خبر الديمقراطية مشكلة -معاريف

الساعة 09:30 ص|19 أكتوبر 2009

بقلم: يوآف برومر

 (المضمون:  أثبتت الازمة مع تركيا ان الديمقراطية في دول الشرق الاوسط اذا قويت أضرت بعلاقات دول الشرق الاوسط باسرائيل – المصدر).

كانت أيام كانت فيها العلاقات بين تركيا واسرائيل اقرب شيء من حكاية حب تستطيع العلاقات الدولية انشاءها: فأعداء مشتركون في بغداد ودمشق، واهداف استراتيجية متوازية، وطموح متماثل الى الحداثة الاقتصادية والاخوة الموالية للغرب والعلمانية. كان يبدو أنه برغم الفروق الخارجية بينهما فان القدس وأنقرة كانتا أكثر تشابها مما يمكن التفكير فيه. هكذا كان الامر على الاقل الى أن دخل الصورة عامل أجنبي وهدم قصة الحب هذه الا وهو الديمقراطية.

        ان القرار التركي على عدم دعوة سلاح الجو الاسرائيلي الى المناورة العسكرية في الاسبوع الماضي كان خطوة اخرى في تدهور العلاقات بين الدولتين. اذا وجب ان نضع الاصبع على اللحظة التي تحولت فيها علاقة اسرائيل بتركيا تحولا مصيريا، فقد كانت في شهر تشرين الثاني 2002، عندما أصبح حزب العدالة والتنمية ذو الميول الاسلامية الواضحة الحزب الحاكم في الدولة بأكثرية ساحقة بعد ان فاز في المعركة الانتخابية فوزا قانونيا. منذ تلك اللحظة، تغير شيء في تركيا ليس لمصلحة اسرائيل بالضرورة: فقد بدأ النظام الديمقراطي هناك يجن.

        في العقود التي سبقت فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان بالحكم، جربت الديمقراطية التركية غير قليل من صعاب التكيف. ما ظل الجنرالات، الذين كانت تؤيدهم الطبقة المثقفة العلمانية والنخب الاقتصادية الموالية للغرب، تصدر عنهم الكلمة الاخيرة في السياسة ايضا - بل يتدخلون في كل مرة تهدد فيها هوية الدولة العلمانية  - منعت الديمقراطية التركية الرسوخ. ليس صدفة أن سنوات التسعين تعد "العصر الذهبي" للتعاون الاستراتيجي بين اسرائيل وتركيا.

        لكن ميزان القوى في العقد الاخير تغير تغيرا كبيرا عندما تراجعت برغماتية القلة العلمانية لمصلحة العقائدية الاسلامية للجماهير. خرجت الديمقراطية في الحقيقة فائزة من هذا الصراع، لكن اسرائيل خاصة هي التي قد تخرج الخاسرة. حتى لو ظلت العلاقات بين القدس وأنقرة، برغم الزعازع التي جرت عليها، صلبة نسبيا، فان معنى الازمة الاخيرة واضح وهو انه كلما ضربت نظم الحكم الديمقراطية في الشرق الاوسط جذورها، فستهتز مكانة اسرائيل الدبلوماسية ايضا كحليفة ممكنة.

        جميع اتفاقات السلام والتطبيع التي عقدتها اسرائيل مع دول مجاورة وقعتها نظم حكم اوتوقراطية. حكمت بقوة الذراع لا بقوة صندوق الاقتراع، سواء أكان ذلك مع تركيا او ايران (تحت حكم الشاه)، او مصر او الاردن.

        كان الشركاء الوحيدون الذين استطاعت اسرائيل ان تتم معهم صفقات هم زعماء معادون للديمقراطية مستعملون للقوة. وليس صدفة ان كل حكومة ديمقراطية حقيقية ستنشأ في الشرق الاوسط ستضطر الى الانصات لمشاعر الشارع العربي وان تظهر بذلك مشايعة للفلسطينيين، وهوية اسلامية عامة، ويمكن أن نفترض ان مشاعر خيبة الامل التاريخية التي تعصف بقلوب الجماهير العربية (والمسلمة) منذ اقامة الدولة اليهودية ستكون كذلك. لا تلائم رغبة الناخبين في الشرق الاوسط بالضرورة رغبة النخب ولا سيما فيما يتعلق باسرائيل.

        ربما كان المثل الايراني هو الافضل: ففي اللحظة التي اسقطت فيها الجماهير الايرانية نظام الشاه الاستبدادي، سارع أيضا الى قطع العلاقة باسرائيل بل مواجهتها، برغم السنين الكثيرة التي سادت فيها علاقات دبلوماسية ساخنة بين الدولتين. في هذه الايام تجد اسرائيل نفسها تشارك في سباق مراثون  مرهق لكنه حاسم يتم في عدة جبهات: فهي في سباق مع القنبلة الايرانية وفي سباق مع الديمغرافية الفلسطينية. وقد تجد نفسها في القريب تشارك في سباق آخر من نوع جديد هو السباق مع الديمقراطية العربية.