خبر إسرائيل ـ إيران: 2010 سنة الحسم .. أنطوان شلحت

الساعة 09:05 ص|14 أكتوبر 2009

إسرائيل ـ إيران: 2010 سنة الحسم

أنطوان شلحت ـ النهار اللبنانية 14/10/2009

يبدو لي أن المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، كان أول من لاحظ وجود تغيير في لهجة المواقف الإسرائيلية الرسمية إزاء إيران، وذلك من لهجة تكرار لازمة التهديد بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، إلى لهجة إبداء التأييد الكبير لاستنفاد الخطوات الديبلوماسية الدولية الى الحدّ الأقصى (عدد الصحيفة الصادر في 29/9/2009). ولعل أبلغ دليل على تغيير اللهجة كامن في ما يتم الجهر به في غياهب الغرف المغلقة أو عبر الأحاديث الخاصة. وقد أشار هارئيل، في هذا الصدد، إلى أن أكثر ما يميز كبار المسؤولين الإسرائيليين، في الأحاديث التي يدلون بها في الآونة الأخيرة إلى مندوبي وسائل الإعلام الإسرائيلية في نطاق حملات التوجيه السياسية، هو الحرص على توكيد أن تشديد العقوبات الدولية على إيران ربما يكون كافيا لثنيها عن المضي قدما في الطريق، الذي تسير فيه حاليا، خاصة في ضوء المشكلات الداخلية، التي يواجهها "نظام آيات الله" خلال الأشهر القليلة الفائتة.

ولدى متابعة ما نشر من تحليلات تتعلق بهذه اللهجة الإسرائيلية الجديدة، في إثر ملاحظة هارئيل السالفة، يمكن القول إن هذه التحليلات، في معظمها، تعزو التغيير الذي حدث إلى بضعة عوامل مستجدة، ربما يكون أهمها العاملان التاليان:

أولا- الحزم، الذي شرع رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، بإبدائه في الوقت الحالي إزاء إيران، ناهيك عن التنازل الأميركي عن نشر منظومات الصواريخ الدفاعية في أوروبا الشرقية، والذي يفترض به أن يساهم في انضمام روسيا إلى صفوف المؤيدين فرض عقوبات صارمة على إيران.

ثانيا- حوار الأسرة الدولية الذي بدأ مع إيران (يشارك فيه مندوبو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا)، والذي يُفترض به، في عُرف إسرائيل، أن يكون بمثابة المحطة الأخيرة، قبل اللجوء إلى سيناريو شنّ هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، ويتعين على إسرائيل أن تظهر أمام الإدارة الأميركية والأسرة الدولية كما لو أنها تؤيد استنفاد الخطوات الديبلوماسية كلها، ولا بُدّ من أن يكون هناك، في وقت لاحق، مجال للتلويح بالتهديدات من أجل ممارسة الضغوط على طهران.

وقد كان السبب المباشر وراء الحزم الأميركي هو تبليغ إيران، في 25 أيلول 2009، الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمر وجود منشأة ثانية سرية لتخصيب الاورانيوم في مدينة قُم، والذي اعتبر تطورا شديد الدراماتيكية في قراءة إسرائيل، في ضوء أنه سرعان ما أدى إلى "مؤشرات مهمة" تخدم الرواية الإسرائيلية بشأن المشروع النووي الإيراني، في مقدمها تأكيد وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، أن إيران تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية، وذلك خلافا لما ورد في تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية في كانون الأول 2007، الذي قال إن إيران توقفت، منذ عام 2003، عن التقدّم في المسار النووي العسكري. ومن ناحية أخرى فإن واقع أن منشأة قم عملت في السرّ يشكل إثباتا آخر على أن المخفي في ما يتعلق بالمشروع المذكور أعظم كثيرا من المكشوف، وعلى أن دخول إيران في حوار مع الأسرة الدولية لن تترتب عليه أي نتائج خاصة يمكن التعويل عليها في سياق إحباط مشروعها النووي، وهو يهدف أكثر من أي شيء آخر إلى كسب المزيد من الوقت والهروب من العقوبات الدولية المشدّدة، بغية استكمال حيازة القدرات التكنولوجية المطلوبة لإنتاج أسلحة نووية.

غير أنه في موازاة تغيير لهجة المواقف الرسمية إزاء إيران لم يدخّر المسؤولون الإسرائيليون جهدا في إيصال رسالة فحواها أن السنة المقبلة – 2010 - ينبغي أن تكون سنة الحسم بالنسبة للمشروع النووي الإيراني. وفي هذا الإطار نشير إلى أن ناطقين إسرائيليين رسميين "اهتموا" بنقل هذه الرسالة إلى وسائل إعلام عربية. وتمثل المبرّر الرئيسي، الذي أسرّ هؤلاء الناطقون به، في أن تقويمات إسرائيلية جديدة تؤكد أن "القدرات النووية والعسكرية الإيرانية، ومحاولات إيران بسط هيمنتها على المنطقة، ما زالت محدودة في هذه المرحلة. وإيران تعرض صورة مخادعة ومضللة من خلال تعزيز قدراتها، وذلك من أجل تحقيق ردع إزاء إسرائيل والمجتمع الدولي، لكن يتعين التشديد على أنه إذا ما استمرت إيران في سياستها الحالية فإن قوتها ستتعاظم وكذلك التهديد الذي تشكله، ومن هنا تنبع أهمية العامل الزمني لوقف تعاظم قوتها".

وتتسّق هذه التقويمات مع تصريح أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في سياق مقابلة مطوّلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" لمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة (نشرت في 18/9/2009) وأكد فيه أن إيران "لا تشكل خطرا مصيريا على إسرائيل". وقال باراك، ردا على سؤال يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني: "أنا لا أنتمي إلى أولئك المسؤولين الذين يعتقدون أن إيران تجعل إسرائيل في ظل خطر مصيري يتهدّد وجودها. إن إسرائيل قوية، ولا أرى شيئا يمكنه أن يشكل خطرا مصيريا عليها. مع ذلك فإنني أعتقد أن إيران تعتبر تحديا لإسرائيل والعالم كله". ونوهت الصحيفة الإسرائيلية بأن باراك سبق أن وصف تسلح إيران بأنه خطر مصيري، ويبدو أن تغيير لهجته في الوقت الحالي راجع إلى تعزّز الشعور بأن الإدارة الأميركية لا تنوي اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران. كما تطرّق باراك أيضا إلى احتمالات قيام إسرائيل بمهاجمة إيران، فقال: "إن الوقت الحالي يبدو ملائما أكثر للخطوات الديبلوماسية وتشديد العقوبات، ومن الأفضل القيام بالأمرين معا".

وعقب تصريح باراك هذا "تطوّع" أحد كبار الخبراء الأمنيين الإسرائيليين، وهو البروفسور اسحق بن اسرائيل، الجنرال في الاحتياط والذي أشغل في السابق منصب رئيس قسم الدراسات وتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية في وزارة الدفاع، لكي يؤكد أن إيران لن تملك قنبلة نووية في غضون الأعوام القليلة المقبلة (صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 6/10/2009). وفي رأيه فإن العالم، في معظمه، أصبح واعيا أكثر فأكثر للخطر الإيراني على "العالم الحرّ" كله، وليس على إسرائيل فقط. ويبدو أن الأوروبيين، الذين أصبح في إمكان الصواريخ الإيرانية الجديدة أن تصل إلى أراضيهم، كانوا أول من أدرك هذا الخطر بعدنا. كما أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي بدأ حملته الانتخابية بتوجيه رسائل مصالحة إلى الإيرانيين، يستعمل تكتيك المفاوضات الآن كي يهيئ الظروف الملائمة لتجنيد تحالف عالمي ضد إيران.

وأوضح بن اسرائيل أن الدول التي كان من الصعب تجنيدها في هذا التحالف هي روسيا والصين والهند. غير أن الولايات المتحدة سبق أن نجحت في استمالة الهند، من خلال غضّ الطرف عن انتهاك الأخيرة اتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية. واخيرا نجحت الولايات المتحدة في استمالة روسيا أيضا، وذلك بواسطة تنازلها عن نصب المنظومات الدفاعية ضد الصواريخ الروسية في كل من بولندا وتشيكيا. ويبدو أن هذا هو ما أدى إلى إعلان الرئيس الروسي عن احتمال تأييد بلاده فرض عقوبات على إيران. ومن المنطقي توقّع أن تواجه الصين صعوبات كبيرة في أن تكون الدولة الوحيدة التي لا تلتزم بالعقوبات، في حال فرضها في المستقبل. ومن ناحية أخرى فإن الاقتصاد في إيران آخذ في التدهور، وهذا يعني أنها ستكون بحاجة ماسة إلى الأموال الغربية، وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسي الذي حدا بها إلى دخول محادثات مع الدول العظمى. ويأمل الإيرانيون في أن تستمر هذه المحادثات إلى ما لا نهاية، وأن ينجحوا، في أثناء ذلك، في تجاوز العقبات كلها التي ما زالت تعترض طريق امتلاك قدرات نووية. لكن يبدو أن الرئيس الأميركي لا ينوي أن يسهّل هذا الأمر عليهم. وليس من قبيل المصادفة أنه أكد، اخيرا، أن "الخيارات كلها ما زالت مدرجة في جدول الأعمال"، أي بما يشمل الخيار العسكري أيضا.

وخلص هذا الخبير الأمني إلى النتيجة، التي يبدو أن هناك وفاقا إسرائيليا واسعا بشأنها في الوقت الحالي، وهي أن الرئيس الأميركي هو اللاعب المركزي في هذه الإستراتيجيا، ولذا فإن إسرائيل ترتكب خطأ كبيرا إذا ما واصلت خوض مواجهة معه في قضايا تعتبر أقل أهمية من الخطر النووي الإيراني، بدلا من تجنيده إلى جانبها.

وبحسب تقديره فإن السيناريو الأكثر واقعية للفترة القليلة المقبلة هو أن تخضع إيران لمطالب "العالم الحرّ". وإذا لم يحدث ذلك فسيكون هناك اتفاق دولي واسع كاف للقيام بعملية عسكرية أميركية ضد إيران. وإلى أن تحين لحظة الحسم، من ناحية إسرائيل، وهي سنة 2010، يجدر التنويه بما يلي:

أولا- لا يزال "الموضوع الإيراني" يتصدّر جدول الأعمال الإسرائيلي العام في ظل حكومة بنيامين نتنياهو. وثمة إجماع على أن الأخير نجح في جعل الموضوع الفلسطيني يتراجع عن أجندة الأسرة الدولية والإدارة الأميركية. ويؤكد المدير السابق للإذاعة الإسرائيلية، يوني بن مناحيم، الذي كان ضابطا في الاستخبارات العسكرية، أن حكومة نتنياهو تركز، منذ تشكيلها، جلّ عملها في الموضوع الإيراني، وأن أحد أهم إنجازاتها العملية في هذا الشأن هو إقامة طاقم عمل مشترك مع الولايات المتحدة يترأسه من الجانب الإسرائيلي عوزي أراد، مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة، ومن الجانب الأميركي الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة. كما أن جهاز "الموساد" الإسرائيلي يضع الموضوع في رأس  أولوياته وقد رُصدت له موازنات غير محدودة، وقد اتخذت في الجيش الإسرائيلي الاستعدادات اللازمة لجميع السيناريوات، والتي لا يجوز التحدث عنها بسبب سريتها التامة. في الوقت نفسه قال نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته، دان هارئيل، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ونشرتها يوم 27/9/2009، إن "إسرائيل تعمل كي تضمن ألا تكون لدى إيران قدرة نووية. نقطة".

ثانيا- بدأت بضعة مصادر واسعة الإطلاع في إسرائيل تشير إلى أن قدرات الولايات المتحدة وإسرائيل على مسّ المنشآت النووية الإيرانية هي قدرات محدودة للغاية. ويقول كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "هآرتس"، يوئيل ماركوس، مثلا، إن ما تدعيه إسرائيل بشأن المشروع النووي الإيراني غير مهم مطلقا، والأمر المهم فعلا هو أن نتنياهو يدرك أنه لا يملك القدرة على إزالة الخطر النووي الإيراني بضربة عسكرية ساحقة، لذا فإن خطوات إسرائيل، في معظمها، تهدف أساسا إلى إيجاد وضع تكون الولايات المتحدة فيه هي رأس الحربة في مواجهة إيران (عدد الصحيفة الصادر في 2/10/2009). ويضيف: على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تعجّ، في الآونة الأخيرة، بتحليلات تتوقع أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة استباقية إلى إيران، لا بُدّ من القول إن إيران ليست العراق، الذي سبق أن قام علنا ببناء مفاعله النووي الفرنسي، وكان (في عام 1981) هدفا سهلا لسلاح الجو الإسرائيلي. ويبدو أن المنشآت النووية الإيرانية كلها مبنية تحت الأرض وسط تحصينات كبيرة، علاوة على ذلك فإن أي عملية عسكرية تقوم إسرائيل بها، لا بُدّ من أن تجرّ عليها وابلا من الصواريخ، التي يحمل كل منها رأسا تفجيرية بزنة نصف طن وربما أكثر، فضلا عن وابل من الصواريخ سيطلق على المدن الإسرائيلية من مخابئ "حزب الله".

أمّا المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، فيؤكد (في عدد الصحيفة الصادر في 2/10/2009) أن خبراء كثيرين في الغرب يشككون في قدرة إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي تحالف غربي على المسّ بالبنى التحتية المعدّة لإنتاج سلاح نووي في إيران. ويعتبر مصنع أجهزة الطرد المركزية القائم تحت الأرض، والذي تم اكتشافه بجوار مدينة قُم اخيرا، والذي تطلق عليه وثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية اسم "نفق 206"، نموذجا واحدا فقط على قدرات التحصين والتستر الإيرانية. ويتبين من المعطيات والصور الجوية أن هذا المصنع محصّن جيدا، وأنه ليس في إمكان السلاح التقليدي أن يخترق الجبل الذي حفرت فيه الأنفاق، وهناك شك في ما إذا كان في إمكان السلاح النووي التكتيكي أن يدمر غرفه الداخلية. ويبدو أن تطوير سلاح فعال يمكنه أن يخترق الجبل ويقضي على محتوياته يتطلب بضعة أعوام، لذا فإن الفجوة بين تحضيرات الغرب العسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وقدرة إيران على تحصين هذه المنشآت آخذة في التقلص لمصلحة الأخيرة.

من ناحية أخرى يشير فيشمان إلى مقال نشره البروفسور أنتوني كوردسمان، وهو أحد كبار المسؤولين السابقين في المؤسسة الأمنية الأميركية وخبير معروف في الشؤون العسكرية، في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أخيرا، وشكك في سياقه في قدرة إسرائيل ليس على المسّ بالمنشأة النووية الجديدة فحسب، وإنما أيضا في قدرتها على المسّ بمفاعل ناتانز، الذي اكتشف في عام 2002، والذي كان في الإمكان الإعداد لتدميره منذ بضعة أعوام، وحاليا فإن هذا المفاعل لم يعد قائما في باطن الأرض فقط، وإنما أصبح أيضا، وفقا للخبير نفسه، محميا بمنظومة صواريخ روسية من الأكثر تطورا في العالم. ويؤكد خبراء أن هذا المفاعل سيكون في إمكانه، في 2010، أن ينتج كمية من الاورانيوم المخصب تكفي لإنتاج خمس قنابل نووية.

ويبدو أن هذه التقويمات هي التي دفعت مدير ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحق رابين، إيتان هابر، إلى القول إن الأشخاص، الذين يعتقدون أن في إمكان إسرائيل أن توجّه ضربة قاضية إلى الإيرانيين، لا يدركون قطّ ما الذي يدور الحديث عليه، وما هو الثمن الباهظ المرهون بتوجيه ضربة من هذا القبيل (صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 30/9/2009). وأضاف: في ضوء ذلك فإن التطورات الأخيرة في العالم (إثر اكتشاف المنشأة النووية الإيرانية الجديدة في مدينة قُم) تعتبر فرصة كبيرة لكبح الخطر الإيراني. ويبدو أن "العالم الحرّ" لم يعد يملك الكثير من الإمكانات، ولا الكثير من الوقت، وما بقي عليه أن يفعله هو تشديد العقوبات المفروضة على إيران، وتجنيد العالم كله لتأييدها.