خبر حرب الغولدستونيين.. هآرتس

الساعة 12:28 م|08 أكتوبر 2009

بقلم: آري شفيت

ما زال غير معروف متى ستنشب الحرب المقبلة: ربما بعد عقد، او ربما بعد سنة، او ربما في الشهر الآتي. كذلك ليس واضحا اين ستنشب الحرب المقبلة: ربما على حدود غزة، او ربما في الضفة الغربية، او ربما في القدس. لكن اصبح واضحا ماذا سيكون اسم الحرب المقبلة: حرب غولدستون. الحرب التي سيجلبها علينا تقرير غولدستون، القاضي غولدستون والسائرون على أثر غولدستون.

القصة بسيطة. ففي ظروف عدم السلم الموجود فيها الشرق الاوسط، ما يمنع الحرب هو الردع. وقد ضعف الردع الاسرائيلي جدا في حربي لبنان، وفي انتفاضتين وانسحابين من طرف واحد. ولذلك يهاجم الارهاب اسرائيل بلا انقطاع. من اجل منع التدهور الى فوضى عارمة، تحتاج اسرائيل الى ان تستعمل القوة مرة كل بضع سنين. استعمالات القوة المحدودة هذه لا تحرز حسما عسكريا او شق طريق سياسيا. كل غايتها ان تسوي وتقر نظام علاقات القوة بين اسرائيل والعرب. وبهذا تنشأ توازن مؤقتا، أزعر يضبط النزاع ويضمن الهدوء بضع سنين.

مهما تكن عملية "الرصاص المصبوب" ان خيرا وان شرا، فقد احدثت توازنا كهذا. لقد أضعفت بثمن انساني فظيع حماس وردعتها. وزادت قوة المعتدلين الفلسطينيين ومكنتهم من النمو بثمن أخلاقي لا يحتمل. لقد منحت عملية "الرصاص المصبوب" سكان الجنوب مهلة نادرة من الهدوء. مهما تكن العملية قاسية فقد احدثت قاعدة استقرار اصبح يمكن ان يبنى عليها – لبنة فوق لبنة – مسيرة سياسية جديدة واعية. لكن التوازن يختل في الاسابيع الاخيرة. فحماس ترفع رأسها اما المعتدلون الفلسطينيون فأخذوا يتطرقون. في الجنوب يتجدد قطر صواريخ القسام اما في جبل الهيكل فالجمر يتقد. ليس اجتماع الاحداث صدفة. فتقرير غولدستون وروح غولدستون يجعلان الردع الذي احرز بثمن عال جدا بدء السنة، قد يتلاشى قبل أوانه. فتقرير غولدستون وروح غولدستون يقربان الجولة المقبلة من حرب اسرائيلية – فلسطينية.

كتب ما يكفي عن اخلاق ريتشارد غولدستون المزدوجة. لكن اصبح واضحا اليوم ان غولدستون لم يخطىء فقط باخلاقية مزدوجة بل بجريمة سياسية مزدوجة. فقد ابعد القاضي باحدى يديه السلام بأن بين أنه بعد ان انسحبت اسرائيل الى الخط الاخضر لا يحل لها ان تدافع عن مواطنيها وعن سيادتها. وقرب القاضي بيده الاخرى الحرب بأن كبل اسرائيل بقيد يمنعها ان تستعمل قوتها في المستقبل.

من جهة عمل النفاق لمصلحة اليمين الاسرائيلي (بأن زاد الاخطاء الكامنة في الانسحاب)، ومن جهة اخرى ثور التطرف الفلسطيني (بأن وضع اسرائيل على خازوق). عندما رأى الفلسطينيون غولدستون شبيها بدليلة التي شخصت سر ضعف شمشون الاسرائيلي وجزت شعره، اصبحت النتيجة واحدة ووحيدة: العنف فالعنف فالعنف. حتى الحرب.

ليست المشكلة غولدستون فقط. المشكلة هي الغولدستونيون. فمنذ عشرات السنين تجري جماعة الغولدستونيين حملة تنديد مجنونة بدولة اسرائيل. اسهمت اسرائيل بنصيبها في الحملة بالاحتلال والمستوطنات والتعامي. لكن ما يدفع الغولدستونيين ليس محاولة صادقة لتقسيم البلاد واحلال السلام وانشاء عدل كوني ينطبق على كل امة. ما يدفعهم هو حاجة عميقة الى عزل اسرائيل والتنديد بها وتقويضها.

بالرغم من ان بعض الغولدستونيين الرواد هم يهود واسرائيليون، فانهم لا يعترفون بالتاريخ اليهودي وبالمأساة اليهودية وبالظروف الصعبة التي تحاول دولة اليهود البقاء فيها. فهم ينظرون الى اسرائيل نظرهم الى قوة باغية عظيمة القدرة تلقى عليها جميع خطايا النزاع واوباء المنطقة. لم يكن تقرير غولدستون ليولد بغير العمل المشترك وكراهية اسرائيل المشتركة بين الغولدستونيين كلهم. لهذا يعبر التقرير عن غضب الغولدستونيين المراكم، وعن تمسكهم التام بعدل فلسطيني مطلق. هذا العدل الفلسطيني المطلق لا يعرض الان اسرائيل وحدها للخطر بل الهدوء والاستقرار. قربنا غولدستون واشياعه بتطرفهم وغلوهم من سفك الدماء.