خبر ياسر الزعاترة يكتب : ورقة مصالحة أم فخ لحماس والقضية؟

الساعة 10:53 ص|17 أكتوبر 2009

ياسر الزعاترة يكتب : ورقة مصالحة أم فخ لحماس والقضية؟

 

ـ الدستور الأردنية 17/10/2009

إذا كنا قد رأينا في ورقة المصالحة السابقة بعض الإيجابيات ، فإن الورقة الجديدة هي فخ حقيقي ، ليس لحماس فقط ، بل لسائر قوى المقاومة ، وللقضية برمتها أيضا ، الأمر الذي نتج عن الشياطين الكثيرة التي جرى بثها في التفاصيل التي لم تكن موجودة في الورقة السابقة (الأصلية).

قلنا أن الجانب الإيجابي الأساسي في الورقة الأولية يتمثل في الحديث عن التزامن بين انتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة ، وبين انتخابات المجلس الوطني ، وبالطبع على أمل تشكيل قيادة للشعب الفلسطيي في الداخل والخارج ، ولكن هذا الجانب الإيجابي ما لبث أن تلاشى في ظل التفصيلات الكثيرة ، إضافة إلى البنود الإشكالية الجديدة.

والحق الذي لا يماري فيه أي عاقل هو أن الهدف الأساسي لكل لعبة المصالحة هو إخراج حماس من الباب الذي دخلت منه ممثلا في الانتخابات ، وبالطبع بعد أن جرى حشر الفلسطينيين في الزاوية والقول لهم إنكم إذا صوتم لحماس من جديد ، فإن الحصار سيتواصل ، بينما يدرك المنصفون أن التزوير سيكون مؤكدا ، ليس خوفا من نتيجة مفاجئة فحسب ، ولكن أيضا لأن المطلوب هو خسارة مدوية لحماس ، وليس أية خسارة ، ولا قيمة هنا لحكاية المراقبة العربية والدولية ، تلك التي تابعنا لونا منها في أفغانستان ، وهنا تحديدا سيتواطأ العالم كله لتمرير التزوير ، أما اعتراضات حماس التالية ، فلن تؤثر بحال في ظل تأكيد المراقبين الدوليين على أن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة.

أما انتخابات المجلس الوطني ، فستخضع للمزاج الخارجي المناهض لحماس أيضا ، إذ أن النص على إجراء الانتخابات حيثما تكون ممكنة وترتيب الباقي بالتوافق سيعني تغييب بعدها الإيجابي بالنسبة للحركة تبعا لوضعها الأفضل في الخارج قياسا بفتح ، والسبب أن الأردن ودول الخليج والسعودية لن تسمح بها على الأرجح ، وربما لا يتاح هذا الأمر إلا في سوريا ولبنان ، وفي كليهما يتساوى الطرفان بهذا القدر أو ذاك ، مع أن ذلك مشكوك فيه أيضا ضمن مهلة الشهور الباقية حتى الموعد المقرر في 28 حزيران المقبل.

أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في أن مرجعية اللجنة المشتركة لتنفيذ الاتفاق هي الرئيس الفلسطيني ، بينما تتوزع المقاعد الـ 16 للجنة بطريقة ستجعل الغلبة فيها لفتح وحلفائها (4 لحماس ، 4 لفتح والباقي للفصائل والمستقلين). والمصيية أن اللجنة المذكورة هي التي ستشرف على تهيئة الأجواء للانتخابات ، والإشراف على قضايا المصالحة ، فضلا عن متابعة عمليات إعادة الإعمار لقطاع غزة.

الجانب الإيجابي الآخر لحماس سيتركز في مسألة المعتقلين واستعادة المؤسسات الاجتماعية في الضفة ، وكلاهما إنجاز مؤقت لن يدوم طويلا ، إذ ما إن يمسك فريق السلطة بالوضع من جديد حتى يعيد كل شيء إلى سابق عهده ، أكان في سياق تصفية الحسباب ، أم التزاما بنصوص خريطة الطريق ، مع العلم أن العدو يتكفل عمليا باستهداف الحركة على نحو يضرب إمكانات تحركها بفاعلية بين الناس.

في قطاع غزة سيعود ثلاثة آلاف من عناصر فتح إلى الأجهزة الأمنية ، بينما لن يتغير شيء على الأجهزة الأمنية التي أشرف عليها الجنرال دايتون في الضفة ، والأسوأ أن الرئيس هو المرجع ها هنا أيضا ، ما يعني أن حماس ستفقد حضورها في قضايا الأمن ، باستثاء وضع مؤقت في قطاع غزة.

ما لا يقل أهمية عن ذلك كله هو المتعلق ببند المقاومة ، إذ ستحظر التشكيلات المسلحة (الأجنحة العسكرية للفصائل) خارج سياق أجهزة الأمن ، ما يعني تثبيت واقع السلطة ـ الدولة الذي لا يسمح بغير سلاح "الشرعية" كما يقال ، والنتيجة أن المقاومة ستنتهي لصالح ترتيبات دولة مؤقتة أو سلام اقتصادي ، وهو البرنامج السياسي الوحيد المتاح إذا لم يجر التوصل إلى صفقة نهائية لن تختلف كثيرا سوى في بعض التفصيلات المحدودة.

من هنا ، فإن توقيع حماس على هكذا وثيقة سيكون أمرا بالغ السوء ، لاسيما إذا وقع تطبيقها بالفعل ، ولم تصطدم لاحقا بالكثير من العوائق المتوقعة ، تلك التي دفعت القاهرة إلى جعل عباس مرجعية للجنة المشتركة ، وبالطبع من أجل إلقاء مسؤولية أي تعطيل على كاهل حماس.

خلاصة القول هي ما بدأنا به هذا المقال ممثلا في القول إن مخاطر هذه الوثيقة تتعدى حماس إلى قوى المقاومة والقضية برمتها ، ما يفرض على عقلاء حماس والجهاد أن يرفضوها: رضي راعي الحوار أم غضب.

بقيت الإشارة إلى مرور تقرير جولدستون بالأمس في مجلس حقوق الإنسان ، والذي أكد ما قلناه عن توفير شبكة أمان للرئيس الفلسطيني بعد الإدانة التي تعرض لها ، وذلك بصرف النظر عن تراجع زخم التقرير ومصيره في المرحلة اللاحقة.