خبر حدود الحلم .. هآرتس

الساعة 10:01 ص|12 أكتوبر 2009

بقلم: تمار ارئيلي

(د. محاضرة في الكلية الاكاديمية في عسقلان مختصة في العلاقات الاسرائيلية - الاردنية)

جرى الحديث كثيرا عن الامكانيات الكامنة للتعاون بين اسرائيل والاردن، في اعقاب اتفاق السلام الذي وقع بينهما في تشرين الاول 1994. في اساس الاتفاق مصلحة امنية واضحة، ولكن ملاحقه بعيدة الاثر وتشدد بالذات على ما في الجيرة، الشراكة والتبادلية من طاقة كامنة. منطقة الحدود توجد في بؤرة هذه الرؤيا. لقد رأى الملك حسين في غور الاردن ووادي عربة "غور السلام"، الذي سيكون اساسا لـ "علاقات جيرة طيبة". اما الواقع، بالطبع، فهو اكثر تعقيدا. منطقة الحدود بقيت عاملا مركزيا في مفهوم الامن لدى الدولتين. ومشاريع التعاون  المدني بين الاسرائيليين والاردنيين في منطقة الحدود المشتركة تفرض التحديات على هذا المفهوم الامني.

هناك نماذج عديدة لمثل هذه المشاريع للتعاون، في مجال البيئة، الزراعة، العلوم، المجتمع والتعليم. احد المشاريع المميزة هو مشروع المزارع في محيط قرية رحمة الاردنية، جنوب وادي عربة وقد تطورت هذه في ظل الاعتماد على المبادرات والخبرات الزراعية من كيبوتس يوتفاتا المجاور في اعقاب نشاط المزارع اضيفت امكانيات تشغيل للرجال والنساء في القرى الاردنية وتحسن البنى التحتية، جودة السكن، الصحة والتعليم. العمل في المزارع خلق على مدى السنين تعارفا بين سكان يوتفاتا ورحمة. مزارعون من رحمة شاركوا في دورات عقدت في يوتفاتا، وجرت مشاريع تعليمية ومناسبات مشتركة جمعت الشبيبة من القريتين.

مثال آخر استثنائي ايضا على مستوى دولي، هي اللجان البلدية المشتركة التي اقيمت بمبادرة محلية في المدينتين المتجاورتين ايلات والعقبة، وتشكل اطارا لمشاريع مشتركة عديدة. استمرار نشاطها على مدى الزمن هو نتيجة للتعلق المتبادل عقب المسافة البعيدة بين المدينتين وغيرهما من المراكز السكانية، التعلق بالخليج كأساس لفرع السياحة، المبنى الاداري المميز للعقبة كوحدة اقتصادية – ادارية مستقلة في الاردن، وكذا العلاقة الشخصية الملزمة لرجال السلطة المحلية في المدينتين.

معظم المصاعب في التفاعل عبر الحدود تنبع من الجهد التنظيمي الكبير المطلوب للحصول على تأشيرات الدخول للاردنيين الذين يسعون للزيارة في اسرائيل. وبينما يحصل الاسرائيليون على تأشيرات دخول الى الاردن في معابر الحدود في موعد قريب من اجتيازها، يتعين على الاردنيين ان يأتوا بجوازات الى السفارة الاسرائيلية في عمان وان ينتظروا اسابيع بل اشهر الى ان يأتي الرد. مرات عديدة تأتي تأشيرة الدخول بعد موعد النشاط الذي يدعى اليه الاردني، والتأشيرات تعطى لهم بالدخول لمرة واحدة، بحيث يجب تكرار العملية المرة تلو الاخرى، والكثير من الاردنيين حتى ممن زاروا اسرائيل في الماضي قد يصطدموا بالرفض. لهذا الواقع المهين تأثير سلبي على تبادلية النشاط، وعلى الاجواء التي يجري فيها. الكثير من الاردنيين غير مستعدين للعودة لطلب تأشيرة دخول، والنتيجة هي ان معظم اللقاءات تعقد في الاردن، بينما تلغى النشاطات في اسرائيل او تعقد دون المدعوين الاردنيين.

مثال آخر على العائق اللوجستي الذي يمس بالعلاقات هو مكان وموقع معابر الحدود. في منطقة البحر الميت توجد ظروف مناخية وبيئية متطرفة، واساس اقتصادي محلي ضيق على جانبي الحدود. هذه التحديات، والتعلق المتبادل بالبحر الميت لاغراض السياحة، كان يمكن ان تشكل اساسا للتعاون تحقيقا للمنفعة المتبادلة. غير ان المسافة الحقيقية بين الاسرائيليين والاردنيين من سكان منطقة البحر الميت هائلة. صحيح ان الاردنيين يمكنهم ان يدخلوا اسرائيل عبر جسر اللنبي، شمالي البحر الميت، الا ان مسموح للاسرائيليين ان يجتازوا الحدود الى الاردن في معبر نهر الاردن، او في معبر رابين (العربة) ، الامر الذي يتطلب سفر نحو 8 ساعات جيئا وذهابا من منطقة البحر الميت لغرض اللقاء في قرية اردنية مجاورة.

فتح معبر حدود محلي كفيل بان يخدم الاحتياجات الاسرائيلية للقرى على جانبي الحدود في ان يزيد الامكانيات الكامنة في مجال السياحة الاقليمية ويسمح بالعمل للاردنيين في الزراعة الاسرائيلية. مسؤولو الحكم المحلي اعربوا عن اهتمامهم بفتح معبر حدود كهذا، ولكن الامر خاضع للاعتبارات السياسية الامنية والاقتصادية التي ليست ضمن صلاحياتهم. الاردن الرسمي وان كان يؤيد التعاون في منطقة الحدود ولا سيما في المشاريع الزراعية والبيئية، الا انه عمليا يقيد تعرض الجمهور لها بسبب تخوفه من رد الاتحادات المهنية والعناصر السياسية التي تعارض في المملكة معارضة حازمة التطبيع مع اسرائيل. لهذا السبب يكاد لا يكون هناك نشر في الاردن على ان المشاريع تقوم على اساس التعاون، رغم ان بعد التعاون جوهري لنجاحها. وحتى في منطقة الحدود، فان الوعي للدور الاسرائيلي في المشاريع محصور فقط بالمشاركين فيه بشكل مباشر.كما انه، رغم المساهمة الثابتة في الرفاه على جانبي الحدود، فان هذه المشاريع ايضا تحتاج حاجة الى ماسة الى عناصر من الوساطة غير المحلية، لغرض التمويل والتنظيم. وعليه، فرغم القرب المادي للمجتمعات الاسرائيلية والاردنية في منطقة الحدود، فان التفاعل بينها ليس مباشرا بل يمر عبر المؤسسات الوطنية وبوساطة منظمات اجنبية. هذا هو السبب المركزي في انه حتى في السنة الخامسة عشر لاتفاق السلام، التفاعل والتعاون على جانبي الحدود لا يعتبران جانبا طبيعيا وشرعيا لواقع الحياة في منطقة الحدود.