خبر مكيف منفصل..هآرتس

الساعة 11:22 ص|23 أكتوبر 2009

بقلم: تسفي بارئيل

التقرير الذي نشره هذا الاسبوع مدير وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، د. حازم عاشور، يمكن أن يفيد باحثي العمليات الانتحارية، الرمز الواضح للانتفاضة الثانية. حسب عاشور، عدد محاولات الانتحار، بما في ذلك تلك التي نجحت، والذي سجل في السلطة الفلسطينية في 2009، بلغ حتى الان 223 ، منها 102 في منطقة نابلس وحدها.  والاسباب لذلك متنوعة: من الازمة النفسية والامراض النفسية العضال وحتى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، نتيجة القيود الاسرائيلية التي تمنع امكانيات العمل، البطالة، الحصار الذي فرض على المناطق وانعدام الامل بحياة افضل. معظم محاولات الانتحار، بالمناسبة، كانت لنساء وعزاب.

يمكن التقدير بانه لو اندلعت انتفاضة جديدة، فان قسما هاما من هذه المحاولات كانت ستصبح عمليات انتحارية وتنتقل الى تصنيف "الانتحار لاسباب وطنية". نحن 150 عملية انتحارية نفذت منذ اندلاع الانتفاضة في ايلول 2000 مقابل 21 عملية كهذه حتى تلك السنة، مع أنه حتى 2000 كان للمواطنين الفلسطينيين ما يكفي من الاسباب لنزع حياتهم بايديهم. اليوم ايضا كما يتبين، الامكانيات الكامنة للعمليات الانتحارية لم تتضرر. ما ينقص هو الشرارة التي تدفعها لان تتحقق.

الاسباب التي أدت الى اندلاع الانتفاضتين السابقتين لا تزال قائمة: المفاوضات السياسية لا تتقدم الى أي مكان؛ الطموح الوطني في اقامة دولة فلسطينية مستقلة لا يجسد نفسه، سواء لانه لا يوجد في اسرائيل شريك للمفاوضات ام لان القيادة الفلسطينية غير قادرة على اتخاذ قرارات عملية؛ والوضع الاقتصادي، رغم التحسن، لا يزال بعيدا عن ان يلبي للمواطنين الرفاه الذي ينتظرونه، او مستوى الدخل الذي كان قائما في المناطق قبل الانتفاضة الثانية.

ولكن سيكون خطيرا استخلاص الاستنتاجات  استنادا الى معطيات عديمة الارتباط. رغم رؤيا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فان الاقتصاد المتين ليس سورا واقيا ضد اندلاع العنف. هكذا، مثلا، عشية الانتفاضة الثانية كان يعيش 21 في المائة من السكان الفلسطينيين "فقط" تحت خط الفقر، مقابل 46 في المائة في نهاية 2001. الدخل الوطني الخام بلغ نحو 5 مليار دولار في نهاية 1999 والبطالة كانت نحو 11 في المائة. ورغم هذه المعطيات الايجابية – اندلعت الانتفاضة. اما الان، رغم المعطيات السلبية وغياب الامل الحقيقي بتحسنها، فان انتفاضة جديدة تجد صعوبة في النهوض. للحظة، عندما تعرض الحرم الى "الخطر" وظهرت الحجارة في الهواء مرة اخرى، كان يخيل أن طائر الرماد ينهض، ولكن سرعان ما عاد لان يكون رمادا.

اين العرب، اين

        الظروف الخارجية على ما يبدو ضرورية للانتفاضة، ولكنها ليست كافية. المفكر المصري كمال جبريل يشرح في مقال نشره في موقع "ايلاف" على الانترنت، بان الفلسطينيين ينقصهم في هذه اللحظة مرجعية فكرية يشاركون فيها جميعا وقيادة مقتنعة بقدرتها على ادارة انتفاضة. ويشرح بان مصدر مرجعية دينية، مثل حرب في سبيل الحرم، لا يمكنه ان يثير حماسة الفلسطينيين: عند الكفاح في سبيل الاسلام، لا تكون الحرب على جودة الحياة والطموحات الوطنية وهويتها المميزة. الانتفاضة الثانية هي مثال على ذلك: مع انها اندلعت بسبب مخاوف السيطرة اليهودية على الحرم، ولكن سرعان ما تحولت الى حرب من اجل الوطن القومي الفلسطيني.

حسب جبريل، فان مصدر مرجعية آخر ايضا، القومية العربية، لا يمكنه ان يخدم الفلسطينيين في كفاحهم. الكفاح باسم الهوية العربية والذي يعني ان "العروبة" يمكنها أن توفر حلا مناسبا لكل ابنائها، يعزز الاسم الطيب للعائلة العربية ولكنه لا يعزز العائلة الفلسطينية. فما بالك عندما تكون القومية العربية ومؤسساتها، مثل الجامعة العربية، اثبتت اهمالا وفشلا مدويا في حل المشكلة الفلسطينية. دعوة "اين العرب؟" التي تطلقها ام فلسطينية قتل ابنها بنار الجيش الاسرائيلي، لم تعد تثير الانفعال.

"العرب يستخدمون المشكلة الفلسطينية كمتنفس لكل جداول ازماتهم ومشاكلهم"، كما يعتقد جبريل. وهو يقصد القول ان الدول العربية تضع فلسطين في رأس جدول اعمالها فقط كي تتملص من مشاكلها هي. وعليه، فانه يستنتج بان مشكلة فلسطين "ستكون آخر مشكلة تحل بين مشاكل العرب".

برأيه، المشكلة الحقيقية هي غياب مصدر مرجعية برغماتي، مستعد لان يرى بان الحياة ليست مصنوعة من اضغاث احلام او انتصارات هائلة. وفي ظل غياب مصادر مرجعية يمكنها أن توفر وقودا لانتفاضة، تنكمش المشكلة الفلسطينية الى حجومها المحلية، غير الاستراتيجية.

        انتفاضة فلسطينية لن تندلع كي ترضي العالم الاسلامي او العربي. ولكن كي تخدم الدولة الفلسطينية فانها تحتاج الى الاحساس بانها تخدم كل السكان الفلسطينيين وانها تقف فوق كل فصيل، منظمة او حركة. الانشقاق بين فتح وحماس، التوتر بين غزة والضفة، التمييز بين مؤيدي اتفاق السلام ومعارضيه، بين ما يعتبر حكما دينيا في غزة وحكما علمانيا مؤيدا للغرب في الضفة هي على ما يبدو الكابح الاكثر نجاعة ضد الانتفاضة.

 

انتخابات أم حرية

صحيح، الصراعات العنيفة ضد الاحتلال كانت ايضا عندما كان الخاضعون للاحتلال منشقين، يمثلون مواقف ايديولوجية او تكتيكية متعارضة، بل وحتى صفوا الواحد الاخر في ظل الكفاح. والشقاق اليهودي ليس المثال الوحيد. لقد كافح الفلسطينيون ضد اسرائيل حتى عندما كانت الخصومات بين حماس وفتح في ذروتها وكان التنسيق بينهما نادرا. ولكن خلافا لعهد الانتفاضة، فان لكل حركة الان ارضها الاقليمية، حكمها ووسائل وجودها. والنتيجة هي أن غزة لم تنجح في جر الضفة الى حرب القسامات اما القيادة في الضفة، اذا قررت المبادرة الى انتفاضة، فسيتعين عليها ان تخون مبادئها وان تعترف بان طريق الدبلوماسية الذي تبنته هي مغلوط، وان حماس عمليا محقة في طريقها.

التهديد الذي يطرحه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) على حماس يدل اكثر من أي شيء آخر على أن الانتفاضة ليست على جدول الاعمال: اذا لم توقع حماس اتفاق المصالحة الذي صاغته مصر بعد فترة طويلة من المداولات المضنية، سيعلن عباس عن انتخابات في موعدها الدستوري، أي في كانون الثاني 2010. معنى هذا التهديد هو ترسيخ الانشقاق بين حماس وفتح، بين غزة والضفة، بين مسار سياسي واحد ومسار سياسي آخر. عباس يمكنه عندها أن يعيد تثيبت شرعيته، ولكن فقط في قسم واحد من فلسطين.

اذا وقعت حماس على اتفاق المصالحة، فستؤجل الانتخابات على ما يبدو حتى حزيران 2010 للسماح للحركتين بتوحيد الصفوف، بناء اجهزة مشتركة والوصول الى اجماع على مستقبل فلسطين او على الاقل على شكل ادارة المفاوضات السياسية.

ولكن اذا شكل الخلاف الفلسطيني الداخلي في هذه الاثناء سور ضد انتفاضة جارفة، فهو ليس عائقا ضد عمليات فردية. رشق الحجارة، الطعن وحتى العمليات الانتحارية تستند الى أسباب شخصية لا تحتاج الى اجماع وطني واسع. المواطن المحبط في الحواجز، الطالب الذي لم يتلقَ التصريح للخروج الى الدراسة في الخارج وتحطم مستقبله، المرأة التي فقدت وليدها بسبب تأخير الاذن بالدخول الى المستشفى او الشاب الذي ينتقم لموت قريب له: كل هؤلاء يمكنهم ان يجدوا لانفسهم افق عمل عنيف او سببا للانضمام الى احصاءات د. حازم عاشور.