خبر تخطيط خطير..هآرتس

الساعة 11:20 ص|23 أكتوبر 2009

بقلم: زيفا شتيرنهل

خلافا لمعظم السياسيين الاخرين، وصل بنيامين نتنياهو الى السلطة مسلحا بحماسة ثورية وبايمان بانه سينجح هذه المرة في ان يحقق مذهبه العام. وكما هو معروف، فان رؤياه الاقتصادية سرعان ما تحطمت أمام الازمة العالمية، كما أن الواقع السياسي رفض التكيف مع مطالبه. وبلا مفر توجه نتنياهو الى مجالات اكثر "سهولة"، على امل أن يسمح له الائتلاف المستقر والرأي العام الغافي بان يبعد بعضا من العوائق في الطريق نحو تغيير عميق في أنظمة الحكم.

المبادرة لاحداث تغييرات في جهاز فرض القانون باسم "التحول الديمقراطي والنجاعة" نجحت في اثارة المعارضة داخل الكنيست وخارجها، ولكن الاقتراح لالغاء لجان التخطيط اللوائية اصطدم في هذه الاثناء برد فعل ضعيف فقط.

مثلما في الصراع لتقسيم مهام المستشار القانوني للحكومة، هذه المبادرة هي الاخرى تعود لمبادرين تعبين و "مغلقي شرفات" بائسين، يضطرون الى مكافحة البيروقراطية المعقدة والبطيئة، هذه المبادرة هي الاخرى تنطوي على بذرة الاضطرابات. الغاء لجان التخطيط اللوائية هو آخر علاج يحتاجه التخطيط المديني الاسرائيلي، المجال الذي يوفر لوسائل الاعلام والمحاكم قصص فساد لا حصر لها ويتميز بسلوكه الاخرق والفوضوي. ولكن فضلا عن العجب الذي تثيره هذه المبادرة، والتي تطرح على الفور اسئلة عن مصالح خفية، فانها تدل على فكر من يجد صعوبة في الاعتراف بالواقع المتغير.

وجود اللجان اللوائية يقوم على أساس الافتراض بان حتى السلطة المحلية الاكثر نجاعة تحتاج الى منظومة من الانظمة، لفحص قراراتها من زاوية نظر واسعة ومهنية. ويثبت الواقع انه حتى في المستوى اللوائي لا يمكن منع المساومات السياسية. وليس دوما ممثلو الوزارات الحكومة المختلفة في هذه اللجان ينتخبون حسب مقاييس مهنية. وفضلا عن ذلك، فان الكثير من قراراتها تحوم فوقها الشبهات باعتبارات غريبة. ومع ذلك، في حالات عديدة تنظر العديد من اللجان اللوائية وتحلل مرة اخرى قرارات اللجان المحلية، وتنجح في منع مصائب مدينية. يكفي فحص قوائم المشاركين في اللجان البلدية، الذين يختارون حسب مفتاح حزبي، كي نفهم انه في بداية القرن الـ 21 لا يمكن ان نودع بيد هواة المستقبل المادي للدولة.

منذ بداية القرن السابق فهم مهندسون، مخططون مدينيون وعلماء اجتماع بان ادارة المدن الكبرى تستدعي المهنية والتفكير الشامل. وللانشغال بذلك تلزم قدرة على فحص آثار كل قرار موضعي في الاطار الاوسع للاحتياجات المدينية بل والقطرية ايضا. ومع كل الاحترام للفكرة المثالية الديمقراطية، فانه مثلما لا يسمح للجان منتخبي الجمهور بادارة منظومات عسكرية او مصانع تكنولوجيا عليا، هكذا لا ينبغي الايداع في ايديهم بقرارات مدينية واسعة المعنى، يترك تأثيرها أثره على الاجيال القادمة.

المشكلة هي أن مجال التخطيط هو الاخر يتأثر كثيرا بالامزجة والافكار السائدة في الحياة الثقافية. في بداية القرن العشرين ساد النهج النخبوي والسلطوي، ومعه الايمان بانه يمكن حل المشاكل من خلال نماذج علمية عقلانية. في الستينيات، مع التمرد الكبير على المؤسسة الثقافية، تم تبني فكرة أن التخطيط يجب أن يبدأ "من تحت" والامتناع عن املاءات المهنيين. وهكذا ولدت حركات ثورية مثل "هندسة دون مهندسين". غير أن هذه المواقف، مهما كانت ديمقراطية وانسانية، انهارت بسرعة شديدة امام الواقع المعقد. في العقد الاخير وقبل الازمة الاقتصادية، تعاظم الاعتراف بالمخاطر التي تنطوي عليها ادارة الحياة الاجتماعية دون وسائل رقابة. هذا الميل ادى الى البحث عن السبيل الذهبي بين النخبوية والشعبية.

        نتنياهو، الذي تبلور مذهبه مع صعود الليبرالية الجديدة في السبعينيات، حين درس الهندسة المعمارية وادارة الاعمال في الولايات المتحدة، يبدو أنه يجد صعوبة في التعاطي مع الميول الجديدة. اراؤه المهنية في المجال الاقتصادي، التي بدت قديمة بالنسبة للخطاب النظري منذ الفترة التي كان فيها وزيرا للمالية، تشرح ايضا المبادرة الحالية لتغيير قوانين التخطيط المديني. ولما كان هو اليوم رئيس الوزراء، فان مذهبه هذا يمكنه أن يصبح خطرا حقيقيا على المستقبل المادي للدولة.