خبر مشروع لجنة غولدستون: عبرتان .. منير شفيق

الساعة 02:46 م|20 أكتوبر 2009

بقلم: منير شفيق

ثمة عبرة هامّة يجب الاتعاظ بها، والتعلم منها في ما جرى في الحملة الفلسطينية-العربية-الإسلامية-العالمية ضد قرار تأجيل التصويت في لجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة في جنيف بخصوص مشروع لجنة غولدستون.

وثمة عبرة هامّة ثانية يجب الاتعاظ بها والتعلم منها كذلك بعد أن أعيد المشروع للمناقشة والتصويت في لجنة حقوق الإنسان المذكورة، ثم صدور قرار بتبني التوصيات المتعلقة بما ارتكبه قادة العدو الصهيوني من جرائم حرب وجرائم إبادة بشرية في حرب العدوان الذي شُنّ على قطاع غزة.

فبالنسبة إلى العبرة الأولى فقد ثبت أن للرأي العام قوّة لا تُقهر حين يوجّه أصابع الاتهام إلى المسؤول الذي كان وراء قرار التأجيل ويُطالب بمحاسبته وعدم اعتبار فِعلته مجرد خطأ يمكن المرور به مرور الكرام، فالتراجع في موقف ممثل الرئيس محمود عباس، وبالطبع بقرار من الرئيس نفسه الذي أعطاه أمر العمل على تأجيل التصويت، بإعادة المشروع المؤجل إلى جلسة طارئة للجنة حقوق الإنسان، ومن ثم صدور قرار جديد بأغلبية 25 صوتاً مقابل ستة أصوات وامتناع 11 صوتاً، يسقط كل الحجج التي قيلت في النفي، أو التبرير، أو توجهت بالهجوم على الذين جعلوا من تلك الفعلة «قميص عثمان» و «استغلوها» في الطعن في الشرعية الفلسطينية، وفي تكريس الانقسام من خلال طلب تأجيل موعد التوقيع على اتفاق المصالحة.

هذا التراجع يُفترَض به أن يكون بمثابة الاعتراف من قِبَل محمود عباس بتحمّل مسؤولية قرار التأجيل أولاً، وضرورة مواصلة الحملة المطالبة بالتحقيق في أسباب صدور قرار التأجيل سيئ الذكر وصولاً لتحميله المسؤولية التي لم يعترف بها حتى الآن ثانياً. أما انحناؤه أمام العاصفة المحقّة التي أدانت قرار التأجيل وطالبت بالمحاسبة، ليس باعتباره مجرد خطأ ولكن باعتباره جزءاً من نهج كامل يجب أن يوضع أمام المساءلة والمحاسبة والمراجعة، فيجب ألا يمسح ما حدث كأن شيئاً لم يكن، لأن ما حدث تكرّر في السابق بحوادث مشابهة مثلما حدث مع مشروع القرار القطري-الباكستاني الذي قُدِّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العدوان الصهيوني على قطاع غزة وما راح يرتكبه من جرائم والمطالبة بوقفه فوراً في حينه، وذلك عندما تدخل مندوب منظمة التحرير الفلسطينية رياض منصور وبأمر من الرئيس ضد التصويت عليه. وذلك لحساب التصويت على مشروع أوروبي، لا لون ولا طعم له، بل وأسوأ، تحت حجّة عدم خسارة أصوات أوروبا في حالة التصويت على مشروع القرار القطري-الباكستاني.

وهكذا مرّ هذا الموقف الأشدّ خطورة من موقف تأجيل التصويت الأخير في لجنة حقوق الإنسان، بل كان تشجيعاً عملياً لهذا القرار ولغيره حين لم تصحبه حملة مضادة فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية كتلك التي صحبت قرار تأجيل التصويت. أما لماذا لم تندلع حملة مشابهة في حينه، عدا بضعة مقالات، فالسبب يرجع إلى انشغال العالم في مواجهة العدوان وهو في الأوج، فعدم مواجهة ذلك الموقف المعيب بما يستحقه من حملة، ومن ثم المضيّ براحة واطمئنان في النهج نفسه يؤكدان على أهمية الرأي العام حين يوجِّه أصابع الاتهام إلى المسؤول الأول ويطالب بمحاسبته. وذلك بقدر خطورة قراره حين يوضع في إطار نهج كامل يتبناه ويمارسه بدأب ومثابرة.

ولهذا فإن التراجع الذي حصل بإعادة مشروع القرار المؤجل إلى التصويت والنجاح في استصدار قرار من لجنة حقوق الإنسان في مصلحته يجب ألا يوقف النقد للنهج الذي ولّد قرار التأجيل في المرة الأولى والثانية، وبالمناسبة ثمة قرار لا يقلّ أهمية اتخذه الممثل الفلسطيني في الجمعية العامة للصليب الأحمر والهلال الأحمر، في جنيف أيضاً، بالموافقة على إدراج «نجمة داوود» الإسرائيلية ضمن إطار تلك الجمعية. وكانت كل المحاولات السابقة على مدى عقود للاعتراف بها قد فشلت. وما كان من الممكن أن تنجح إلا بعد موافقة مندوب الهلال الأحمر الفلسطيني.

هذه الحادثة مرّت بدورها مرور الكرام بسبب عدم إثارة ضجّة حولها لأنها هُرّبت تهريبا، ولكنها من جهة أخرى تعبّر عن النهج نفسه، الأمر الذي يؤكد أن الاعتبار بما حدث في موضوع تأجيل التصويت على مشروع لجنة غولدستون يجب ألا يُحصر في النطاق الضيّق ليدفن مع التراجع عنه.

على أن ثمة جملة من القضايا المسكوت عنها من جهة الملاحقة في المحاكم والمؤسسات الدولية تؤكد على أننا إزاء نهج يجب ألا يخفيه ما حدث من تراجع عبر المطالبة بإعادة التصويت على القرار المؤجَّل من خلال اجتماع طارئ للجنة حقوق الإنسان الدولية.

فمن تلك القضايا عدم ملاحقة قرار محكمة العدل الدولية حول لاشرعية الجدار وضرورة هدمه. فهل يمكن أن يشار إلى لجنة لمتابعة الموضوع مثل اللجنة التي تقرّر تشكيلها لمتابعة قرار لجنة حقوق الإنسان الدولية بخصوص الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ ولماذا لم يتابع موضوع قرار الجدار؟ ولماذا لم ترفع قضايا مشابهة بالنسبة إلى لاشرعية الاستيطان، ولاشرعية تهويد القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى، وكذلك لاشرعية حصار قطاع غزة.

وهنا يجب أن يوضع لومٌ خاص على الدول العربية والإسلامية التي ربطت، أو رهنت، تحرّكها بمواقف منظمة التحرير الفلسطينية التي يتحكم بها نهج محمود عباس ورئاسته لها، وهي تعلم أن ذلك النهج ماضٍ في خطّه الذي ولّد قرار التأجيل المذكور على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي يتطلب وضع حد لهذا الارتهان، ومن ثم اعتبار العرب والمسلمين شركاء في المسؤولية حين ينحرف القرار الفلسطيني، أم هو أمر في نفس يعقوب!

هذا «الأمر» تكشف عنه الحملة المضادّة التي راحت تُشَنّ بعد صدور قرار لجنة حقوق الإنسان الدولية، بالهجوم على الذين وقفوا ضد قرار التأجيل، ومن ثم تصفية الحساب معهم بسبب نقدهم القويّ لقرار التأجيل والمطالبة بمحاسبة محمود عباس بما يستحقه ذلك القرار، وبما يعبّر عنه من نهج وليس باعتباره «خطأ» إذا «صُحّح» ينتهي الأمر لتعاد سياط الظالمين أنفسهم لتلهب ظهور أولئك الذين «استغلوا» الحدث، وجعلوا منه «قميص عثمان» لمآرب أخرى، وذلك لكي لا تتكرر حملتهم مرة أخرى حين يُتخذ قرار أشد فداحة، وهو في الطريق لا محالة.