خبر غولدستون/ إذهب إلى جحيم كل التقارير.. يديعوت

الساعة 10:21 ص|20 أكتوبر 2009

بقلم: افيعاد كلاينبرغ

تقرير غولدستون هو ظاهرة نادرة. في بلادنا على الاقل يخيل أن عدد الكتاب عنه يفوق عشرات الاضعاف عدد قرائه. قراءة التقرير حقا، صعبة. فهو مكتوب بالانجليزية وهو مليء بالتفاصيل المضنية. الحبكة ليست شيئا مميزا (نحن مرة اخرى نسارع الى حل المشاكل المعقدة بمطرقة: هناك الكثير من "الاضرار الشمولية" المؤسفة ولكن المحتمة). تنقصه ايضا النهاية المحببة علينا جدا (النصر الكبير والساحق للمحقين والتصفيق العاصف من العالم الذي ذهل من الجيش الناجع وفي نفس الوقت الاكثر اخلاقية في العالم). كان بوسعنا ان نقول لكم مسبقا، ان الجمهور الاسرائيلي لن يحب هذا. أفضل له  باولو كوالو ما.

اما الكتابة عن التقرير، بالمقابل، فليست صعبة. حتى بدون قراءته يشعر المرء ان هذا ليس جيدا وليس صحيحا. ما الذي لم يكتب عن تقرير غولدستون؟ كتب انه وثيقة لا سامية (الامر الذي استوجب تحليلا نفسيا لكاتبه اليهودي)، انه بيان مزدوج المعايير ضد حق الدفاع عن النفس للدول ضد الارهاب، انه محاولة ذكية للدفع نحو خراب دولة اسرائيل. بوق وزير الدفاع ايهود باراك – اذ اضافة للحاشية الرسمية لنابليون الرابع فان له بوقا في الصحافة العبرية – صرح حتى ان كومة الاوراق هذه ستجلب علينا الحرب القادمة، والتي اعطاها فورا اسما مناسبا "حرب غولدستون".

ليس الغباء السياسي الاسرائيلي، إذن، ليس ضيق الافق، ليس الغياب التام لخطة حقيقية لحل النزاع، ليس الجمود الفكري (ذات مرة اسموه ببساطة "المفهوم الجامد") الذي يسيطر علينا، ولا حتى الميل الاسرائيلي المشروع "لاستخدام القوة مرة كل بضع سنوات"، على حد قول البوق، بل غولدستون. دماء الابرياء الذي سفك وسيسفك (يبدو ان لا شك في ذلك) في رقبة غولدستون. اما بالنسبة لنا، فكل ما تبقى لنا هو رفع العتب والخروج بيدين نظيفتين. ولا تقولوا اننا لم نحذركم.

وما يغيظنا على نحو خاص هو الاحساس غير اللطيف بان هذا التقرير لا يريد أن يذهب على الفور الى جحيم كل التقارير، مثل امثاله المحليين. انظروا مثلا تقرير لجنة برودت (او باسمه الرسمي "تقرير اللجنة لفحص ميزانية الدفاع"). فهذا لم يكن من زمن بعيد، في 2007. وتحدث التقرير عن سياقات من الارتفاع في النفقات الامنية، عن غياب الشفافية، عن انعدام التخطيط وعن تجاهل احتياجات الاقتصاد والمجتمع. واشار الى منظومة كاملة تحمي جهاز الامن من التدخل والرقابة المدنيتين. مبالغ طائلة تتدحرج تحت ورقة التين الهائلة للاحتياجات الامنية.

التبذير، النية وانعدام المسؤولية التي ظهرت في الرحلة الاخيرة لوفد وزارة الدفاع الى الصالون الجوي في باريس هي فقط طرف الجبل الجليدي الامني، الذي تحاول دولة اسرائيل بشكل ما المناورة حوله. وعلى طريقته تبنى الجيش الاسرائيلي بسرعة توصية اللجنة بزيادة ميزانيته ورد كل المطالب الاخرى التي كانت زيارة الميزانية مشروطة بها. إذن كان هناك تقرير. كان ولم يعد.

وتقرير لجنة فينوغراد،أتذكرون؟ التقرير اوصى بتغيير راديكالي في كل عملية اتخاذ القرارات في دولة اسرائيل. ومثل تقارير اخرى، اشار الى غياب الرقابة المدنية على جهاز الامن والى النتائج الخطيرة لهذا الغياب. حسنا؟ فقد ذهب الى جحيم كل التقارير. وتقرير لجنة التحقيق الرسمية في موضوع اقتصاد المياه للعام 2002، وتقارير لا تحصى عن وضع المواصلات وعن جهاز التعليم؟ اين التقارير كلها، تلك التي احببناها. كلها حملها الريح.

فما العجب إذن من أن دولة اسرائيل ذهلت من حقيقة أن تقرير غولدستون (الذي هو ينطوي على خطر كامن تقريرا مثل تقرير برودت) يرفض الاختفاء بالسرعة اللازمة؟ فضيحة. السياسة الاسرائيلية هي أنه من الاسهل اخفاء التقارير من معالجة المشاكل التي تشير اليها. خسارة انهم في العالم لم يفهموا هذا بعد.