خبر يهودية إسرائيل تعني (يهودية القدس) ..عبدالوهاب بدرخان

الساعة 07:27 م|12 أكتوبر 2009

يهودية إسرائيل تعني (يهودية القدس) ..عبدالوهاب بدرخان

 

 ..ما أن تأكد بنيامين نتنياهو انه كسب معركة الاستمرار في الاستيطان، وبالتالي استعادة باراك أوباما الي أجندته، حتي عاد الاسرائيليون متطرفين أو غير متطرفين، يحومون حول المسجد الاقصي. فهو عنوان المرحلة التالية التي يراد فيها الاندفاع نحو تنفيذ ما أمكن من مراحل مخطط تهويد القدس لفرضها أمراً واقعاً لا رجوع عنه في أي مفاوضات مقبلة.

 

لم يقل أحد في واشنطن لنتنياهو أن ما كسبه مجرد جولة، وأن الحديث لم يقفل بشأن الاستيطان، ففهم أنه حر في التصرف.

 

صحيح أن الرئيس باراك أوباما كرر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ان الاستيطان غير شرعي لكن مثل هذا الكلام جاء غداة اللقاء الثلاثي، الأمريكي - الفلسطيني - الاسرائيلي، الذي كشف فيه أوباما تجاوزه مسألة الاستيطان ليعطي الأولوية لاستئناف التفاوض، مع علمه ان التفاوض في ظل السرقة المتواصلة للأرض لن يفضي الي أي نتيجة.

 

كان الفلسطينيون والعرب راهنوا كثيراً وجدياً علي التصميم الذي أبداه أوباما، خصوصاً انه أمسك بنقطة - دولية مهمة لا يستطيع الاسرائيليون اتهامه فيها بأنه يعتدي علي حقوقهم، ومع ذلك أرغموه علي الفشل والاعتراف بالفشل والعمل بناء علي هذا الفشل. فعندما لم يستطع تطويع الطرف القوي استدار الي الطرف الضعيف ليطلب منه الامتثال للواقع.

 

وعندما اتبع الامريكيون والاسرائيليون هذه الضربة للسلطة الفلسطينية بضربة أخري قاصمة هي فرض التراجع عن الدعم ل تقرير غولدستون ، كانوا كمن يريد قتل هذا الشريك الفلسطيني وليس فقط استدراج تنازله عن شرط وقف الاستيطان لاستئناف لعبة التفاوض من أجل التفاوض.

 

غداة هاتين الضربتين انكشفت السلطة الفلسطينية أمام شعبها وتركت وحدها لتواجه النقمة والسخط من دون أن تكون لديها أي خيارات تذكر. إذ انها بالسياسة التي اتبعتها هي التي أقدمت علي اعدام كل الخيارات باستثناء التفاوض، مع علمها اليقين، واعلانها مراراً ان المفاوضات لم تعد مجدية.

 

وفي هذا الوضع المتدهور للسلطة بدأت أيضاً معركة القدس. فمن جهة كان المخطط الاستيطاني المرسوم والمعلن واضحاً في انه يسعي الي تطويق القدس وعزلها عن أي تواصل مع المحيط العربي الفلسطيني، ومن جهة أخري كانت الجماعات الليكودية والأخري المنبثقة منها ولاتزال جاهزة للهجوم علي الأقصي والانتهاء من الهوية العربية الاسلامية للمدينة.

 

ألم يقل سيلفان شالوم أن المعركة بدأت لفرض السيادة الاسرائيلية علي القدس وبشكل خاص علي جبل الهيكل . وبالنسبة الي العقل الاسرائيلي لا عودة ل جبل الهيكل إلا علي أنقاض المسجد الأقصي.

 

هذا ما عناه ويعنيه نتنياهو كلما تحدث عن يهودية اسرائيل وهذا ما عناه ويعنيه المفاوضون الاسرائيليون كلما قالوا إن وضع القدس مؤجل أو غير مطروح للتفاوض، أو غير قابل للحل، فالحل عندهم هو أن القدس اسرائيلية يهودية، وليس جديداً القول انهم في أكثر من مناسبة اعتبروا القدس بالنسبة لليهود بمثابة مكة المكرمة للمسلمين والفاتيكان للمسيحيين.

 

وطالما أن نتنياهو استطاع الانتصار في حماية قدسية الاستيطان ومكانته الايديولوجية الدينية بالنسبة الي اليهود، فهو يريد الآن اثبات أن كل ما تكسبه اسرائيل في إطار أيديولوجية تأسيسها يصبح مقدساً أي فوق أي قانون دولي.

 

ما يعني استطراداً أن الاستيطان الذي غزا القدس المحتلة وطوّقها وخنقها ارتقي الي مرتبة القداسة. وهذا ما يجب أن يسري أيضاً علي مجمل الأرض المحتلة في 1948 و1967 سواء بسواء.

 

أصبح واضحاً أن نتنياهو جاء الي الحكم هذه المرة والي جانبه عتاة اليمين والتطرف، ليخوض ما يعتبره أهم معركة في تاريخ اسرائيل، انتزاع الاعتراف العربي - وليس فقط الفلسطيني - ب يهودية اسرائيل مع ما يعنيه ذلك من تبعات علي أراضي 48 وأهلها، وعلي القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، ليس لديه علي ما يبدو ما يمكن أن يخشاه أو يقلقه في الغرب المسيحي، وهذا دعامة قوية له في مسعاه.

 

وبالمقابل ليس هناك أي مؤشر لوجود ما يمكن أن يخشاه أو يقلقه من جانب العرب أو العالم الاسلامي، ولا حتي ايران لأسباب مذهبية بحتة. ففي ظل الانهيار الحاصل في الوضع العربي لا مجال لتوقع أي تصدٍ فاعل للنزوات الاسرائيلية الأكثر تطرفاً وغلواً في المضي الي حسم الصراع بهذا المفهوم.

 

هناك تخوفات في الغرب من انزلاق الصراع الي طابع ديني، لكنها تخوفات علي اسرائيل وانشغالات بما يمكن عمله لانجاح مسيرتها لترسيخ يهوديتها وارغام العرب والمسلمين علي قبولها كأنها ضد مساوٍ لوجود اسرائيل وأمنها.

 

صحيح أن حكومات الغرب الامريكي والأوروبي لم تتبني بعد خطاباً ملتزما ب يهودية اسرائيل لكنها لن تلبث أن تفعل عندما تتسارع الأحداث وتستلزم اصطفافاً حول هذا المفهوم الديني.

 

وربما كان هذا هو السبب في خلفية الصمت والرفض والتجاهل التي قوبل بها تقرير غولدستون من جانب الامريكيين والأوروبيين، إذ ان دولة تدان بجرائم حرب تصبح تلقائياً خارج المجتمع الدولي، ويضحي دعمها في ما تراه مناسباً لوجودها وأمنها، بما في ذلك أن تكون الصفة الدينية المعنوية التي تريد أن تعرف بها دولياً.

 

هاهو الصراع يصبح دينياً، اذاً في الوقت الذي حوّله العرب الي صراع من أجل حفنة من العقارات. وفي الوقت الذي استكان العرب أو فشلوا في التصدي للحملة المسعورة التي وصمت الإسلام بالارهاب، لكن الصراع يبدو كأنه بدأ الآن، فالسلام الذي يعتبره العرب خياراً استراتيجياً ينحو أكثر فأكثر ليكون هزيمة استراتيجية، عسكرية وسياسية وثقافية، أي هزيمة شاملة لا أمل في أن ينجح أي قانون دولي أو شرائع انسانية في الحد من اخطارها وأضرارها عليهم.

 

في نهاية المطاف جاء السيد أوباما الي القاهرة وقرأ علينا فصل الايمان بالسلام والتعايش والتعاون والاخاء وما الي ذلك.

 

ثم ما لبث أن اصطدم بالواقع الذي صنعته بلاده لكنه لا يريد أن يتحمل المسؤولية، وحتي لو كانت لديه كل النيات الطيبة للتغيير فإنه مثل أي رئيس أمريكي يعمل بالممكن المتوفر لديه، بل الأسوأ يعمل بالسياسة حتي الخاطيء منها التي ورثها.

 

بل الأكثر سوءاً يعمل مع الطرف الفاعل والناشط والقوي، وليس له أن ينوب عن الارادة العربية اذا كانت سيئة أو يستنهض همماً في جسم عربي مستلب ومشلول. التحديات كثيرة ماثلة واضحة، لكن الهوان والتهاون والتخاذل أكثر وضوحاً