة فلسطينية فقط، بل هو أيضا مسألة عربية ودولية.

ونخرج آنئذ من الغموض والظلام إلى ضوء النهار الساطع.