خبر ما لنا وللعدل.. معاريف

الساعة 10:09 ص|20 أكتوبر 2009

بقلم: عوفر شيلح

يوم الخميس القادم ستحتفل الجمهورية التركية بالذكرى الـ 86 لتأسيسها. كما ان سفارة انقرة في اسرائيل دعت، كما هو متبع، وزراء وشخصيات هامة محلية الى الاستقبال الاحتفالي بمناسبة يوم الاستقلال. ولكن خلافا لعادتهم – من لا يحب التشريف والضيافة التركية التي ذاع صيتها – يعتزم وزراؤنا او على الاقل يقولون لوسائل الاعلام بأنهم لا يعتزمون تلبية الدعوة.

وهم يعللون رفضهم بكلمات حادة، تتعلق سواء بموقف تركيا الرسمي من اسرائيل ام بالتحريض ضدنا في المسلسل التلفزيوني الذي يبث هناك وبالاساس بتفوقنا الاخلاقي.

ومثلما أحسن صياغة ذلك الوزير دانييل هرتشكوفيتس فان "الاتراك يمكنهم ان يتعلموا منا ما هي حقوق الانسان". وزير الخارجية ليبرمان على ما يبدو سيتغيب هو الاخر؛ اما وزير الدفاع، حسب مكتبه، فلا يزال يدرس الامور في عقله التحليلي ويزن اعتبارات معقدة قبل ان يتخذ على عادته الخطوة غير الصحيحة.

على ما يرام تماما في نظري مقاطعة حدث رسمي لدولة اثارت اعصابنا، والاتراك بالفعل يحملون على ظهرهم احمالا اخلاقية في الغالب، وعلى رأسها المذبحة بحق الاقلية الارمنية ابان الحرب العالمية الاولى. ولكن مشوق بقدر لا يقل السؤال منذ متى كانت الاعتبارات الاخلاقية جزءا من السياسة الخارجية الرسمية وغير الرسمية لاسرائيل – فهل بالفعل يتبقى لنا الحق في الاعراب عن الرأي او اتخاذ القرارات في ظل النبل الاخلاقي.

الحقيقة هي انه منذ الازل، الاخلاق الوحيدة التي كانت شمعة نستضيء بها هي اخلاقنا، التي تقوم على اساس مفهوم البقاء. اسرائيل ترى نفسها كمعقل غيتو، الملجأ الاخير من التهديد الوجودي الحاد والمتواصل. وعندما يكون الطغيان كل الوقت على الباب وفي التو ستأتي مذبحة، فانك تصنف الاصدقاء والخصوم فقط على اساس المنفعة. المقياس الاخلاقي الوحيد هو من هو"صديق اسرائيل" ومن ليس كذلك.

نفي الكارثة الارمنية (وما القصة هنا في قول كارثة اذ ان انه لا توجد سوى كارثة واحدة هي حصرية لنا)، او على الاقل الامتناع عن كل ذكر لها، هو سياسة عملية لاسرائيل لسنوات طويلة، من حكومات اليمين واليسار على حد سواء. وقبل عشرين سنة منعت وزارة الخارجية بث فيلم "رحلة الى ارارات"، الذي عني بقتل الشعب الارمني، خشية الاضرار بالعلاقات مع تركيا.

في العام 2007 منع رئيس الوزراء اولمرت ووزيرة الخارجية لفني بحثا في الكنيست في هذا الشأن، بمبادرة حاييم اورون من ميرتس. وكانت اسرائيل من الاصدقاء الشجعان في العالم لنظام الابرتهايد في جنوب افريقيا. النظام المشجوب في بريتوريا، الذي عمل تحت عقوبات عالمية، حظي بالتعاون من جهتنا بطرق عديدة، بما فيها (حسب منشورات اجنبية) في المجال النووي.

يمكن الايغال في طرح النماذج. يمكن ايضا القول، وبحق تام، بان الاخلاق في العيون الدولية هي نسبية. ولا توجد اي دولة حقا تتصرف بموجبها. الولايات المتحدة تزايد على كل العالم ولكنها ارتبطت وترتبط بانظمة القمع المظلمة عندما يخدم هذا مصالحها.

ولكن هاكم نقطة اخرى للتفكير: في نهاية المطاف، من يعمل دون اعتبارات اخلاقية يعاني عمليا ايضا. فحجج اولئك الذين قالوا ان علاقاتنا مع جنوب افريقيا ليست فقط اشكالية من ناحية اخلاقية بل وستلحق بنا الضرر (يوسي بيلين كان بين اوائل السياسيين)، وقعت على آذان صماء. اليوم نحن نذكر عند الاخرين كجنوب افريقيا الجديدة وفي جزء من القارة كمن وقفنا الى يمين النظام المشجوب.

المشكلة ليست العلاقات مع تركيا هذه ايضا سيعاد تصميمها في نهاية المطاف حسب المصالح. المشكلة هي وعينا الذي يتقلص من سنة الى اخرى الى نقطة عنيدة من البكائية والترحم على الذات.

المشكلة هي اننا فقدنا الحكمة التي كانت ذات مرة امرا مسلما به وان لم نتصرف دوما بموجبها، ان الادعاء بأننا نورا للاغيار وقدوة اخلاقية هو مصدر قوة، لعله المصدر الاهم وان لم نكن اخلاقيين سنضعف وسنخسر.