خبر أانتم جادون.. هآرتس

الساعة 09:31 ص|25 أكتوبر 2009

بقلم: عاموس هرئيل

لا غرو أن الاتفاق المتبلور، كما يبدو حاليا، بين ايران والاسرة الدولية بالنسبة لكبح جماح البرنامج النووي لطهران، قد استقبل في القدس باشتباه كبير جدا. ليس سهلا الاشفاء من الشكوك التي بنيت بمنهاجية على مدى نحو 15 سنة. وهذا لا يعود فقط الى أن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاح لا يبدو كنموذج انساني يبعث على الثقة على نحو خاص. النظام الايراني بأسره كسب باستقامة صورته المخادعة. وسيمر الكثير من الوقت الى أن توافق اسرة الاستخبارات الاسرائيلية، وفي اعقابها القادة السياسيون، على ان يشتروا التقدير في أننا في فيينا أنقذنا دولة اليهود.

في واشنطن تنتشر منذ الان شبه تقديرات، شبه شائعات وكأن الاتفاق الرسمي بين الاطراف سيوقع مع نهاية السنة والى جانبه سيشارك احمدي نجاد في احتفال رئيس الولايات المتحدة براك اوباما او على الاقل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مسودة متفق عليها تمت بلورتها بين الاطراف في فيينا، جر في اعقابه موجة من ردود الفعل، معظمها متحمسة جدا. الرد الايراني النهائي على المسودة يفترض به أن يصدر يوم الجمعة. استنادا الى سلوكهم في الماضي، يحتمل أن يحاول الايرانيون إذابة الخط الاحمر الذي وضعته القوى العظمى في المفاوضات، جمع خطوط وردية: عدة مطالب صغيرة اخرى، تماما قبل التوقيع، لانتزاع اتفاق اكثر راحة بقليل لطهران.

اسرائيل، وبالذات لان التسوية تبدو في متناول اليد، تجد صعوبة في الصعود الى موجة التفكير الايجابي. منذ الاعلان عن الحوار مع ايران وان كانت القدس اتخذت خطا متفائلا علنيا – اعرب عن الثقة الكاملة في قدرة اوباما على فرض تسوية معقولة على ايران وفي غيابها، المبادرة الى عقوبات اكثر تشددا تجبرها على الخضوع. ولكن ردود الفعل الاولى من القدس أول امس، بقيت حذرة وغامضة عن عمد. القلق لا يزال على حاله. التسوية المتبلورة تبقي ايران ثغرة لمواصلة خداع العالم، في ظل التقدم المدروس، وان كان ابطأ، نحو النووي. وبالمقابل، فان هذا سيقيد اسرائيل بحيث يمنعها، على الاقل في المدى القريب من أي امكانية الحصول على شرعية دولية لخطوة هجومية لتدمير المواقع النووية الايرانية.

المجاهيل في المعادلة

هذا الاسبوع جرت الجولة الثانية للحوار بين ايران والقوى العظمى. في الجولة السابقة، في بداية الشهر في جنيف، تبلور المسار الاولي للصفقة: ايران تبعث بشكل مؤقت بـ 75 في المائة من مخزونها من اليورانيوم المخصب الى روسيا ومن هناك الى فرنسا. بعد معالجتها في خارج البلاد، تعاد المادة الى ايران في صورة قضبان وقود (وقود نووية) تكون مناسبة فقط لاغراض البحث الطبي ولا يعود ممكنا استخلاص اليورانيوم المخصب بمستوى عال منها، ذاك المستوى الذي تعد منه قنبلة نووية.

الهلع نحو انجاز اتفاق كبير. معظم اجهزة الاستخبارات في الغرب تفترض انه حتى نهاية السنة سيكون لدى ايران يورانيوم مخصب بكميات كافية لانتاج قنبلة أو اثنتين. من هذه النقطة وحتى اعداد منشأة نووية اولى (خلافا لرأس متفجر نووي يمكن تركيبه على صاروخ وعملية تطويره أطول) يدور الحديث عن مسافة بضعة اشهر. الباحث الامريكي دافيد اولبرايت من الخبراء الرواد في البرنامج النووي، يقول ان الحل الوسط المتبلور سيمنح الغرب زمنا محدودا فقط. ستحتاج ايران نحو سنة لان تنتج مرة اخرى كميات بديلة لتلك التي اجبرت على تسليمها، نحو 1.2 طن.

ومثلما تنبأ هنا بدقة اللواء احتياط غيورا ايلاند في بداية ايلول، فان الحل الوسط الذي يبدو أن الولايات المتحدة ستوافق عليه اقل راحة بكثير لاسرائيل. ادارة اوباما، التي تقف امام الكثير جدا من المشاكل المشتعلة، سيسرها ان تنزل واحدة منها الى المكان الادنى في جدول الاعمال كي تعود للتركيز على معاضل مثل حجم تعزيز قواتها في افغانستان. ولا يزال، الاتفاق لم يوقع بعد ومن كل مكان يدور الحديث عن معادلة مع كثير من المجاهيل. ليس واضحا، مثلا، ما هي طبيعة العلاقات الان بين احمدي نجاد وسيده، الزعيم الروحي علي خمينئي.

رجال المعارضة الايرانيين يطرحون ادعائين: الاول، ان الثورة الخضراء التي اشعلتها قضية الانتخابات للرئاسة في حزيران الماضي أقوى مما يفهمون في الغرب (وهم يذكرون ان اسقاط حكم الشاه احتاج نحو سنة ونصف من النشاط المكثف). والثاني، ان الرئيس تجاوز من اليمين الزعيم وهو يعرض الان خطا ايديولوجيا اكثر كفاحية، حيازة قنبلة نووية لدى النظام هي جزء مركزي فيه.

 

الصاروخ والمشكلة اليهودية

يتعين على اوباما بالتأكيد ان يسأل نفسه اذا كان مرغوبا فيه الوصول الى تسوية تؤدي الى ازالة كل العقوبات عن ايران، التطبيع الكامل مع الغرب وتعزيز المكانة الداخلية لاحمدي نجاد. وكل هذا، حين تكون صيغة الاتفاق كما وردت في المسودة تترك الكثير من الثغرات التي يمكن لايران من خلالها أن تتقدم نحو النووي، وان كانت بوتيرة ابطأ مما في الماضي.

هذا ما ستحاول اسرائيل شرحه للامريكيين، ولكن من الصعب أن نعرف اذا كانت شروحاتها ستقع على اذان صاغية. النجاح المؤقت لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في "الا يخرج غبيا" على حد تعبيره وأجل استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية وتجميد البناء في المستوطنات لم يسهم على ما يبدو في تثبيت عطف زائد في واشنطن لزاوية النظر الاسرائيلية.

الامر الذي يجلبنا الى مسألة الصاروخ والمشكلة اليهودية. هل التسوية المتبلورة تضع حدا لامكانية هجوم اسرائيلي؟ ظاهرا، نتنياهو مقيد باعلاناته الدراماتيكية من السنوات الاخيرة، فضلا عن انه على علم بثمن الخطأ في حالة تبين ان الايرانيين نجحوا في خداع اوباما والوصول رغم ذلك الى القنبلة.

من جهة اخرى، فان هجوما جويا اسرائيليا على مواقع النووي، بعد الاتفاق، لن يحظى بذرة تأييد دولي. ينبغي الانصات الى ما يقوله الخبراء الامريكيون: اسرائيل بحاجة الى موافقة ما من الولايات المتحدة كي تهاجم، من النواحي العملياتية المرتبطة بالقصف نفسه وحتى الاسناد والمساعدة في حالة رد ايران بحرب.

التأييد التلقائي لميكرونيزيا في الجمعية العمومية للامم المتحدة لن يكفي هنا أغلب الظن. حتى اليوم كان يمكن تمني نضوج طريق ثالث – انهيار النظام من الداخل بسبب انتفاضة شعبية. ولكن الفرصة لذلك كفيلة بان تنقضي اذا ما اعتبر اتفاق فيينا انجازا يأتي به احمدي نجاد وآيات الله لشعبهم ويترافق ورفع العقوبات.

وعليه، في اسرائيل، مثلما في اجهزة الاستخبارات الاخرى في الغرب، سيواصلون المتابعة بشك لافعال الايرانيين انطلاقا من الافتراض بان الاكاذيب والاضاليل لا بد ستنكشف في المستقبل. التهديد الفوري لقنبلة نووية ايرانية يتبعد بسنة على الاقل و 2010 تبدو الان اقل اخافة مما كانت تبدو قبل بضعة اسابيع. في الخلفية، يحتمل ايضا أن يطرأ تغيير ما في مركز الثقل في ميزان القوى الداخلي في جهاز الامن: فهو كفيل بان ينتقل من الجيش الاسرائيلي، الذي سيكلف في المستقبل بهجوم جوي اذا ما كان مثل هذا، الى الموساد، المسؤولة عن مواصلة مهمة الاحباط السياسي. ولا تزال القضية الايرانية بعيدة عموما عن نهايتها.