خبر ما بعــــد عباس ..أيمن خالد

الساعة 07:03 ص|25 أكتوبر 2009

ما بعــــد عباس ..أيمن خالد

واضح أن عباس راحل إلى غير رجعة، لاعتبارات كثيرة، ليس اقلها أن الأمريكان لا يستطيعون الاستمرار مع رجل، أصبح يمثل إشكالية بالنسبة لهم، لأن لديهم برنامجهم، لا أقول الذي لا يتوافق مع وجود عباس، ولكن لأن بقاء هذا الرجل لا ينفع للمرحلة القادمة، فهو رجل استطاع إدارة الأزمة مع حماس، لكن هذا الأمر يتعب الأمريكان الذين يفكرون ببناء سياستهم وفق مصالحهم المستقبلية، ولديهم فلسفة تريد بناء وفتح خطوط عديدة في مختلف الساحة الفلسطينية، ويمكننا أن نقول أن هناك فلسفة صومالية رغبت بها أمريكا في أن تكون في الساحة الفلسطينية، كما أن هناك محاولات حثيثة لاستنساخ فلسفة صومالية في أفغانستان، وهي أشياء بالمجمل، تعتمد على رؤية كيميائية للسياسة، تقوم وفق فكرة غرس فايروس محدد داخل الجسم السياسي لأي حركة معارضة، ليعمل على تغير نمطها وإتلافها من الداخل، وهذا لا يفيد في حالة وجود معسكرات متناقضة بعضها يقوي وجود الآخر، بينما المطلوب حالة مختلفة تماماً.

 

بالنسبة للكيان الصهيوني، أيضا فهو لا يعتبر عباس رجلا مثاليا، حتى لو قام وأعلن عن بنائه للهيكل المزعوم بنفسه، وذلك لأمرين اثنين.

 

 الأول: إن العقل اليهودي يحمل إشكالية بنيوية داخلية، فهو عملياً سيطرت عليه فكرة الأسطورة، وتحولت إلى دلالة عملية يعيشها الساسة في هذا الكيان، الذين يريدون الأشياء جاهزة( وفق ما يريدون) وليس وفق ما يأملون، ولذلك فإن عالم الأفراد المقابل لهم، من القادة والساسة، لا يمثل لهم قيمة مادية، فهم في علاقاتهم مع الدول، تائهون ما بين سرقة التكنولوجيا الأمريكية وبيعها للصين، وصولا إلى بيع كازاخستان أسلحة فاسدة، إلى علاقاتهم العربية مع دول المعاهدات واستحقارها في سيل المعاملات السياسية وغيرها، كل هذا لا يعني أن هذا الكيان مستعد للبناء على علاقة مع مؤسسة أو رجل أو مستعد للوفاء لهذه العلاقة وإعطائها أي قيمة تذكر.

 

 الثاني: أن الساسة الصهاينة، هم والكيان الصهيوني ذاته، مجرد نتاج للحالة العربية والإسلامية السيئة، ولنقل هم نتاج حالة الفراغ في المقاومة الحقيقية سابقاً، ووجودهم الآن هو نتاج عدم إعطاء مشروع المقاومة من الأمة القيمة الحقيقية، وبالتالي فإن الكيان الصهيوني، لا يقوم وفق سياسة بناها عقل استراتيجي صهيوني، ولا يوجد بتاتاً أي بُعد استراتيجي في العقل الصهيوني، وإنما هذا الكيان هو حالة بناء محكمة، في فراغ كبير، صنعه العجز العربي وحافظ عليه، وإذا كنا أمام عالم الأساطير نفسه، الذي يحكم هذه المؤسسة، فإننا نجد أن الساسة الصهاينة، يفكرون بحدود اليوم الواحد، ويعيشون سياسة يومية فقط، أبرز سماتها العقل المتقلب، والعلاقات الدولية التي أشرنا لها وتفتقر لأدنى سبل المنطق، ولكننا نحسب أن لهذا الكيان رؤية إستراتيجية محكمة، لأن الذي يعيش وسط الفراغ لا يعرف الجغرافيا وسمات المكان.

 

الضجيج في الساحة الفلسطينية الحالي هو مؤقت، يناسب فكرة التحضير لطرح مبادرة أوباما،  حامل جائزة نوبل للسلام، والذي لا يصح أن لا يقدم مشروعا للتسوية، ولا بد أن تسبقه مبادرات إنسانية في غزة، واختصار بعض الحواجز في الضفة، ولا أجد مكاناً للرئيس العجوز محمود عباس، في كل ذلك، لاعتبارات كثيرة، وبالطبع، لن تكون قصة المبادرات طويلة، فالأمريكان أصبحوا يخوضون حروبهم على طريقة القرون الوسطى، فهم يحاربون صيفاً، وفي الشتاء يخوضون حربا من نوع آخر هي حرب المبادرات، وبالتالي فنحن أمام بداية موسم ثلج أفغانستان، حيث سيعود سكان تورا بورا إلى كهوفهم، لتدخل أفغانستان موسم البيات الشتوي، وهنا تتفرغ الإدارة الأمريكية لبرامجها السياسية في فلسطين.

 

ما بعد عباس، هناك مسائل غير غامضة، وهناك إستراتيجية أمريكية، تقوم على تحويل القضية الفلسطينية من قضية مقاومة تتزعمها حركات المقاومة، إلى قضية ذات طابع مختلف تماماً، وهناك في الساحة الفلسطينية أطراف عديدة، جاهزة ومعدة لدخول مرحلة من الضلال الفلسطيني الجديد، أو التيه، أو أي شيء آخر، ولا أظن أن الوضع الحالي يناسب أمريكا، فهو وضع مؤقت وصراع فلسطيني مؤقت، يساهم في إدخال عنصر اليأس على الشعب الفلسطيني الذي مطلوب منه أن يترك المقاومة، ويخلعها من ذاكرته، وعليه أن يقبل بأي جديد غير فكرة المقاومة.

 

أما الساسة الصهاينة، فهم كالعرب، يفكرون يوما بيوم، وساعة بساعة، ولكننا نجهل أكثر الأشياء، فالأمريكان هم من يعرف كيمياء السياسة، وأما الأطباء العرب فلا يزالون يجربون التداوي بالأعشاب،  ولم يجربوا بعد حتى الإبر الصينية في الوخز.