خبر ماذا بعد إقرار « تقرير غولدستون » ؟!.. عريب الرنتاوي

الساعة 12:41 م|18 أكتوبر 2009

ماذا بعد إقرار "تقرير غولدستون" ؟!.. عريب الرنتاوي

 

أما وقد أقر مجلس حقوق الإنسان في اجتماعه الاستثنائي في جنيف، تقرير القاضي غولدستون وأحاله إلى الأمين العام للأمم المتحدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما العمل بعد النجاح في إنقاذ واحدة من أهم الوثائق الحقوقية المنصفة للفلسطينيين من غياهب التبديد والإهمال، هل انتهت المعركة ووضعت الحرب أوزراها، أم أنها بالكاد بدأت؟.

 

من قبيل الإنصاف، ومن باب نسبة الفضل لأصحابه، فإن هذه المعركة ما كان لها أن تندلع أصلا، وأن تصل إلى خواتيمها الظافرة لاحقا، لولا حملة الإدانة الواسعة التي جوبه بها قرار السلطة تأجيل النظر في التقرير والتصويت عليها، وعلى الذين التزموا الصمت على "فضيحة جنيف" بذريعة "عدم تمكين حماس" أو لرغبة في "تجريدها من سلاح جديد" تستخدمه في صراعها مع فتح والسلطة، أن يعيدوا النظر في مواقفهم وحساباتهم، فالمسألة الوطنية هي التي انتصرت في جنيف، وهزيمة هذا "النفر القليل" من أعضاء نادي صنع القرار، "الجنيفييون" وثيقة وفضيحة، كانت مطلبا وطنيا جامعا، وما كان بالإمكان إخراج تقرير غولدستون من الأدراج لو انضبط المجتمع المدني الفلسطيني والعربي والدولي لضوابط هؤلاء وحساباتهم الضيقة واعتباراتهم الفئوية والانتهازية .

 

والظفر بهذه المعركة ما كان ممكنا لولا الدور النشط الذي لعبه أصدقاء فلسطين وحركة التضامن الدولي مع شعبها وقضيته الوطنية وكفاحه العادل لاسترداد حقوقه، تلك الحركة التي أعيد بعثها كما لم يحصل من قبل، على إيقاع مسلسل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الذي نفذته سلطات الاحتلال من مدنية وعسكرية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمجوّع في غزة.

 

بعد كسب المعركة في جنيف، يجب العمل لكسب المعارك اللاحقة في نيويورك ولاهاي، وهذا يتطلب إدامة حالة الاستنفار واليقظة في صفوف الفلسطينيين ومن يقف خلفهم من الحلفاء والأصدقاء، أولا: لمسألة من قارف فعلة التأجيل النكراء ومحاسبته على شر أعماله، وثانيا: من أجل ملاحقة التقرير في مختلف المحافل الدولية في المراحل القادمة، وصولا به إلى "لاهاي" وإلى أن نرى طابورا ممتدا من القادة المدنيين والعسكريين الإسرائيليين خلف القضبان، فالمعركة في مراحلها القادمة أشد صعوبة، والمؤامرات على التقرير ما تزال تحيق به من كل جانب.

 

يجب أن تسارع كل من السلطة وحماس إلى تشكيل لجان تحقيق للنظر فيما خص الجانب الفلسطيني من توصيات التقرير و"اتهاماته"، فبعض حماس وبعض فصائل المقاومة متهم بمقارفة "جرائم حرب" بدوره، والسلطة في رام الله متهمة بمفارقة انتهاكات واسعة النطاق ضد شعبها في الضفة الغربية أثناء العدوان وبعده، وكل هذا يوجب التحقيق والملاحقة والمتابعة.

 

والأهم من كل هذا وذاك، أن الجدل الذي صاحب وأعقب اجتماعات جنيف حول التقرير، أظهرت حماسا فلسطينيا إجماعيا لما يمكن تسميته بـ"العدالة الدولية"، والتفافا فلسطينيا غير مسبوق حول ما يمكن تسميته أيضا "المضمون الأخلاقي" للقضية الفلسطينية، مثل هذه الحماسة وذاك الإجماع، يمليان على فصائل المقاومة، وبالأخص حركة حماس، إبداء الاستعداد لإجراء المراجعة المطلوبة لأشكال النضال ووسائله، فهذه ليست مقدسة وعلينا إخضاعها للتقييم وإعادة التقييم المستمرين، ولا يجوز أن يُجمع في تقرير واحد بين الضحية والجلاد، حتى وإن احتل الجلاد مساحة أكبر من الإدانة والتنديد والتجريم كما في تقرير غولدستون، كما أن المراجعة المطلوبة من حماس تتخطى هذه النقطة إلى التمييز الضروري بين "اليهود" والصهاينة، فليس كل يهودي عدو للشعب الفلسطيني بالضرورة، وغولدستون الذي أحببناه جميعا خلال الأسابيع الماضي مفرط في يهوديته، والصراع الوطني ليس دينيا بالضرورة، وليس بالدين وحده، تكسب الأنصار والمؤازرين.

 

درس ما حصل في جنيف وخارجها وبعدها، يقول بأن الحاجة تشتد إلى: (1) ترشيد العمل السياسي الفلسطيني، ترشيد المفاوضيات وبناء مرجعية وطنية لها...(2) ترشيد الحكم والنظام الفلسطينيين وإنهاء مظاهر فوضى السياسة وفلتان المواقف والتوجهات...(3) ترشيد المقاومة الفلسطينية وإخضاعها للمساءلة والتقييم بعيدا عن لغة الابتزاز والأحكام القطعية المسبقة، فلا نكون في يوم من قادمات الأيام أمام الصورة السقيمة التي شهدناه للأداء المتخاذل والمرتبك والفاقد للصدقية الذي صدر عن رام الله، ولا نرى بعد اليوم اتهامات لحماس أو غيرها من فصائل المقاومة بالإرهاب وممارسة "جرائم حرب".