خبر سباق بين السلطة وإسرائيل للسيطرة على «المنطقة ج»

الساعة 06:39 ص|18 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم-وكالات

ما إن أعلنت السلطة الفلسطينية خطتها لإقامة بنية تحتية للدولة المستقلة خلال العامين المقبلين، حتى سارعت إسرائيل إلى وضع عقبات سياسية وإجرائية أمام أي مشاريع جديدة في «المنطقة ج» التي تشمل أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، وتقع فيها جميع المستوطنات والكتل الاستيطانية.

واعتبر قادة سياسيون وخبراء في مراكز أبحاث إسرائيلية أن أي إجراءات تتخذها السلطة في هذه المنطقة تعتبر «انتهاكاً للاتفاقات». وبحسب مسؤولين فلسطينيين، فإن الحكومة الإسرائيلية قدمت رسائل رسمية إلى الإدارة الأميركية الراعية لعملية السلام، تشكو فيها من قيام السلطة بـ «خرق الاتفاقات» عبر القيام بإجراءات «أحادية الجانب» في هذه المنطقة.

 

وقال رئيس الوزراء بحكومة رام الله الدكتور سلام فياض لـ «الحياة» إن «الإدعاء الإسرائيلي هذا يثير الحنق والسخرية»، مشيراً إلى أنه يرد بحدة على من يحمل له شكاوى إسرائيلية من هذا النوع، متسائلاً: «وهل ما تقوم به اسرائيل من استيطان في هذه الأرض الفلسطينية إجراء ثنائي يتم بالاتفاق معنا؟».

 

ونص اتفاق أوسلو في عام 1993 على تقسيم الضفة وقطاع غزة، وفق الصلاحيات الإدارية والأمنية، إلى ثلاث مناطق، الأولى هي «المنطقة أ» التي تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية أمنياً وسياسياً، والثانية هي «المنطقة ب» التي تخضع إدارياً للسلطة وأمنياً لإسرائيل. والثالثة هي «المنطقة ج» التي تخضع لإسرائيل أمنياً وإدارياً.

 

وبررت إسرائيل إصرارها على هذا التقسيم بالطبيعة الانتقالية للاتفاق الذي سيعقبه اتفاق نهائي يحل مسألة المستوطنات ومعسكرات الجيش المقامة في هذه المنطقة الواسعة التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة.

 

وتشمل «المنطقة ج» عدداً من أبرز المناطق، خصوصاً الأغوار ومحيط القدس المحتلة وامتدادها نحو البحر الميت، كما تضم وسط الضفة حيث تقع كتلة «ارئيل» الاستيطاينة التي تتشكل من 22 مستوطنة. ويعتبر الفلسطينيون هذه الكتلة التي تصل حتى مشارف نابلس والأغوار إحدى عقبات التواصل الجغرافي بين أراضي الضفة (شمالها ووسطها)، مثلها في ذلك مثل كتلة «معاليه أدوميم» شرق القدس التي تفصل وسط الضفة عن جنوبها.

 

وأعلنت الحكومة الفلسطينية في خطتها لإقامة مؤسسات للدولة المستقلة خلال عامين، سلسلة مشاريع بنية تحتية في «المنطقة ج»، وشرعت في حشد دعم سياسي ومالي دولي لتنفيذها، نظراً إلى حاجة أي مشروع في هذه المنطقة إلى مصادقة إسرائيل. ولفت فياض إلى أن من المشاريع الحيوية التي تعد الحكومة لإقامتها ضمن هذه الخطة مطاراً مدنياً في الأغوار، مشيراً إلى أنه أبلغ مسؤولين أميركيين في لقاءات أخيرة بأن حكومته تخطط لإقامة مطار في أريحا لاستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما فيه. وأضاف أن «لغة البناء تستقطب اهتمام العالم، وتشكل رصيداً سياسياً لمصلحة مشروع الدولة».

 

وبدأت السلطة تنفيذ سلسلة مشاريع حيوية في «المنطقة ج» من دون موافقة إسرائيل، وفق ما ينص عليه الاتفاق. ومن هذه المشاريع طرق ومدارس وشبكات مياه وخيام على شكل بيوت متنقلة وغيرها. وقال فياض الذي يقوم بسلسة زيارات لهذه المناطق لتدشين ما تنفذه حكومته من مشاريع فيها: «أحياناً تأتي الجرافات الاسرائيلية وتهدم المشاريع التي ننفذها، وتجرف الشوارع التي نعبدها، لكن هذا لن يوقف عملنا، ولن يوقف الحياة في أرضنا هذه... هم يهدمون ونحن نعيد البناء. حتى لو هدموا المشروع الواحد مرات عدة، فإننا سنعيد بناءه. لا خيار أمامنا سوى الحياة والعمل على أرضنا. ولن نتركها».

 

ويرى فياض أن نجاح حكومته في إقامة مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية خلال هذين العامين سيجعل العالم يدرك أن العقبة الوحيدة أمام إعلان الدولة في حينه هو الاحتلال الإسرائيلي. وقال: «هذا سيجعل العالم يأخذ مواقف أكثر وضوحاً وحزماً لجهة تأييد قرار دولي للاعتراف بها».

 

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أعلن عقب توليه منصبه مطلع هذا العام أنه يؤيد إقامة دولة فلسطينية «منزوعة السلاح» في الضفة وغزة. لكنه استثنى من مساحة هذه الدولة القدس والكتل الاستيطانية والمناطق الواقعة خلف الجدار. وتساءل فياض: «عن أي دولة يتحدثون، الشعب الفلسطيني لن يقبل دولة ميكي ماوس هذه»، واصفاً العرض الإسرائيلي بأنه ليس أكثر من «لعبة للإلهاء».

 

وتغلق إسرائيل مناطق واسعة من الأراضي المصنفة ضمن «المنطقة ج»، وتفرض قيوداً على حركة المواطنين فيها وعلى الوصول إليها، مثل منطقة الأغوار التي تشكل 26 في المئة من مساحة الضفة. وقال فياض إن 50 ألف مواطن فقط يعيشون في هذه المنطقة شبه الخالية من السكان بسبب القيود الإسرائيلية، بمن فيهم سكان مدينة أريحا. وأشار إلى إن إسرائيل تضع قيوداً، حتى على التنقل الداخلي لسكانها الفلسطينيين.

 

وتقيم الدولة العبرية عشرات المستوطنات الزراعية في هذه المنطقة الممتدة في محاذاة الحدود مع الأردن. وقال رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات إن الاستيطان الإسرائيلي في الأغوار يتخذ منحى آخر في هذه المنطقة، مشيراً إلى أن شركات تجارية إسرائيلية كبرى مثل «شتراوس» و «تنوفا» وغيرها، تمارس الاستيطان عبر المنشآت الزراعية الضخمة التي تقيمها فيها، مثل مزارع النخيل والعنب والماشية ومنشآت التعبئة والتغليف وغيرها.

 

ويواجه الفلسطينيون في مثل هذه الفترة من كل عام تحدياً آخر في «المنطقة ج» يتمثل في اعتداءات منظمة للمستوطنين على حقول الزيتون التي تحتل مساحة واسعة منها. وتعرض عدد من حقول الزيتون الأسبوع الماضي لهجمات من المستوطنين الذين أقدموا على قطع مئات الأشجار، خصوصاً في قرى نابلس ورام الله.

 

وحددت لجان مقاومة الاستيطان والجدار أكثر من مئة «موقع ساخن» تتعرض لاعتداءات المستوطنين في الضفة. ونظم فياض نهاية الأسبوع الماضي جولة للقناصل الأجانب في حقول الزيتون المستهدفة في محاولة لتوفير حماية أجنبية للفلاحين في حقولهم. ووجهت الهيئة التنسيقية للجان مناهضة الجدار العازل والاستيطان، التي تضم لجان بلعين والمعصرة ونعلين وغيرها المتضامنين الاجانب، إلى تلك المواقع للمساهمة في توفير حماية للمزارعين من قوات الاحتلال والمستوطنين.

 

لكن السلطات الإسرائيلية منعت، ليس فقط المتضامين الأجانب من الوصول إلى هذه المناطق، بل حذرت المزارعين من أنها ستفرض غرامات مالية على كل من يستقبل منهم متضامناً أجنبياً. وقال مسؤول ملف الاستيطان في نابلس غسان دغلس إن دوريات للجيش والإدارة المدنية الإسرائيلية تجوب حقول الزيتون، وتحذر المواطنين من استقبال المتضامنين الأجانب، مهددة بالغرامات. ورحّلت سلطات الاحتلال أخيراً عدداً من المتضامين الأجانب الذين وصلوا للمشاركة في موسم قطف الزيتون فور وصولهم إلى المطار.

 

ويشكل الجدار العازل مشكلة أخرى للحياة الاقتصادية والاجتماعية في «المنطقة ج»، إذ يعزل عشرة في المئة من أراضي الضفة، تشكل خيرة الأراضي الزراعية فيها. وتضع السلطات الإسرائيلية قيوداً شديدة على دخول المواطنين إلى هذه الاراضي الواقعة خلف الجدار، وتحدد الدخول إليها بتصاريح خاصة تتضمن ساعات وأيام الدخول.

 

وأعلنت منظمة «حاخامون من أجل حقوق الانسان» الإسرائيلية أن 70 في المئة من حقول الزيتون الفلسطينية الواقعة في مناطق محاذية للجدار والمستوطنات، تعرضت العام الماضي، إما للحرق أو القطع أو تعرض أصحابها للطرد.

 

وأمام تعثر المفاوضات السياسية بين الجانبين، تشير التوقعات إلى أن المرحلة المقبلة ستتسم بفرض إجراءات الأمر الواقع في هذه المنطقة، خصوصاً مع تكثيف إسرائيل توسعها الاستيطاني في مدينة القدس وفي الكتل الاستيطانية المحيطة بها، والواقعة خلف الجدار أو الممتدة حتى مشارف وادي الأردن والبحر الميت، وفي كتلة «ارئيل» شمال الضفة.

 

أما السلطة الفلسطينية، فتتجه إلى حشد دعم دولي لإقامة مشاريع بنية تحتية في المنطقة تشكل أساساً صالحاً لإعلان إقامة دولة مستقلة متصلة ومقبولة دولياً في حال عدم التوصل إلى حل سياسي. ويرى فياض قيمة سياسية لهذا الهدف تتمثل في «توحيد الفلسطينيين حوله، ما يشكل عنصراً آخر يساهم في إنهاء الانقسام، ووقف المعارك الصغيرة أمام المعركة الكبرى، وهي إنهاء الاحتلال».