خبر هل صارت المصالحة الفلسطينية وهماً؟! ..محمد أبو رمان

الساعة 10:56 ص|17 أكتوبر 2009

هل صارت المصالحة الفلسطينية وهماً؟! ..محمد أبو رمان

 

ـ الغد الأردنية 17/10/2009

سترد حماس، على الأغلب، خلال أيام (وربما ساعات)، على الورقة المصرية بالقول "إننا نوافق على جزء كبير مما جاء فيها، لكن لنا ملاحظات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ومستجدات مرتبطة بتقرير غولدستون".

ستكون النتيجة إمّا حَرَد الطرف المصري أو جولة جديدة من المحادثات الشاقة التي يمارس فيها كل طرف لعبة "التُقية" مع الطرف الآخر، ويحاول تحميله "مسؤولية فشل المصالحة الفلسطينية" أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي.

العرب جميعاً والفلسطينيون، كذلك، يدركون تماماً أنّ مستقبل الفلسطينيين مرتبط بالمصالحة الوطنية وإنهاء ظاهرة "الدولتين" والسلطتين، لكن الشك في نوايا الطرف الآخر والنفور المتبادل بين كل من فتح وحماس أصبح ثقباً أسود يبتلع كل تلك الجهود، ويسير بالفلسطينيين إلى انهيارات لم تشهدها القضية الفلسطينية سابقاً.

لم يتجاوز الكاتب الإسرائيلي غي بخور (في يديعوت أحرنوت) الدقة مثقال ذرة، عندما وصف مشهد المصالحة الفلسطينية بالقول: "كيف سيحسم الفلسطينيون؟ الرأس يقول تصالحوا، والقلب لا يمكنه أن يقبل ذلك. المعضلة كبيرة، الإغراء هائل، ولكن النفور المتبادل كذلك..".

في أوساط قيادة حماس، ثمة شعور بمحدودية الخيارات، فهم يدركون تماماً أنّهم يواجهون محيطاً عربياً ودولياً لا يريد لهم البقاء، وكذلك شريكا فلسطينيا مشكوكا جداً في مصداقيته ونواياه تجاه الحركة.

خشية حماس هي أنّ الهدف الثاوي وراء جهود المصالحة، يكمن في تحييد الحركة سياسياً وإضعافها، بعد أن فشل "الحل العسكري" الإسرائيلي في ذلك.

هدف الرئيس عباس، من المصالحة، يتمثل في جانبين أساسيين، الأول انتخابات تمنح الأغلبية لفتح، مع عدم وجود أي ضمانات حقيقية لعدم التلاعب بها، وإيجاد موطئ قدم لعباس في غزة.

حتى لو سارت المصالحة كيلومترات قليلة في الطريق، فإنّها لن تكمل المسافة وفق الشروط الحالية، ولن تجد تطبيقاً على أرض الواقع، في ظل الاستقطاب الداخلي والإقليمي الحالي، والاحتقان الكبير بين الأطراف الفلسطينية.

إذا كانت حماس لن تقبل بتسليم غزة أمنياً للسلطة الفلسطينية، خوفاً من الانتقام أو تكرار التضييق على الحركة، كما حدث سابقاً؛ فإنّ الجانب الأمني في الضفة الغربية لم يعد بيد عباس، بل في عهدة الجنرال الأميركي دايتون، الذي علّم الشرطة على عقيدة مغايرة تماماً لميراث الكفاح الفلسطيني، ومن خلفه سلام فيّاض ومشروعه في بناء مؤسسات الدولة، قامت التسوية أم قعدت (!)، وفي الخلفية دعم دولي ـ أميركي غير محدود للرجل الذي استبدل عملياً بعباس.

إذن، أين تقف الرهانات الحقيقية، غير المعلنة، للطرفين؟

عباس أصبح بعد كارثة غولدستون ضعيفاً مهزوزاً (نصحه أصدقاء عرب له بتقديم كبش فداء ـ السفير الفلسطيني في جنيف ـ وتحميله القضية والتبرؤ منها)، يراهن على الانتخابات الفلسطينية، إذا لم تنجح المصالحة، ويلوّح بإجراء انتخابات في شهر شباط المقبل (حتى لو منعتها حماس في غزة)، لسحب بساط الشرعية من حماس، واستعادة زمام المبادرة الشعبية، والتحدث باسم الفلسطينيين جميعاً.

في المقابل، تؤكد أوساط قيادية في حماس أنّ الحركة تحتفظ بخياراتها، ولديها دراسة للاحتمالات كافة، في حال أجرى عباس الانتخابات، ورفعت مصر يدها عن جهود المصالحة.

في خلفية ذلك، يراهن عباس على حصار غزة، في المدى المتوسط والطويل، وأن يجعل من استمرار حماس فيها مستحيلاً. بينما تراهن حماس على التفكك داخل حركة فتح وأزمة عباس وعلى شعبيتها في الضفة الغربية، بأن يحدِث ذلك انفجاراً أو تغييراً في الأوضاع، مع تحول في مزاج المجتمع الدولي نحو الحركة.

أردنياً، استمرار الاستنكاف وترك العبء كاملاً على الطرف المصري، والتعذر بحساسيته من المداخلات العربية، لم يعد مجدياً. فما يحدث في الضفة يمس، في الصميم، الأمن الوطني الأردني، وإبقاء الحجر على أي حوار مع حماس لن يخدم مصالحنا الإستراتيجية، ولم يعد له ما يبرره!