خبر فك ارتباط عن تركيا .. يديعوت

الساعة 09:57 ص|12 أكتوبر 2009

بقلم: الداد باك

برلين. اتفاق المصالحة التاريخي، الذي وقع يوم السبت في جامعة زوريخ بين تركيا وارمينيا، يشكل دليلا آخر على التغييرات الايجابية التي تمر على تركيا في السنة الاخيرة. وبالذات حكومة ذات توجه اسلامي نجحت في أن تدفع بشكل مثير جدا للانطباع تغييرين حساسين للغاية بالنسبة للرأي العام التركي: الاعتراف بالحقوق الثقافية للاقلية الكردية وتطبيع العلاقات مع ارمينيا.

النزعة القومية التركية القوية منعت حتى الان كل توجه باتجاه الاكراد، خشية ان يخلق هذا مدخلا لتعزيز مطالبهم الوطنية والتفتت الاقليمي المتجدد لتركيا. حكومة طيبة اردوغان فهمت بان الانفتاح بالذات تجاه ابناء الاقلية الكردية سيخلق في اوساط معظمهم احساسا اكبر بالانتماء ويضعف التطلع الى الارتباط بباقي المناطق الكردية، ولا سيما في العراق.

في المسألة الارمنية يقف اردوغان امام خيار مشابه: تخليد الوضع الراهن المتجمد في العلاقات مع الدولة المجاورة كان سيعزز المعركة الارمنية العالمية للاعتراف بمذبحة مليون ونصف ارمني على ايدي الاتراك في اثناء الحرب العالمية الاولى كقتل شعب منظم ومنهاجي. وتركيا كانت ستضطر الى التصدي لكل الاثار المحتملة لاعتراف من هذا القبيل، ولا سيما اذا ما أخذ به الكونغرس الامريكي.

وقرر اردوغان استباق المرض بالدواء، وفي ظل استغلال الضعف الاقتصادي لارمينيا التي عانت شديدا من اغلاق الحدود الى تركيا واذربيجان، نجح في أن يحقق، بوساطة سويسرية، اتفاق مصالحة صعب – سواء للاتراك ام للارمن – يؤجل الى مستقبل غير معروف التصدي للكارثة الارمنية ويترك بيد المؤرخين التحقيق في حجومها.

كما أن العلاقات المتوترة طويلة الامد مع سوريا، بسبب الخصام على السيطرة في اقليم الاسكندرونة، النزاع على توزيع مياه الفرات ودعم السوريين للتنظيم السري الكردي – التركي الانعزالي، نجح اردوغان في أن يحسنها – بقدر غير قليل بفضل العزلة المتزايدة لدمشق في الساحة الدولية قبل أن ينتخب براك اوباما للرئاسة الامريكية. وحذار أن ننسى العلاقات المتوثقة مع طهران، بعد فترة طويلة من الالتصاق بموقف الغرب الذي حرص على تقليص اتصالاته مع النظام الايراني.

التشديد الاقليمي في السياسة الخارجية التركية ينبع ليس فقط من اعتبارات سياسية عامة وسياسية داخلية تكتيكية، بل من نظرة استراتيجية شاملة تسعى الى تثبيت تركيا كقوة مركزية مؤثرة في آسيا الوسطى وبالتالي تحسين مكانتها في المفاوضات البطيئة والمتواصلة على ضمها الى الاتحاد الاوروبي. من جهة، ينسجم الاتراك مع مطالب الاوروبيين، من جهة اخرى يلمحون لبروكسل بان لديهم ايضا خيارات لاحلاف اقليمية بديلة.

من الصعب تجاهل أنه بالذات في الاوقات التي تمد فيها تركيا يدها الى اعدائها في الماضي، تتخذ الحكومة في أنقرة خطا معاديا، آخذا في التطرف، حيال الحليف الاكبر السابق – اسرائيل. واضح تماما أن الحديث لم يعد يدور عن انفعال عاطفي لحظي في ضوء مشاهد معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة بل عن سياسة فك ارتباط مقصودة ترمي ايضا الى المس بمكانة الجيش التركي، الخصم الاساس لحكم اردوغان.

هل يسعى اردوغان الى استغلال الضغينة المناهضة لاسرائيل واللاسامية المتعاظمة في ارجاء تركيا، والتي تشتعل بنار التحريض من محافل دينية متطرفة مقربة من حكمه، لاجل خلق ميزان ردع حيال القوى الوطنية والعلمانية، من الموالين لعقيدة أتاتورك، الذين يخافون سيطرة الايديولوجية الدينية على بلادهم؟ لن تكون هذه المرة الاولى التي يركب فيها حكم شرق أوسطي على موجة كراهية اسرائيل من أجل تثبيت مكانته في الداخل ودفع غيرها من الشؤون الخاصة به الى الامام. لتركيا كهذه لا ينبغي أن يكون هناك مكان في الاتحاد الاوروبي. اذا كان امن ووجود اسرائيل مهم للاوروبيين، فانهم ملزمون بان يوضحوا هذا الموقف لمحادثيهم في أنقرة.