خبر السبيل للضغط على إيران ..فلينت ليفيريت

الساعة 02:13 م|19 أكتوبر 2009

السبيل للضغط على إيران ..فلينت ليفيريت

 

ـ هيلاري مان ليفيريت ـ الشرق الأوسط 19/10/2009

أضر كشف إيران عن بنائها منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم المقدسة جهود إدارة أوباما المتداعية بالفعل للتعاون مع الجانب الإيراني. والمعتقد أن الولايات المتحدة ستتمسك الآن بقوة أكبر بالأمل العقيم في أن تنجح الضغوط الدولية وانعدام الاستقرار الداخلي في دفع تغييرات كبرى داخل مؤسسة صنع القرار الإيرانية.

في الواقع، إن الاجتماع في جنيف بين الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، لم يشكل مناسبة لعقد مناقشات استراتيجية، وإنما كان فرصة لإصدار إنذار يقضي بضرورة أن توافق إيران على قيود وقائية على برنامجها النووي وإلا ستواجه ما وصفته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، بأنه عقوبات «تصيبها بالشلل».

إلا أنه بناء على المحادثات التي أجريناها في الأيام الأخيرة مع مسؤولين إيرانيين بارزين ـ بينهم الرئيس محمود أحمدي نجاد ـ نعتقد أنه من غير المحتمل بدرجة بالغة أن تقبل طهران بهذا الإنذار. كما يبدو من غير المحتمل أن تساند روسيا والصين عقوبات من شأنها إصابة إيران بالشلل. وبعد هذا السيناريو المتوقع على نطاق واسع، ستبقى إدارة أوباما في مواجهة عدد من الخيارات بالغة السوء للتعامل مع إيران، نتيجة ضعفها وترددها.

بسبب جمع الرئيس أوباما لفريق أمن قومي معاون له لا يشاركه، في الجزء الأكبر منه، رؤيته الأولى للتقارب الأميركي ـ الإيراني، لم تفلح الإدارة قط في صياغة حجة علنية قوية للتعاون مع إيران. لا تزال إمكانية التعاون بين الجانبين يجري التعامل معها على نطاق واسع باعتبارها قناة «لمكافأة» التصرفات الإيرانية الإيجابية و«معاقبة» السلوك المثير للمشكلات، وهو تحديدا الأمر الذي انتقده أوباما، عندما كان مرشحا رئاسيا، ببلاغة شديدة في إطار نقده لتوجه الرئيس جورج دبليو. بوش.

داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، استخدم الرئيس أوباما لغة شبيهة بتلك المرتبطة بـ«محور الشر» الذي صاغه بوش، وذلك في حديثه عن إيران وكوريا الشمالية، باعتبارهما مصدر التهديد الأساسي للسلام الدولي، وتعهد بـ«محاسبتهما». في جنيف، يمكن أن نتوقع أن تطالب الولايات المتحدة إيران ليس فقط بقبول قيود «ملموسة» على بذلها مزيدا من الجهود بمجال التنمية النووية، وإنما كذلك إظهار الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي لتجنب التعرض لعقوبات صارمة.

وقد دفع هذا التوجه أحمدي نجاد، أثناء ذلك الاجتماع، لإعلان أن طهران لا تعتقد أن الأميركيين «جادون» حيال التعاون الاستراتيجي. وأشار إلى أنه في الوقت الذي اتفقت فيه إيران سابقا على تقليص جهودها على الصعيد النووي ـ مثلما حدث عندما أوقفت جهود تخصيب اليورانيوم بين عامي 2003 و2005 ـ لم تعرض القوى الغربية شيئا في المقابل، وإنما سعت، بدلا من ذلك، نحو «تقليص حقوقنا أكثر».

شكل هذا الأمر أكثر من إخفاق دبلوماسي من جانب الغرب، وقد جاء أيضا بمثابة ضربة قاصمة لمصداقية السياسيين أصحاب التوجهات الإصلاحية في إيران. وعليه، هل يعد عدم تأييد أي من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، لمسألة فرض قيود أحادية الجانب مجددا على البرنامج النووي الإيراني، مفاجأة لأحد؟ الآن، يؤكد أحمدي نجاد مجددا على أنه ينبغي أن تتوافر احتمالية التعاون مع واشنطن لتسوية القضية النووية، لكن فقط في إطار تفاهم استراتيجي أوسع ـ أمر لم تقبله إدارة أوباما.

مع عدم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن حول أهدافها بعيدة الأمد، ستمضي استراتيجية الأمن القومي الإيراني في التأكيد على الدفاع «اللامتكافئ» ضد جهود الحصار والتطويق الأميركية الواضحة. على امتداد سنوات عدة، عكف مسؤولون من حكومة محمد خاتمي الإصلاحية وإدارة أحمدي نجاد المحافظة على إخبارنا أن هذه الاستراتيجية الدفاعية تتضمن تنمية روابط مع قوى سياسية وميليشيات في دول أخرى بالمنطقة، وتطوير القدرات الصاروخية الإيرانية (مثلما اتضح من الاختبارات التي أجريت أخيرا لصواريخ متوسطة المدى)، ودفع حدود التزامات طهران على صعيد منع الانتشار النووي لنقطة يبدو عندها امتلاكها للقدرة والمكونات اللازمة لصنع أسلحة انشطارية. ولا يبدو من قبيل المصادفة أن تتهم إيران بالشروع في العمل بمنشأة قم عام 2005 ـ في الفترة ذاتها تحديدا التي خلصت فيها قيادة البلاد إلى أن تجميد تخصيب اليورانيوم أخفق في تقليص العداء الأميركي.

من ناحيتهم، يميل المسؤولون الأميركيون للتقليل من أهمية المخاوف الإيرانية حيال النيات الأميركية، مشيرين إلى الرسائل العلنية التي وجهها الرئيس أوباما لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، باعتبارها دليلا على جدية الجهود الدبلوماسية للإدارة. إلا أن طهران نظرت إلى هذه الرسائل باعتبارها محاولات للالتفاف على الرئيس الإيراني ـ وهي فكرة مكررة منذ فترة فضيحة «إيران ـ كونترا» في عهد إدارة رونالد ريغان، حيث حاولت الإدارات الأميركية خلق قنوات اتصال مع «المعتدلين» الإيرانيين، بدلا من التعامل مع الجمهورية الإسلامية كنظام. من جهته، شدد الرئيس أحمدي نجاد على هذه النقطة أمامنا بالإشارة إلى أن أوباما لم يستجب قط لخطاب التهنئة الذي وجهه إليه في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 ـ الأمر الذي أكد أنه «غير مسبوق» داخل إيران.

ويمتد افتقار إدارة أوباما للجدية الدبلوماسية إلى أبعد من التكتيكات الخرقاء، ويعكس تفهما غير ملائم للضرورة الاستراتيجية لبناء علاقات أميركية ـ إيرانية بناءة. إذا ما آمن رئيس أميركي بأن مثل هذه العلاقات تخدم مصالح أمننا القومي بشدة ـ مثلما حكم الرئيس ريتشارد نيكسون على التقارب الدبلوماسي مع الصين ـ فعليه إظهار تقبله لجمهورية إسلامية، حتى مع استمرار السلوك الإيراني المثير للمشكلات على المدى القريب.

يذكر أنه في أعقاب توليه الرئاسة عام 1969، أصدر نيكسون توجيهاته إلى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لوقف العمليات السرية في التبت وأمر البحرية بوقف دورياتها المنتظمة بمضيق تايوان حتى في الفترة التي كانت الصين تقدم الأسلحة لقتل الجنود الأميركيين في فيتنام. وقد توافرت أمام الرئيس أوباما العديد من الفرص لإرسال إشارات مشابهة لطهران ـ مثل إنهاء البرامج السرية ضد إيران التي تعود لحقبة إدارة بوش ـ لكنه أهدرها.

للأسف، تعرضت إدارة أوباما للإغواء بسبب إمكانية اشتعال حالة من انعدام الاستقرار تسفر عن إسقاط النظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذا الصيف. إلا أنه مقارنة بالتوترات الكبرى التي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية خلال تاريخها الممتد لـ30 عاما ـ مثل نفي أحد الرؤساء واغتيال آخر وحرب السنوات الثماني مع العراق والقرار المتهور باستبدال آية الله خامنئي بخليفة آية الله الخوميني، آية الله حسين علي منتظري ـ لا يبدو الجدال الذي اشتعل حول الانتخابات التي شهدها هذا العام حدثا محفزا لتغيير أكبر.

إضافة إلى ذلك ـ ورغم تعليقات الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف بأن العقوبات «أحيانا تكون حتمية» ـ تعاني جهود إدارة أوباما لحشد التأييد لعقوبات اقتصادية فاعلة من التضليل. على مدار ثلاثة أعوام، قدمت موسكو، فيما يخص مسألة العقوبات، ما يكفي فحسب لإبقاء القضية أمام مجلس الأمن، ذلك أن حسابات المسؤولين الروس ترى أن هذا يعد السبيل الأمثل لكبح جماح الإجراءات الانفرادية الأميركية. كما عمدت روسيا إلى التخفيف من حدة أي عقوبات يجري تمريرها فعليا. ولا يزال كبار الدبلوماسيين الروس يصرون في تصريحاتهم على أن موسكو لم توافق على دعم أي إجراءات إضافية محددة. ربما تذعن روسيا لإقرار توسيع هامشي للعقوبات القائمة، لكنها لن تقبل بتكبد تكاليف ضخمة على صعيدي مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية عبر تأييدها خطوات أشد صرامة على نحو ملحوظ ضد طهران. وربما توافق الصين كذلك على توسيع هامشي للعقوبات الحالية، لكنها لن تقر إجراءات من شأنها الإضرار بمصالحها المهمة. ويعكس مقترح إدارة أوباما بأن تتولى السعودية «تعويض» الفاقد من الواردات النفطية الصينية من إيران قراءة خاطئة تماما لحسابات بكين على صعيد أمن الطاقة.

الملاحظ أن الصين لا تمضي قدما في شراء كميات ضخمة من النفط الإيراني فحسب، وإنما تعمل شركات الطاقة التابعة لها حاليا على تنمية استثمارات ضخمة هناك ـ وهي على ثقة من أن واشنطن لن تقدم على فرض عقوبات ضد الشركات الصينية لاستثماراتها بمجال الطاقة في إيران. وينصب اهتمام المسؤولين العسكريين الصينيين، على نحو خاص، على إمكانية نقل المنتجات الهيدروكربونية الإيرانية إلى الصين عبر خطوط أنابيب تجري عبر منطقة وسط آسيا، بدلا من الطرق البحرية المعرضة للاعتراض من قبل البحرية الأميركية. وتعد إيران الدولة الخليجية الوحيدة التي يمكنها توفير مثل هذا التنوع في مصادر الإمداد وطرق النقل للصين.

وربما تأمل إدارة أوباما في أن يتمكن حتى سعيها غير الفاعل في فرض عقوبات «مسببة للشلل» ضد طهران في التصدي للأصوات الصادرة من واشنطن ودول أخرى تطالب بتوجيه ضربة عسكرية لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني. ويعد هذا التفكير إحدى البقايا المؤسفة من تجارب إدارة بوش داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، عندما تزعم المسؤولون الرافضون لحرب العراق فكرة «العقوبات الذكية» وتشديد جهود احتواء نظام صدام حسين كمسار بديل. لكن هذه الدعوات لم تجد شيئا في تغيير حسابات صدام حسين، وتاهت تحت وطأة المزاعم المبالغ فيها عن استئناف بغداد جهودها لبناء أسلحة نووية. بدلا من الترويج لأكذوبة أن العقوبات ستمنح واشنطن نفوذا على عملية صنع القرار الإيراني ـ استراتيجية ستنتهي إما بخيبة الأمل أو الحرب ـ ينبغي أن تسعى الإدارة للتحالف استراتيجيا مع طهران على غرار ما فعل نيكسون مع بكين. وسيتطلب ذلك من واشنطن اتخاذ خطوات لطمأنة طهران بأن هذا التقارب يخدم حاجاتها الاستراتيجية. على هذا الأساس، تقر واشنطن وطهران إطار عمل شاملا للأمن والتعاون الاقتصادي ـ الأمر الذي لم تسمح واشنطن قط لمجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، باقتراحه. داخل هذا الإطار، سيعمل المجتمع الدولي مع إيران على تنمية برنامجها النووي، بما في ذلك النشاطات المتعلقة بدورة الوقود داخل الأراضي الإيرانية، وذلك بأسلوب شفاف بدلا من مطالبة طهران بإثبات العكس ـ أنها لا تطور أسلحة نووية. ويقوم هذا التوجه التعاوني حيال طهران على الامتناع عن تشويه صورتها بسبب علاقاتها السياسية مع «حماس» و«حزب الله»، وإنما سيعمد إلى محاولة دفع إيران للالتزام بالعمل لصالح التسوية السلمية للصراعات الإقليمية. ربما يرى البعض أن هذا التوجه سيكبدنا ثمنا باهظا من أجل تحسين العلاقات مع طهران. لكن، في حقيقة الأمر، سيأتي الثمن فادحا لمن يقدرون السياسات الفاشلة فحسب التي أضرت بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط وجعلت حلفاءنا أقل أمنا.

ـــــــــــــــ

* فلينت ليفيريت مدير مشروع إيران داخل «نيو أميركان فاونديشن».. وبروفسور الشؤون الدولية في ولاية جامعة بنسلفانيا.. وعمل من قبل في مجلس الأمن القومي الأميركي

* هيلاري مان ليفيريت رئيسة شركة استشارية في مجال المخاطرة السياسية.. وعملت من قبل في مجلس الأمن القومي الأميركي