خبر أيمن خالد يكتب : العثمانيون الجدد والمماليك الجدد

الساعة 09:03 م|20 أكتوبر 2009

أيمن خالد يكتب : العثمانيون الجدد والمماليك الجدد

في نيسان عام 2006 أصدر الكاتب والمفكر التركي الشهير(حاقان آلبيرق) كتابه الشهير (الوحدة التركية السورية نواة الوحدة الإسلامية) وقد أرسل لي مشكوراً ترجمة هذا الكتاب بالعربية، وعندما بدأت أقرأ بهذا الكتاب، وكانت لا تزال الخطوات التركية صوب المنطقة لم تبد، كما هي الآن، لكنني شعرت أن هذه الأمة تفكر جيداً، وهي تسير وراء مفكريها، وأدركت وقتها، حجم الفرق الهائل بين الكاتب والمفكر في تركيا أو أي امة ثانية، وبين الكاتب في بلاد العرب أوطاني، فالكاتب والمؤلف وصاحب الأفكار في العالم المتحضر، عالم القيم المعاصرة، له احترامه الخاص، وتحترم الناس أفكاره، وينتبه له الحكام والزعماء وقادة الأحزاب ويسترشدون به، وأما الكاتب في بلاد المماليك، فهو في مشكلة مع الزعماء، ففي بلادنا غير مسموح سوى للزعماء بالتفكير فحسب، فهم الذين يصنعون الأفكار، وكل ما لم يخطر على قلب الزعيم هو حرام بيّن يستوجب الجلد والعقاب.

حاقان آلبيرق الذي نشر هذه الأفكار، كان يتابع الأقلام العربية أيضا، وكان يبحث عن الأصوات التي تهمس مشيرة إلى ضرورة أن تتغير الدنيا، فكتب عني ذات يوم، وأشار إلى القدس العربي التي اكتب بين الفينة والأخرى بها، وبكل تواضع وخجل، شعرت بحجم صغري وقلة حيلتي ومكانتي في بلادي، ففي كل الأمم التي يفكر فيها الناس بصوت عال هناك اعتبار للكتاب، وأنا أفكر بصوت خافت، لأن الفكرة تحاصرنا كثيرا كما يفعل قضبان السجان ذلك.

إن أجمل ما في كتاب ألبيرق هو ذلك العنوان الغريب، الذي طرحه في وقت مبكر، وأشار فيه إلى مجريات تجري اليوم بكل وضوح ، فهذا الرجل في كتابه طلب أن يفكر الأتراك بان يبدؤوا بعلاقاتهم مع سورية، وطالب أن يتم إزالة الحدود بين البلدين، وبناء منظومة اقتصادية وحتى عسكرية، تمتد من تركيا وإيران وسوريا ومعظم الدول العربية وتكون قوة شرق أوسطية مهمة ولم ينس أن يقول إن هذا التحالف الكبير يجب أن لا يضم إسرائيل أبدا.

لذلك فالذي تفعله تركيا اليوم هو أمر واضح منشور في المؤلفات الحديثة، كتبه كتابها وبالطبع، عندما نشر حاقان البيرق هذا الكتاب كان محط احترام لدى السياسيين في تركيا وأصبح مقربا ويؤدي دورا هاما في الحياة الفكرية والثقافية، وبلا شك، فالفلم الأخير الذي أثار سخط إسرائيل كانت فيه بصمات حاقان البيرق واضحة، واستدعته الصحافة والفضائيات بما فيها السي ان ان .

ما أريد أن أقوله، أن زعماء العرب هم مماليك العصر، يتقاتلون فيما بينهم، ويختلفون ويفكرون فقط في الكرسي، فالزعيم عند العرب يصحوا باكرا، ولن يفكر في عمل شيء لشعبه، ولن يفكر في فتح علاقات جوار مع دول الجوار، فأغلب الزعماء العرب يصحون من النوم، ويسألون ضباط الأمن هل الوضع مستتب، وهل هناك معارض لهم خارج السجن، وهل هناك صحفي أشار إليهم بالشك  ولم يمدحهم كالعادة، وعندما يكتشف الزعماء أن الأمر مستتب، لا يجدون ما يفعلونه سوى الذهاب إلى المطابخ والمنتجعات، وغير ذلك من تفاصيل الترف، وفي أفضل الأحوال يتحول الزعماء إلى رياضيين أو غير ذلك فتلحقهم الكاميرا، وغير ذلك من الأناشيد والأغاني التي تهتف بها الشعوب مكرهة للزعيم الفذ.

لا أجد فرقا بين عصرنا الحالي وعصر المماليك في أواخره، ويومها بالطبع احتاجت الأمة إلى مرج دابق الشهيرة، التي أدخلت العثمانيين إلى بلادنا وأنهت صراع المماليك، حينما كان البلاط يجتمع في دولة المماليك ليناقش وجبة غداء أو عشاء الزعيم، وهذا بالطبع يجري اليوم في بلادنا.

في كتاب حاقان البيرق يقول إن الشكل العثماني القديم لا يصلح اليوم، ونحن أمام واقع جديد، فعلينا أن نعشق العرب ونحبهم ونشعرهم بأننا أهل بيت واحد تجمعنا مصالح مشتركة، وبالتالي يطرح رؤية العثمانيين الجدد التي تقوم على فهم حاجات بعضنا البعض، وشراكة بعضنا البعض في كل شيء، ولا أنكر أنني عندما قرأت الكتاب شعرت باعتزاز شديد، وأيضا بصدمة كبيرة، لأن هذه الأمة تفكر، ولأن هذا الرجل أخذ دوره واهتمت به حكومة بلاده فأصبح من أعلام تركيا الجدد.

واحزن بالطبع لان بلاد العرب هي بلاد المماليك، فلا احد يجرؤ على الكلام بصوت عال، وإذا أردنا إن نفكر فنحن نفعل ذلك بعد الزعماء وإذا أردنا أن نفعل شيئا مهما في بلادنا لكي نثير اهتمام الممالك الذين يحكموننا فعلينا أن لا نكتب عن المستقبل شيئا فزعماؤنا لا يرون المستقبل الغامض المرعب وكل ما علينا فعله هو أن نكتب أغنية مديح لهذا الزعيم أو ذاك.

عندما تمت إزالة الحدود بين تركيا وسوريا استغربت كثيرا سيل الاستهجان لدى الكتاب العرب، ولكنني لم استغرب، فنحن امة لا تقرأ، ولا تتابع بسبب عقد كثيرة ليس الخوف بعيدا عنها، وبالطبع أنا واحد من هذه الأمة التي تشعر هذا الهاجس، لكن الذي أثلج صدري هو أنني وصلني كتاب حاقان البيرق سابقا كهدية منه، وهو مشكورا ساهم في تعريف الأتراك بي وأنا اليوم عندما اكتب في تركيا اشعر كيف تحترم الأمم الحية أصحاب الفكرة من أينما كانوا، في وقت يموت أصحابها في بلادهم.

لقد فرحت كثيرا لأن الحكومة التركية اهتمت بهذا المفكر وأعطته مكانته المناسبة، ولقد حزنت كثيرا لأن الملوك العرب لا يزالون في القرن ال21 يعيشون حياة المماليك في آخر عهدهم، ويخافون من مجرد الهمس بفكرة، بفكرة فقط.

لا شك ان حاقان البيرق الذي طرح فكرة إزالة الحدود مع سوريا في كتابه الشهير الوحدة التركية السورية، لا شك هو يدخل الآن تاريخ بلاده من الباب العريض.