خبر فخ المصالحة ..حسن عبدو

الساعة 09:40 ص|18 أكتوبر 2009

فخ المصالحة ..حسن عبدو

 

الحقيقة السياسية المهمة في الانقسام الفلسطيني هي أن جميع اللاعبين الإقليمين والدوليين حاضرين في مشهد الانقسام الفلسطيني عبر طرف محلي، ما يحول المكان على ضعفه إلى نقطة تلاقي إرادات هائلة محلية وإقليمية دولية. وقاطع من قواطع المواجهة بين قوى سياسية لها امتداداتها الإقليمية والدولية، هذه البيئة السياسية هي التي تمنع التوافق الفلسطيني وتغذي الانقسام وتحول المكان إلى منطقة بينيه هشة وضعيفة ومضطربة بشكل دائم.

والسؤال هل شيئاً تغير في هذه البيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية حتى تصبح المصالحة والوفاق الوطني ممكنة وضرورية ومتاحة.

 

أولاً البيئة السياسية الدولية فبرغم وصول الرئيس "اوباما" إلى رأس الهرم السياسي في الولايات المتحدة وإشاعة قدر من التفاؤل إلا أنها مازالت هناك بيئة سلبية غير مواتية تعمل على ترسيخ الانقسام الفلسطيني من خلال تمسكها باشتراطاتها لتحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية الفلسطينية.

 

فقد ذكرت صحيفة "هارتس" في عددها الصادر الثلاثاء 13/10 أن الولايات المتحدة بعثت برسالة الى الراعي المصري للحوار مفادها " إنها لا تؤيد إجراء اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس لأن ذلك من شأنه أن يقوض المفاوضات مع إسرائيل".

 

ولنفس الغرض التقى جورج ميتشل المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط مساء السبت الماضي في القاهرة مع رئيس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان وقال أن الولايات المتحدة لن تدعم اتفاق المصالحة لأنه لا يتماشى مع مبادئ اللجنة الرباعية الدولية والمتضمنة الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بالاتفاقيات السابقة ونبذ المقاومة (الإرهاب) .كل ذلك وغيره يؤكد أن البيئة السياسية الدولية مازالت سلبية وغير مواتية وتعمل بشكل مضاد للوفاق الوطني الفلسطيني ما يجعل المصالحة الوطنية الفلسطينية غير ممكنة وغير متاحة.

 

ثانياً البيئة السياسية العربية والإقليمية ... فما زالت الدول العربية والإقليمية منقسمة بفعل عوامل عديدة داخلية وخارجية وهي تنعكس سلباً على الوفاق الوطني الفلسطيني، فالتحركات العربية والإقليمية للتقارب خاصة مع سوريا جرت من خلال الأردن والسعودية وتركيا وسوريا نفسها هي محاولات جاده ومرسومة بدقة هدفها إبعاد سوريا وعزلها عن محورها من خلال بناء جسر من المصالح الجديد يبعدها عن إيران وقوى المقاومة الرافضة للهيمنة الصهيونية الأمريكية على المنطقة.

 

لذلك تبقى هذه البيئة وخلافاتها تنعكس سلباً على الشأن الفلسطيني وما جرى من متغيرات بها غير كافية لإحداث تحول حقيقي يدفع باتجاه المصالحة والوفاق الفلسطيني.

 

ثالثاً : البيئة السياسية المحلية وهي مازالت في مجملها بيئة غير مواتية وتحتكم إلى البعد   الحزبي والفصائلي وليس الوطني، فلا حركة فتح أدركت أهمية حركة حماس في الحركة الوطنية الفلسطينية،  ولا حركة حماس  أدركت أهمية فتح في الحركة الوطنية الفلسطينية، والإقصاء والنفي الكامل ، بل الإعدام السياسي للآخر الوطني هو سيد الموقف ، والصراع والاستقطاب يكاد يغطي كل شيء، ففي الضفة الغربية يوجد كيان سياسي تقوده فتح ويعمل ضد حركة حماس وقوى المقاومة الأخرى بشكل رئيسي، فيما إسرائيل شريك أو في أحسن الأحوال عدد ثانوي .

 

وفي قطاع غزة كيان سياسي تقوده حركة حماس وتعمل ضد حركة فتح بشكل رئيسي فيما الصراع مع إسرائيل مؤجل لحين تهيئة الظروف المناسبة.

 

وفي المجمل البيئة المحلية لا تدفع باتجاه المصالحة والوفاق الوطني في ظل ضعف الفصائل الأخرى وقوى المجتمع المدني، ما يشير إلى إخفاق الوعي السياسي الفلسطيني في هذه الفترة من التاريخ.

 

إذا ما هو المتغير الجديد الذي دفع حركة حماس وحركة فتح والنظام العربي ممثلاً بالطرف المصري الراعي الحصري للحوار الوطني الفلسطيني للقبول بالتوقيع على المصالحة الوطنية الآن.

 

والجواب المرجح هو قرب انتهاء الشرعيات وحاجة الجميع للتمديد شرعية الانقسام في الكيانين السابقين فالانتخابات المحتمل إجراءها في الضفة الغربية بشكل منفرد وفي ظل مقاطعة الفصائل ربما لا تؤدي بالغرض والبديل الوحيد لتمديد شرعية السلطة هو اتفاق وطني يجمع جميع الفصائل إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني خاصة وان الاتفاق المصري يحتوي على هذا البند وهو تأجيل الانتخابات والترجمة الحقيقية لذلك هو تمديد شرعية الحالة الفلسطينية الراهنة من خلال إدارة الانقسام وليس حله.

 

ومن هنا تأتي أهمية المكاشفة والمصارعة مع الشارع الفلسطيني وهو ان ما سيجري التوقيع عليه ليس حلاً، بل ربما مدخل جديد لصراع أشد مثلما حصل بعد التوقيع على اتفاق مكة، وفي أحسن التقديرات سيجري التمديد لمرحلة ضبابية غير واضحة لن تنهي الانقسام ولن تحقق المصالحة.

 

علماً أن مسودة الاتفاق عرضت على الحركتين فتح وحماس الأحد 11/10 للاطلاع والتوقيع وهي اشتملت على أعمال اللجان الخمسة والنقاط التي تم الاتفاق عليها سابقاً في لجنة المنظمة ولجنة الانتخابات ولجنة الأمن ولجنة المصالحة ولجنة الحكومة مضافاً إليها ما تم التوصل إليه في الحوار الثنائي بين فتح وحماس، مع بعض المقترحات للطرف راعي الحوار خاصة في لجنة الحكومة لتشكيل لجنة فصائلية بديله عن حكومة التوافق الوطني، وكذلك اقتراح آخر في لجنة الانتخابات وآخر في لجنة الأمن.

 

محلياً مطلوب من فتح وحماس الرد والتوقيع قبل 15/11 نهاية الأسبوع الجاري، بعدها ترسل الورقة لاحقاً للفصائل للموافقة عليها عبر الايميل على أن يكون ردها قبل 20/11 بعدها يتم لاحقاً بحث موعد الاحتفال بعد عيد الأضحى المبارك، وكما قال عزام الأحمد لا يهم الاحتفال بل ما يهمنا هو التوقيع.

 

 لقد بات واضحاً أن هدف التوقيع على الاتفاق هو تمديد الحالة الفلسطينية المنقسمة وإعطاء شرعية للتمثيل الفلسطيني. ما بعد 25/1/ 2010 ، فبعد التوقيع من الكل الوطني تصبح هناك شرعية للجميع بما فيهم الرئيس أبو مازن في المحافل الدولية والإقليمية.

 

لذلك التوقيع على الاتفاق لن يحل المشكلة وهو الاتفاق الذي لا يحقق المصالحة لأنه لا يقوم على أساس سياسي تبنى عليه المصالحة وغرضه إعطاء شرعية للانقسام وإدارته.