خبر طولكرم: شابةٌ ترفض الانفصال عن خطيبها الأسير و المحكوم 23 عاماً

الساعة 08:41 ص|24 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم- كتب/محمود أبو عواد

لعل من يقطن في هذه البقعة من الأرض المسماة "فلسطين" يسمع الكثير من القصص والروايات التي لا تتوقف عن التدفق بوقوعها هنا وهناك.

 

فهذا الشعب الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال، لا بد وأن تجد بين ثنايا حياته قصصاً تحاكي آلام وجرح أهله الذين لم ترحم قوة العدو صغارهم و كبارهم برجالهم ونسائهم، فخلق ذلك لديهم شيئاً من الأمل يُطلق عليه "إرادة الحياة" رغم مُرها وحلُوها.

 

وفي كل مدينة وقرية ومخيم لابد وأن تجد العجب العُجاب من الأسرار التي تُطبق جدران المنازل على همسات أصحابها الممتلئة قلوبهم بالحزن والألم على ما ألم بهم من فقدان الأبناء والأحباب ما بين الاغتيال على يد عدوٍ احترف القتل، أو الاعتقال على خاصرة ذات العدو الذي امتهن الإذلال.

 

ولعل بلدة صيدا الواقعة شمال محافظة طولكرم بالضفة المحتلة إحدى تلك القرى والبلدات التي لا تبوح بأسرارها كثيراً رغم الدماء التي نزفت فيها أجساد الشهداء والجرحى، وأنين أمهات الأسري الذي لا يسمعه سوي جدران منزلٍ متماسك ترقِ جدرانه بدفءٍ يجرح القلب ويزيد من جُرح الحياة التي تهمس بها شفاه ذوي المعتقلين.

 

ومن أسرار "إرادة الحياة".. سرٌ نادر الوجود.. "آمنة عوني عبد الغني" فلسطينية تقطن في بلدة صيدا قضاء طولكرم، وتبلغ من عمرها العقد الثالث، وفي حياتها سرٌ عنوانه "أنور عليان" فلسطيني من سكان مخيم نور شمس بطولكرم ويبلغ من عمره العقد الثالث، ولهذا السر حكاية طويلة تملؤها الإرادة والصمود والتحدي رغم آلام الليالي وصعوبة الاستمرار بمشروع الحياة الأكبر.

 

بداية القصة

مع بداية انتفاضة الأقصى انضم الشاب "أنور عليان" إلى صفوف سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وما لبث حتى أصبح مطارداً كما باقي أفراد المقاومة الفلسطينية، حيث أصبحت تلاحقه قوات الاحتلال في كل مكان، قبل أن يتوجه لمنزل اثنين من أصدقائه بمنطقة "صيدا" للاختفاء عن الأنظار.

 

تقول آمنة "بعد عدة محاولات لاعتقال "أنور" توجه للاختفاء في أراضي زراعية نملكها محيطة بمنزل عائلتي حيث كان متواجداً إلي جانب أشقائي المطلوبين "أنور وشفيق عبد الغني"، وبعد فترة من وجوده طلب من أشقائي أن يتزوج بي، وقام أشقائي بمشاورتي في الأمر وكنت مترددة جداً في ذلك خوفاً من استشهاده أو اعتقاله في بادئ الأمر وتركت لنفسي المجال للتفكير قبل أن أوافق، إلا أن الأمور لم تكتمل بعد أن أقدمت قوة عسكرية على اغتيال شقيقي القيادي بسرايا القدس "أنور" بتاريخ 15-2-2002م.

 

وتضيف "بعد نحو ستة شهور أعاد "أنور عليان" طلبه بالزواج مني، إلا أن ذلك لم يتم أيضاً بعد أن اعتقل في شهر 4- 2003، حيث اشتدت الملاحقة ضده وتمكنت قوات الاحتلال من محاصرة عمارة كان بداخلها على أطراف مخيم طولكرم واعتقل خلال العملية، وبعد جلسات طويلة تم الحكم عليه بالاعتقال 23 عاماً بتهمة نقل أسلحة وتمويل جهات إرهابية وانتمائه للجهاد الإسلامي وإدخال سيارة مفخخة لمدينة الخضيرة".

 

تحدي وأمل

وتتابع "في 2-5-2005 أقدمت قوة خاصة على اغتيال شقيقي القيادي بسرايا القدس "شفيق"، وبعد عدة أشهر، جدد أنور تصميمه على خطوبتي رغم وجوده بالمعتقل، إلا أن الظروف المحيطة بالعائلة لم تسنح لذلك إلا منذ نحو عامين وخلال وجوده بالسجن أعاد "أنور" وعبر المحامي الذي كان يزوره بالتوجه لوالدي لطلب الخطوبة بشكل رسمي إلى حين الخروج من المعتقل وإتمام عملية الزواج، وبعد أن أديت صلاة الاستخارة قبلت بذلك".

 

وتضيف "وبعد فترة بدأت أجد الضغوط تنهال عليَّ بإقناعي بالانفصال عن "أنور" للحكم الكبير الذي تعرض له، إلا إنني كنت أرفض ذلك، وكان يتقدم عدد من الشبان لخطبتي وأؤدي صلاة الاستخارة وعندما أقوم بتأديتها يزيد ذلك من عزيمتي بالتمسك في البقاء كخطيبة لـ "أنور" وأرتاح نفسياً بعد أداء الصلاة وكأن هناك شيئاً يُصبّرني ويدعونني للبقاء متمسكة به".

 

وتواصل "كما أنني بعد أداء صلاة الاستخارة دوماً أشعر وكأنه لن يطول بقاؤه بالمعتقل وأن الإفراج عنه سيكون أقرب ما يكون وأشعر براحة نفسية تامة وأوكل أمري دوماً لله".

 

لم تتلقى مهراً.. ظروف عائلية صعبة

وعن ظروف عائلة "أنور"، تقول آمنة عبد الغني إلي أن "أنور" تعرض لأشد حملات محاولات اعتقاله بعد أن قام شقيقه القسامي "أحمد عليان" بتفجير نفسه في مطعم بمدينة نتانيا وقتل وأصيب فيها العشرات، حيث كان شقيقه أول استشهادي في ما يعرف بـِ "العهدة العشرية" التي أطلقتها كتائب القسام آنذاك بداية الانتفاضة وأقدمت قوات الاحتلال على هدم منزل عائلتهم المكون من طابقين.

 

وتضيف "كما أنه كان يُعد المعيل الوحيد لعائلته بعد استشهاد شقيقه، حيث يوجد له شقيق ثالث يعاني إعاقة ووالده مسن لا يقدر على العمل، وتعتمد العائلة على مخصص ابنها الأسير أنور والذي يصل لـ 1300 شيكلاً فقط والذي لا يعد مبلغاً كبيراً في ظل الغلاء المعيشي والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية".

 

وتشير إلي أن "أنور" منذ بداية ملاحقته وحتى اعتقاله لم يتمكن من زيارة أهله بسبب شدة الملاحقة التي كان يتعرض لها".

 

وأوضحت "آمنة" أنها قبلت بـِ "أنور" دون أن تتلقى مهراً، وأنها تراعي ظروف عائلته الاقتصادية وأنها لا تهتم للمهر بقدر ما تهتم باحترامها له ولشخصيته ولما بذله في سبيل وطنه.

 

منع من الزيارة ومناشدات

وكشفت "آمنة عبد الغني" عن حرمان قوات الاحتلال لها من زيارة خطيبها "أنور عليان" بشكل دائم، على أن يتم زيارته ساعتين كل ستة شهور.

 

وعن حالته الصحية تقول أنه يعاني ظروفاً صحية ونفسية سيئة بسبب الإهمال الطبي وتعرضه لفترة تعذيب قاسية إبان اعتقاله استمرت ثلاث شهور في سجن الجلمة وتعرضه للعزل الانفرادي ومنع ذويه فترة كبيرة من زيارته في المعتقل بذرائع أمنية واهية.

 

وناشدت "آمنة" فصائل المقاومة الفلسطينية الآسرة للجندي الصهيوني بغزة "جلعاد شاليط" بوضع اسم خطيبها "أنور عليان" على لائحة الأسرى التي تطالب المقاومة بالإفراج عنهم مقابل تسليم شاليط.

 

وقالت في حديثها "نتمنى من الفصائل الآسرة للجندي شاليط بأن تضع اسمه في قائمة الأسري الذين سيُفرج عنهم نظراً للظروف التي تعيشها عائلته".

 

عائلة آمنة

وعن عائلتها تقول "آمنة عبد الغني" أن شقيقها "أنور" القيادي بسرايا القدس قد اغتالته قوات صهيونية خاصة في صيدا بتاريخ 15-2-2002م، بعد اشتباكات وقعت بينه وبين القوات الخاصة قبل أن يقتل ضابط ويصيب آخرين وكانت تلاحقه قوات الاحتلال بعد اتهامه بالمسئولية عن عدة عمليات استشهادية، فيما اغتالت قوة صهيونية خاصة أخرى شقيقها "شفيق" في جبال صيدا بتاريخ 2-5-2005، حيث دارت بينه وبين القوات الصهيونية اشتباكات فقتل ضابط وجندي وأصيب آخرون، وتم اعتقال المجاهد "عبد الفتاح رداد" مصاباً مما أدى لاستشهاده بعد أيام داخل السجن.

 

وتضيف "كما تعرض شقيقي الثالث صلاح لثلاث عمليات اعتقال كانت الأولى في 2005 بعد استشهاد شقيقي "أنور" وذلك لمدة عام ونصف، ثم اعتقل عام 2007 لمدة شهرين بعد اعتقاله على حاجز طيار، ويقضي منذ 21-7-2009 عملية الاعتقال الثالثة التي وقعت بعد أيام من الإفراج عنه من سجون السلطة بتهمة الانتماء للجهاد الإسلامي".

 

وتابعت "كما تعرضت شقيقتي نجوى للاعتقال مرتين عام 2007 بعد عودتها من أداء العمرة، وقد تم الإفراج عنها بغرامة مالية بعد 20 يوماً من التحقيق، حيث اتهمتها آنذاك قوات الاحتلال بالانتماء للجهاد الإسلامي ونقل أموال لجهات إرهابية، ثم تعرضت من جديد للاعتقال إلي جانب شقيقي صلاح في 21-7-2009، بعد اقتحام منزل العائلة وقد تم الإفراج عنها خلال صفقة المقاومة الأخيرة".

 

وختمت "آمنة عبد الغني" حديثها بالقول "لم أكن أتوقع الإفراج عن شقيقتي سريعاً، لكن أملي بالله لن يحرمني من أن أتطلع للإفراج عن خطيبي قريباً".

 

شهداء.. جرحى.. أسرى.. أمل وصمود.. تحدي وعزيمة.. هذه هي الصورة أمامنا.. "آمنة عبد الغني- أنور عليان" هي صورة لتلك الأسرار التي لا تبوح بها "إرادة الحياة" لدى الفلسطينيين، ولكن هل تبقي تلك الصورة محفورة في قلوب الأشهاد عليها!.