خبر ولادة غولدستون.. هآرتس

الساعة 09:28 ص|25 أكتوبر 2009

بقلم: تسفي بارئيل

غولدستون ولد في حزيران 1967. والمقصود هو ليس القاضي من جنوب افريقيا بل تقريره، او للدقة، المفهوم في أن هناك حاجة لان يكون أسما مرادفا لحساب النفس الذي ينبغي لاسرائيل ان تجريه لنفسها بعد 42 سنة من الاحتلال. في الـ 575 صفحة من التقرير المليء بالتفاصيل، الاسماء والارقام، بين جملة انواع السلاح، اساليب التحقيق وبنود القانون الدولي، تختبىء ثلاث فقرات ارقامها 1674 – 1676، يكمن فيها التفسير للنتائج المأساوية لحملة "رصاص مصبوب".

في تلك الفقرات يستخدم غولدستون تعبير "تواصل" كي يقرر بأن الحملة لا يمكنها ان تكون مفهومة بحد ذاتها دون فحصها في تواصل الاحداث، الذي يتضمن ضمن امور اخرى الاغلاق التام المفروض على غزة على مدى ثلاث سنوات، سياسة هدم المنازل، الاعتقالات، التحقيقات والتعذيبات، ليس فقط في غزة بل وفي الضفة الغربية وفي القدس الشرقية ايضا. باختصار، حملة "رصاص مصبوب" ليست "حدثا"، بل حلقة في سلسلة أيامها كأيام الاحتلال.

التوازن المقدس الذي تطالب به اسرائيل، بين مصابي الحملة في غزة وبين المصابين في سديروت، بين صواريخ القسام وطائرات أف 16، بين قذائف الهاون والدبابة التي قتلت ثلاثة من بنات د. عز الدين ابو العيش، بين حماس واسرائيل، هو تعبير على فهم ضحل لجوهر التقرير. لقد وضع غولدستون هذا العرض المرضي تحت المجهر، واستخلص منه المرض. والنتيجة هي كتاب تعليمي كان ينبغي لعنوانه ان يكون "مرشد المحتل في العقد الخامس".

في غير صالحنا، مجرد نشر هذا الكتاب، وليس مضمونه، خلق مبررا للمنافسة بين اسرائيل ودول اخرى. اذ ان السؤال الذي يقلق اسرائيل الان لم يعد الوصف الذي تقشعر له الابدان للاحداث، بل اذا ما واين سيبحث في التقرير، من سيصوت "الى جانبه" ومن "الى جانبنا". الحساب الاسرائيلي هو مع الجميع، وليس مع انفسنا. اسرائيل تكافح ضد المجهر.

والدواء؟ هو ايضا مميز. بعد ضرب المبعوث بالمجرفة ينبغي ايجاد المذنب الحقيقي، وهذا بات موجودا. ليس الاحتلال – المتعرض للاحتلال ومبعوثيه العنيفين هم المذنبون. هم الذين يهاجمون من  داخل المدارس والمساجد، هم الذين ينقلون القنابل داخل سيارات الاسعاف، هم الذين يتجرأون على مقاومة الاحتلال بوسائل ماكرة بحيث لم يعد يتبقى مفر غير قتلهم دون تمييز. واذا كان هكذا هو الحال، فليس طبيعة الحرب هي ما ينبغي تغييره بل القوانين التي تقيدها. وها هي تتكون استراتيجية تسمى "حرب اللاتماثل"، جيش مقابل منظمات، جيش مقابل مدنيين، ولا يتبقى سوى الانتظار حتى تصيغ بطارية من رجال القانون قوانين جديدة وتمنح أذون جديدة لقتل عديم التمييز، تبعث بغولدستون الى القمامة.

مثير للاهتمام ان بالذات بعد تقرير غولدستون تثور مسألة قوانين الحرب. فلماذا لم تنشأ مبادرة كهذه بعد الاصابات المأساوية مثل تلك التي وقعت في كفر قانا في لبنان؟ لماذا ليس بعد تلك القنبلة الاسرائيلية – التي اثارت اسطورة "الضربة الخفيفة في الجناح" – فدمرت بيتا سكنيا على سكانه في غزة؟ لماذا ليس بعد القصف بلا قيود في لبنان؟ ضمن امور اخرى، لانه في حينه كان لا يزال يسود الاعتراف بأنه يجب ان يكون هناك مقياس لا مساومة فيه يقرر ما هو المسموح وما هو الممنوع، والعلم الاسود لا يمكنه ان يرفع. ليس في حرب "متماثلة" ولا في تلك "غير المتماثلة". ومن يبدي الاستعداد لتسويغ قتل دون تمييز، يسوغ بذلك ايضا الارهاب. هذا الاعتراف آخذ في التشوش. ولولا ذلك لتشكلت لجنة تحقيق اسرائيلية، ليس كي نثير الانطباع لدى أمم العالم بعد تقرير مدين، بل لتأكيد المقاييس الانسانية.

يتبقى تساؤل آخر. لماذا بالذات ضد اسرائيل خرج هذا الزبد ولم يخرج ضد الولايات المتحدة او بريطانيا. مواطنون عراقيون، افغان وباكستانيون كثيرون، ليس معروفا بيقين كم عددهم، قتلوا في قصف بلا تمييز قامت به الجيوش الاجنبية. لم تتشكل اي لجنة تحقيق رسمية دولية لفحص سلوك الجيش الامريكي او البريطاني. والسبب في ذلك هو ان الحربين في العراق وفي افغانستان تتمتعان بشرعية دولية وبقدر غير قليل ايضا من جانب السكان  المحليين. واهم من ذلك، لاحتلال العراق يوجد ايضا موعد نهاية محدد. الاحتلال الاسرائيلي، بالمقابل، يظهر بوادر تخليد. النفور منه يهز حتى الاصدقاء.