خبر نتنياهو يبحث عن اتجاه..معاريف

الساعة 11:23 ص|23 أكتوبر 2009

بقلم: بن كاسبيت

"نتنياهو لا يخشى من باراك. باراك حسب اعتقاده لا يشكل تهديدا حقيقيا في الانتخابات القريبة. خوف بيبي الاساسي يأتي من ناحية رئيس هيئة الاركان"، قال احد المقربين من رئيس الوزراء لمن قال، "رئيس هيئة الاركان وحده يشكل تهديدا محتملا لبيبي. هو يتمتع بالشعبية، الشعب يحبه وحتى الانتخابات سيتسرح من الجيش وهذا الوضع قد يكون خطيرا".

لا، لا يتعلق الامر بغابي اشكنازي. رغم انه هو ايضا يتمتع بالشعبية. اشنكازي على ما يبدو ليس ذو صلة بالانتخابات القريبة. قانون التبريد يحكم عليه بثلاث سنوات انتظار قبل الولوج الى عالم السياسة بعد تسرحه من الجيش (قانون غير ديمقراطي صارخ يمس بالحق الاساسي للانتخاب والترشيح). هذه الكلمات صدرت عن احد المقربين لدرجة كبيرة من نتنياهو قبل اكثر من 11 عاما في ولايته الاولى. نتنياهو كان رئيس الوزراء وباراك كان رئيس المعارضة، رئيس هيئة الاركان الفريق امنون ليفكن – شاحاك. هذه الامور نشرت هنا. ومن بعدها جاءت الاستطلاعات. اسم ليفكن – شاحاك بدأ يظهر كمرشح محتمل لرئاسة الوزراء (كانت تلك ايام الانتخابات بالطريقة المباشرة). الارقام التي حققها وصلت الى عنان السماء. روني ميلو انتظر في الخارج بصبر. دان مريدور استقال من منصبه كوزير للمالية وانضم. ليفكن – شاحاك تسرح من الجيش وتشكل حزب الوسط. في اللحظة الاخيرة استقال وزير الدفاع ايضا اسحاق مردخاي وصعد مباشرة الى رأس الهرم. خلاصة القول، تمت ازاحة بيبي جانبا. ولكن ليس لصالح الحزب الجديد الذي انهار فوق تشكيله وانما لصالح ايهود باراك الذي ابتلع هذا الاصطفاف ولم يعرف انه آت الى احضانه. في  الاسابيع الاخيرة من الانتخابات وبسبب طريقة الانتخاب المباشر تدفق ناخبو الوسط باتجاه باراك وحزب العمل وازاحوا بيبي جانبا. حزب الوسط فعل فعله والان اصبح بامكانه ان ينصرف. وقد انصرف بالفعل. ليفكن – شاحاك وميلو خرجا من الحياة السياسية، ومردخاي دفع للاستقالة، اما مريدور فقد استقال ثم عاد وكأن شيئا لم يحدث، مباشرة الى اذرع نتنياهو.

عودة الى ايامنا: ايهود باراك يبدو كمن يستطيع ابتلاع شالوم سمحون حتى. هناك من يعتقدون انه قد ابتلعه فعلا. غابي اشكنازي كما اسلفنا ليس في اللعبة الحالية. تسفي لفني تراوح في المعارضة. الحكاية السياسية التي تقلق بيبي الان هو النص الجديد المسمى "اليسار الوطني" الذي أعده الكاتب المسرحي شموليك هسفاري والمحامي الداد يانيف وأرسل الى مواقع الانترنت في الاسابيع الاخيرة. هذا ليس ازعاجا حقيقيا ذلك لان الانتخابات ليست في الاجواء وكل شيء ما زال خاما واوليا جدا، ومع ذلك. رغم النفي الرسمي، بعض المقربين من نتنياهو يتحدثون عن هذا النص ويتحققون من شعبيته ايضا. وفقا للتقديرات، هذا نص يمكن هضمه جيدا في بطن التيار الرئيسي الاسرائيلي اللين ومفهوم من قبل اجزاء واسعة في الوسط – يسار، ربما ايضا اليمين اللين. وفي حالة حدوث انتخابات ان تمت ترجمة هذا النص البرنامجي الى حزب فانه سينشىء لنفسه قادة ملائمين. وسيقضي على ما تبقى من حزب العمل ويقضم حزب كديما بصورة ملموسة، ويلتقط بعض الاطراف الموجودة في الهامش اليساري من الليكود. طاقة احتمالية جيدة. في ظروف معينة يمكن لهذه الطاقة المحتملة ان تنتصر. هذا طبعا يعتمد على ما سيحدث حتى الانتخابات القادمة واي رصيد سيطرحه نتنياهو على الناخبين.

ايضا في دائرة تسيبي لفني هناك من قرأوا هذا النص بحرص وتدقيق. حاييم رامون احدهم. مثال عابر. الكثيرون يعتقدون هناك ان هذه الفكرة ذات انطلاقة ممتازة. فكرة يمكنها ان تصعد فوق الامواج. جوهر يساري تمت صياغته بلغة يمينية. افكار ستجتذب اليها اصوات كثيرة من كافة الاتجاهات. مشكلة هذا النص انه لا يمتلك قائدا. هناك عربة وليس هناك سائق عربة. كما انهم لم يجدوا الاحصنة التي ستقود هذه العربة. هناك من يحثون هسفاري ويانيف على تشكيل شعار سياسي ومواصلة هضم ذلك حتى الانتخابات. وماذا سيحدث حينئذ؟ لا احد يعرف. اما ان يجدوا قائدا واما ان ينضم هذا الاصطفاف الجديد الى حزب قائم، او ان تتبنى تسيبي لفني جزءا من هذه الافكار وتبتلع النص وناخبيه، مثلما ابتلع باراك جماعة ليفكن شاحاك سابقا. كل هذا كما اسلفنا يعتمد على ما سيفعله نتنياهو. ان اصبح رئيس وزراء ممتاز يحظى بالشعبية فلا يمكن لاي نص سياسي جديد مهما كان ألمعيا ان يشكل خطرا عليه. وان لم يفعل؟ فان الوضع سيصبح مثيرا ولن يكون هناك نقص في النصوص السياسية والافكار الجديدة.

في الوقت الحاضر، يتواصل التفاعل في الجهاز السياسي بكامل بؤسه. لمواجهة انفراط حزب العمل المتواصل، تتواصل مساعي اتباع نتنياهو لايجاد البديل. على سبيل المثال تم ارسال رسالة اس ام اس في يوم الاثنين الاخير على يد مستشار نتنياهو السياسي شالوم شلومو لهاتف عضو الكنيست يسرائيل حسون من كديما. طبيعة هذه الرسائل هي انها لا تصل دائما الى العيون التي صوبت اليها. يتحدثون مع حسون واخرين حول امكانية الانتقال لليكود. هذه الخطوة بالنسبة له اسوأ من الانتحار. ليس هناك فيلم كهذا الان كما يقول حسون وهو يعرف ما يقول لانه قد بدأ حياته السياسة في "اسرائيل بيتنا" مرورا الى كديما وبامكان الانتقال الاضافي لليكود ان يشكل شهادة وفاة سياسية نهائية لشخصية نوعية ثرية التجرية مثله.

مع ذلك يقلق نتنياهو من امكانية بقاء كومة من الغبار في المكان الذي يقف فيه باراك الان او ان يحاول وزير الدفاع احداث ازمة ائتلافية لاعادة الاعتبار بعض الشيء الى مكانته الضائعة (حول توزيع صلاحيات المستشار القضائي للحكومة مثلا). في هذه الحالة يريد بيبي حلا جاهزا. المشكلة هي ان هذا الحل ليس متوفرا ولن يكون ايضا. بالضبط مثل قضية غولدستون فالغطرسة المبكرة والعجرفة في هذه الحالة وتمرير "قانون موفاز" المتغطرس تسبب برد فعل عكسي. موفاز ادار مفاوضات دقيقة في حينه مع اتباع نتنياهو وتطرق الى اصغر التفاصيل حول عودته لليكود. ولكن بعد ما حدث ادرك هو ايضا انه ان اقدم على خطوة كهذه فسيتحول الى خردة سياسية اكثر صدأ من حزب العمل حتى. عدا عن روحاما افراهم التي ستسير دائما مع من يعدها بمكان في الكنيست او وراء طاولة الحكومة. هذه الحكاية تبدو مدفونة في هذه المرحلة. من الناحية الاخرى ان سار بيبي نحو خطوة سياسية حقيقية وليس من المؤكد ان تسيبي ستستطيع فرملة هذه الموجة التي ستغمر كديما  وتكون بمثابة تسونامي حقيقي، واذا ما حاولت لفني منعه بجسدها فقد تكتشف ان هذا الجسد ليس عريضا بالدرجة الكافية.

كيف يمكن الرد على الراجمات؟

التوتر الذي تكشف في هذا الاسبوع للحظة بسيطة بين وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان ليس مؤقتا او عابرا. منذ مدة طويلة يسود توتر هناك وربما حتى توتر شديد. في محيط غابي اشكنازي لا يريدون الاقتناع بان ايهود باراك لن يقوم في اللحظة الاخيرة باجراء تحقيق خارجي في عملية "الرصاص المصبوب". الثقة بين الجانبين تصدعت  منذ زمن قد كانت هناك محاولات لاعادة بناء هذه الثقة الا ان ذلك لا يسعف شيئا على ما يبدو.

في احدى المرات قبل حوالي شهرين سمع باراك وهو يجري محادثة هاتفية غاضبة مع اشكنازي حول الجدل الجاري في كيفية الرد على اطلاق قنابل راجمات من القطاع نحو اسرائيل. باراك طالب بارسال الطائرات الى السماء وقصف الانفاق. اشكنازي بدعم من الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية اقترح التحلي بالصبر وضبط النفس. حماس وفقا للمعلومات تحاول كبح الاطراف العاصية التي تطلق النار ولذلك يتوجب اعطاء فرصة قبل اشعال الارض. باراك اصر على موقفه. اشكنازي من ناحيته طالب بطرح الموضوع على رئيس الوزراء فقال له باراك "لا تأخذني الى هذه الزاوية" فاخذ الجدل يحتدم بينهما. في اخر المطاف صعدت الطائرات وقصفت. اتباع باراك قالوا حينئذ انه يحاول الجسر بين رئيس الوزراء الذي يطالب الرد على كل قصف من القطاع وبين الجهاز العسكري والامني الذي يحاول الرد وفقا للاحتياجات، والعد حتى 10 وان يكون ذكيا اكثر من كونه محقا. المسألة هي ان اسرائيل الان قد تنكسر وتشكل طاقم تحقيق مغزاه اعلان عدم الثقة بتحقيقات الجيش الاسرائيلي ووضع كافة الطيارين وطواقم الدبابات والمقاتلين تحت علامة الاستفهام. ليس من الممكن الامساك بهذه العصا من طرفيها. يتوجب حسب الامر. اما اطلاق المقاتلين نحو المعركة وتقديم الدعم لهم بعد ذلك طوال الطريق واما لا.

بعد الحادثة التي وصفت هنا هدأت الخواطر. الزوجان باراك توجها مع غابي ورونيت اشكنازي لمأدبة عشاء دافئة في مطعم تل ابيبي. بدى في حينه ان الثقة قد عادت. ولكن الاحداث واصلت تسلسلها والتوتر عاد في الوقت الراهن. قضية التعيينات كذلك تلقي بظلالها. العميد ايتان دينغوتن سكرتير باراك العسكري الذي كان منسق العمليات في المناطق لم يحصل على الرتبة بعد بصورة رسمية. من الناحية الاخرى العميد مايك هرتسوغ ايضا رئيس طاقم باراك لم يتنازل عن حلم الحصول على رتبة الجنرال. هذا الشرك سيتواصل على ما يبدو للابد. الان تمارس الضغوط حتى يحل هرتسوغ محل مئير كليفي في منصب السكرتير العسكري لرئيس  الوزراء. كليفي بالمناسبة لم يشف بعد من جراح قضية السفر الى روسيا وينوي الاستقالة في كانون الثاني. العلاقات الدافئة التي نسجت بين هرتسوغ والمحامي يتسحاق مولكو خلال الزيارات الطويلة لواشنطن يمكنها ان تساعد في هذا التعيين. في المقابل هناك ارتياب نتنياهو الطبيعي وفي مواجهة ذلك كله يقف هرتسوغ نفسه الذي هو الشخص الاكثر اطلاعا على المفاوضات التي اجرتها اسرائيل منذ اوسلو. ذاكرته المتراكمة وتجربته قابلة للقياس او للتقدير. اشكنازي يواصل المعارضة ومنح رتبة جنرال لهرتسوغ الذي قد يأسف على اليوم الذي ولد فيه ان علق في  اخر المطاف في ديوان نتنياهو وحظي بعناية خاصة من عوزي اراد.

اين بيبي؟

الان يطرح السؤال اين بيبي. وفقا لعدد من الاشخاص المقربين من نتنياهو، هو يؤمن بكل جوانحه بالاصلاح الذي يقترحه يعقوب نئمان، ولكنه يخشى من ذلك. يخشى من الكيان المسمى "النخب". قضية بار أون – الخليل اصابته بجراح في السابق وليس لديه اي سبب لفتح بوابات جهنم من جديد على نفسه. وهناك ايضا عدة أمور. يعقوب نئمان لا يمتلك قوة سياسية. علاقاته مع افيغدور ليبرمان بعيدة جدا عما كان ذات مرة. وربما يقوم ليبرمان تحديدا بترك نئمان وحيدا في الميدان؟ لا احد يعرف. نتنياهو على اية حال ملزم بحسم الامر. ربما سيحاول التسويف مع نئمان وكسب الوقت والتأجيل والمراوحة لابقائه في الحكومة بطريقة ما. وربما لا. ملف العدل شاغر ويمكنه ان يحل له عددا غير قليل من اوجاع الرأس السياسية. من ناحية اخرى من المحظور ان ننسى التقارب التاريخي بين نئمان وعائلة نتنياهو. وكذلك القضية نفسها، بأنه يجب ان يكون أهم من كل الصفقات. احد الاطراف السياسية المقربة جدا من نتنياهو يعتقد بانه سيفعل ذلك وسيعطي لنئمان الدعم المطلوب ويتلقى الانتقادات ولكنه سيغير الجهاز القضائي كما يقترح نئمان ويقود الاصلاح. ذلك لانه يحب الاصلاحات. وها هو امام اصلاح جيد الان وربما ضروري.