خبر أي وقاحة!.. هآرتس

الساعة 12:27 م|08 أكتوبر 2009

بقلم: جدعون ليفي

هل الجدل الذي نقيمه. اذا كنا - نقيم جدلا ما اصلا مع انفسنا ومع غيرنا – هو شرعي اصلا؟ منذ احتلت المناطق يجري ها هنا نقاش عام لمستقبلها وما يجري فيها. اثيرت الاسئلة وخمدت، وجميعها من العائلة الملعونة نفسها: أنعطي؟ أنتنازل؟ بأي شروط؟ ولمن؟ والمستوطنات، نعم ام لا؛ والحواجز، نعم ام لا؛ والاغتيالات، والاعتقالات، والتجويع، والحصار، والتطويق، ومنع التجوال، والخنق، وحلق الاراضي والتعذيب، وحرية الانتقال، والانتخاب او العبادة – نعم ام لا.

لقد قدم أهارون فرانكو قائد منطقة القدس تجسيدا ممتازا هذا الاسبوع اذ قال ان "المسلمين منكرون للنعمة". لماذا؟ لقد اعطيناهم – مرة اخرى "اعطينا" – ان يصلوا في جبل الهيكل، وردوا بالعنف. ولهذا ليس لنا اي حق اخلاقي في أن نجري هذا النقاش. فأولا من الكذب اننا اعطينا المسلمين ان يصلوا، فقد اعطينا الرجال فوق سن الخمسين فقط، واهم من ذلك من نحن حتى "نعطيهم" حقوقا يستحقونها على أنها مفهومة ضمنا في كل ذي ديمقراطية. هل يثور في البال ان نمنع اليهود الشبان الوصول الى حائط المبكى؟ أيستطيع الفلسطينيون الحلم باقامة "مسيرة قدس" تخصهم؟

يفخر وزير الدفاع ومتحدثوه بازالة عدد من الحواجز، ونائب المدير العام لشؤون الذبذبات في وزارة الاتصالات يزن ان "يعطي" الفلسطينيين شبكة هواتف محمولة ثانية، بعد ان راكمت الحكومة شروطا، غولدستون عوض "الوطنية" (شركة الهواتف المحمولة). من اين هذا الحق؟ فكما لا يوجد لمغتصب حق في ان يناقش هل ينفذ تدبيره، ولا يستطيع السارق ان يساوم في الشروط التي سيعيد بها ما سرقه، كذلك المحتل، والمقتطع، والقاهر والظالم لا يستطيعون اقامة نقاش في الشروط التي سيستمرون على تنفيذ تدبيراتهم بها. هذا نقاش غير اخلاقي على نحو ظاهر. ان نقاش أناس احرار لمصير بشر اخرين يخضعون لسلطتهم مشروع بالضبط كنقاش العبودية او الاتجار بالبشر. النقاش المشروع الوحيد هو ذاك الذي يقصد الى حسم الوضع من الفور وبلا شرط.

هذا يبدأ من أعلى. بحثت المحكمة العليا مرارا أمثال ما يلي: هل التعذيب قانوني؟ هل الاغتيالات مسموح بها؟ أيجوز سلب فلاح أرضه؟ هل يحل فرض حصار على مئات آلاف من الناس؟ أمن القانوني سجن بشر سنين بلا محاكمة؟ أيمكن منع بشر علاجا طبيا؟ أمشروع منع الاولاد الوصول الى مدارسهم؟ ان مجرد اثارة هذه الاسئلة في المحكمة، وكأنه لا يوجد لها جواب خالد بلا محكمة، هو البرهان الاشد اثارة للكآبة على الحضيض الاخلاقي الذي تدهورنا اليه.

هذا النقاش غير الشرعي تغلغل بطبيعة الامر منذ زمن الى جميع طبقات المجتمع. فالمحللون الدارسون يناقشون في التلفاز هل الحصار لغزة "ناجع"؛ ويتجادل الجنود وهم يشربون علبة رد بول ألم تقطع عملية "الرصاص المصبوب" قبل أوانها ومتى "سنكبسهم" مرة اخرى؛ ويجلس شبان في مقاهيهم ويتباحثون على كأس قهوة باردة في سؤال أيجب "اعطاء الفلسطينيين دولة"، وكأن هذا سؤال اصلا، وكأننا "نعطي دولا".

بيد ان هذه النقاشات، مهما تكن غولية، أخلت مكانها في السنين الاخيرة لكبت، وصمت، وهوادة، وعدم مبالاة وعدم اهتمام. على مبعدة نحو من ساعة سفر عنا ما يزال يوجد الواقع الذي لا تصدق وحشيته، كل شيء يتم هناك باسمنا جميعا وباسم الامن وعندنا – اما جدل مشوه او لا جدل.

ما استمر هذا الوضع فلن يتغير شيء. يرسم تقرير نشره أخيرا مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية صورة مزعزعة عما يجري في غزة. فمثلا: 75 في المائة من سكانها، اي اكثر من مليون من البشر، يعانون عدم الامن الغذائي؛ ويعاني 90 في المائة من سكانها قطع الكهرباء مدة اربع ساعات الى ثماني كل يوم؛ وترفض اسرائيل 40 في المائة من طلبات الخروج للعلاج الطبي؛ و 140 الفا من السكان متعطلون. كل ذلك معطيات تعبر عن وضع تدهور جدا في السنة الاخيرة، وكلها نتاج الحصار في سنته الثالثة. كم منا يعلم ذلك؟ كم منا قادر على تخيل العيش في هذه الظروف؟ كم منا يؤثر فيه ذلك اصلا، بين الحانة والقاعة الرياضية؟ وفوق كل شيء أنى أخذنا لانفسنا وقاحة أن نقرر مصير شعب آخر على هذا النحو؟