خبر غولدستون محق.. هآرتس

الساعة 09:44 ص|18 أكتوبر 2009

بقلم: الوف بن

حملة "رصاص مصبوب" تعتبر في اسرائيل انتصارا لامعا. نار الصواريخ من قطاع غزة توقفت على نحو شبه تام. والجيش الاسرائيلي نفض عنه اخفاقاته في حرب لبنان الثانية واستخدم قوات برية بقلة من الخسائر. الاضرار للجبهة الداخلية كانت صفرية. الجمهور أيد العملية بحماسة. "العالم" سمح للحملة بالاستمرار ولم يفرض وقف النار. يا لها من حرب رائعة.

بعد عشرة اشهر يبدو أن العملية في غزة كانت انتصارا محملا بالهزيمة. اسرائيل لم تفهم بان القواعد تغيرت مع انتخاب براك اوباما رئيسا للولايات المتحدة. رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت حدد توقيت "رصاص مصبوب" للفترة بين العهدين في واشنطن وقدر عن حق بان الرئيس المنصرف جورج بوش سيمنح اسنادا مطلقا لاسرائيل. ولكن خلافا لحرب لبنان الثانية التي انتهت مع وقف النار لا تزال حرب غزة مستمرة في الدبلوماسية وفي الرأي العام – وعلى اسرائيل أن تتصدى لاثارها في عهد اوباما الاقل ودا.

في الجولة الاولى، العسكرية، تمتعت اسرائيل بتفوقها الساحق في قوة النار. في الجولة الحالية، نقل الفلسطينيون الحرب الى الساحة المريحة لهم ويستغلون تفوقهم في مؤسسات الامم المتحدة وفي الرأي العام. الدعوات لمقاطعة اسرائيل تتعزز. تركيا تنفض عنها الحلف الاستراتيجي مع اسرائيل وتعرض جنود الجيش الاسرائيلي كقتلة اطفال كريهين. حماس تتلقى بالتدريج الاعتراف كجهة شرعية وتجمع الصواريخ دون معيق. زعماء اسرائيل منشغلون بالدفاع عن انفسهم ضد تقرير غولدستون ويخشون اوامر الاعتقال في اوروبا.

حتى لو توقفت المسيرة القانونية التي بادر اليها غولدستون، ولم تجلس اسرائيل في قفص الاتهام في لاهاي، فان اياديها قد كبلت. العالم بقيادة اوباما لن يدعها تنطلق الى "رصاص مصبوب 2". وبالتأكيد ليس حين تكون تسيطر في القدس حكومة اليمين لبنيامين نتنياهو، التي يطيب للعالم أن يكرهها. محاولة لنتنياهو، في خطابه في الكنيست هذا الاسبوع الصاق الحرب في غزة بتسيبي لفني، لم تنجح كثيرا. فهو في السلطة والعالم يرى فيه مسؤولا وليس الحكومة السابقة التي لم تعد في الحكم. الامريكيون والاوروبيون يستخدمون تقرير غولدستون كي يعاقبوا نتنياهو على رفضه تجميد المستوطنات.

ذات الشيء حصل للفلسطينيين بين الانتفاضتين. عندما رشقوا الحجارة في الانتفاضة الاولى، ودارت المواجهة في الضفة الغربية وقطاع غزة العالم هتف لهم واجبر اسرائيل على الاعتراف بـ م.ت.ف واقامة الحكم الذاتي لياسر عرفات في المناطق. العنف الفلسطيني اعتبر في حينه مقاومة ملائمة للاحتلال. اما في الانتفاضة الثانية، فقد انتقل الفلسطينيون الى العمليات الانتحارية في مدن اسرائيل. وقتلوا الكثير من الاسرائيليين ولكنهم خسروا في الساحة السياسية التي تغيرت فيها القواعد بعد عمليات 11 ايلول 2001 في امريكا. العالم مل العمليات وسمح لاريئيل شارون باعادة احتلال الضفة، وحبس عرفات في القفص والتخلص من غزة دون تسوية سلمية.

كيف حصل الخلل في غزة. حملة "رصاص مصبوب" كانت العملية الاكثر تخطيطا في تاريخ حروب اسرائيل. وملأ المبادرون لها كل الاستبيانات واشاروا اشارة النصر الى كل الاجراءات التي قررتها لجنة فينوغراد بعد حرب لبنان الثانية. الاهداف كانت معقولة، السيناريوهات جرى التدرب عليها مسبقا، الاحتياط دربوا. المحامون فحصلوا كل هدف وخطة عملياتية. كان للجنود طعام، ماء وتحصين. السلطات في الجبهة الداخلية أدت دورها. وسائل الاعلام اطاعت. باختصار، الحكومة والجيش استعدا على نحو ممتاز لحرب لبنان الثالثة. ولكنهم نسوا فقط بان الظروف في الجبهة الفلسطينية تختلف عنها في الشمال.

لم يكن الجميع مشاركا في حالة النشوة. وزير الدفاع ايهود باراك اراد قطع "رصاص مصبوب" بعد يومين – ثلاثة ايام، ولكنه تراجع امام اولمرت الذي اراد المواصلة أكثر ثم أكثر. أصحاب الاقلام والمحللون حذروا من التورط. والاكثر اثارة للاهتمام: لجنة فينوغراد توقعت مسبقا الخطر القانوني المحدق باسرائيل، وفي تقريرها النهائي حذرت من "مضاعفات بعيدة الاثر" للفجوة المتسعة بين قوانين الحرب وواقع القتال ضد الارهاب العامل في محيط مدني. واقترحت اللجنة اخراج رجال القانون من الغرف العملياتية، الاكثار من التحقيقات للافعال الشاذة وابرازها، والعمل مع دول صديقة على تعديل قوانين الحرب – وهي توصية سهل كتابتها ولكنها صعبة التطبيق. تقرير فينوغراد اشار الى الحاحية المشكلة، ولكنه لم يحذر من الانطلاق الى الحرب التالية قبل أن تتغير قوانين الحرب. التوصيات القانونية التي صيغت بضبط للنفس خشية أن تستخدم في الدعاية ضد اسرائيل، ابتلعت في بحر التفاصيل في التقرير.

لدى عودته الى الحكم، أمل نتنياهو في أن يضع الفلسطينيين جانبا وان يركز على التهديد الايراني والاصلاحات الاقتصادية. ومثل كل اسلافه كشف أن المشكلة الفلسطينية تعود لتندلع من جديد وفي الاماكن غير المتوقعة. والان سيتعين على حكومته التصدي لاثار "رصاص مصبوب" في ظروف دون، تحت ضغط دولي ثقيل والتخوف من اوامر اعتقال ولوائح اتهام.