خبر « كامب ديفيد 3 » في واشنطن ..منير شفيق

الساعة 04:55 م|07 أكتوبر 2009

"كامب ديفيد 3" في واشنطن ..منير شفيق

 

ـ العرب القطرية 7/10/2009

تحمل اللقاءات على مستوى القمم أو دونها بعدين: أحدهما سياسي معنوي يؤدي غرضه بمجرد عقد اللقاء، ولاسيما إذا جاء بعد جفوة أو انقطاع. أما الآخر فهو البعد الجاد أو الجدي الذي يتناول الخلاف ويستهدف الوصول إلى اتفاق، أو في الأقل أن يكون نقطة انطلاق باتجاه التفاهم والاتفاق.

القمة الثلاثية التي عقدت في واشنطن بين أوباما ونتنياهو وعباس حملت البعدين المذكورين. فمن جهة كان الثلاثة بحاجة سياسية ومعنوية إليها. فالرئيس الأميركي أوباما أخذ يفقد صدقيته وقدرته على تحقيق أي من وعوده. بل راح يتلقى الانتكاسات بسبب سياساته في أفغانستان والعراق وفلسطين، فضلا عن أزمته الداخلية في موضوع التأمين الصحي، وبداية العد العكسي لشعبيته في الداخل الأميركي.

أما نتنياهو فلم يكن على حال أفضل من حيث تأزم وضعه خصوصا حرجه دوليا في عدم وقف النمو الاستيطاني أو من جهة الاتهامات التي راحت تتتالى على قادة الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب وإبادة في قطاع غزة في عدوانهم الإجرامي الفاشل 2008/2009. وذلك إلى جانب الضغوط الدولية التي راحت تمارس عليه بخصوص تليين موقفه من عملية التسوية التي يشرف عليها ميتشل. وهذا واضح ولاسيما في الموقفين الفرنسي والبريطاني.

وبالنسبة إلى محمود عباس فقد خرج من مؤتمر فتح السادس يتحوطه الاتهام باغتصاب قرار فتح وتحويلها إلى حزب السلطة والرئيس، فضلا عن التواطؤ في عقد المؤتمر في بيت لحم وما تخلله من شبهات بالتزوير فيما يتعلق بانتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري، هذا إلى جانب الانسداد الذي واجهته سياسته التشجيعية لأوباما وميتشل. فالوضع الفلسطيني من تحته مضطرب، منقسم، غير راض عن سياسات التعاون الأمني التي يقودها دايتون-سلام فياض ولا عن السياسات التي يعبر عنها خطه الذي وضع كل رهانه على المفاوضات والمفاوضات فقط.

لهذا كان ثلاثتهم، أوباما ونتنياهو وعباس، بحاجة إلى الخروج من أزمات وانسداد عبر عقد قمة ثلاثية، مجرد عقد قمة، وإن كانت مشاركة عباس فيها زادت الطين بلة، بعد أن ملأ الدنيا تشددا في عدم التفاوض مع نتنياهو إلا بعد وقف الاستيطان الكامل.

ولكن تبين أن القمة الثلاثية كانت أكثر -أو تحولت إلى أكثر- من مجرد قمة لكسب سياسي مؤقت يخفف من مآزق وأزمات، وذلك من خلال الإعلان عن أن اللقاءات بين وفدين فلسطيني وصهيوني ستستمر في واشنطن تحت الرعاية الأميركية المباشرة. فأوباما في هذه الحالة سيكون قريبا يتابع الموضوع خطوة خطوة.

هذا يعني أن ما يجري في واشنطن الآن هو مفاوضات شبيهة بما جرى في "كامب ديفيد-2" بإشراف كلينتون وإدارته في العام 2000. فالمفاوضات الحالية التي اسمها لقاءات هي عمليا، وبكل تأكيد، بمثابة "كامب ديفيد-3".

إنها "كامب ديفيد-3" من حيث إدارتها بصورة غير مباشرة (مباشرة عمليا) عبر الوسيط الأميركي. وهو ما كان عليه الحال في "كامب ديفيد-2" عبر الوسيط الأميركي الذي راح يتنقل بين الوفدين لينقل لكل منهما نتائج مفاوضاته مع كل منهما، ولاسيما ضغوطه على الوفد الفلسطيني بطبيعة الحال.

الفارق الوحيد بين "كامب ديفيد-3" الحالي و "كامب ديفيد-2" هو عدم تسمية ما يجري الآن بالمفاوضات وعدم إجرائها في "كامب ديفيد". وهذا الفارق شكلي بامتياز؛ لأن التسمية والمكان (مكان الجلسات) لا أهمية لهما ما دام الجواهر واحدا.

إذا صح أن ما يجري الآن في واشنطن شبيه بما جرى في "كامب ديفيد-2"، فسيكون أوباما وجد المخرج لتجاوز عقدة بدء المفاوضات مع وقف الاستيطان أولا، ويعني أن عملية المفاوضات قد بدأت بوتيرة أعلى مما كانت ستبدأ به ضمن مشروع ميتشل الأول؛ لأن المفاوضات على هذه الصورة تشكل خطورة عالية من حيث جديتها في الوصول إلى اتفاق ما، يراد منه أن يفاجئ الجميع، بعد أن يكون قد طبخ تسوية تصفوية للقضية الفلسطينية وفقا للحل "الأميركي-الإسرائيلي"، إذ ليس هنالك من احتمال آخر في حال الوصول إلى اتفاق. طبعا مع احتمال الفشل اعتمادا على "وطنية" نتنياهو كما حدث مع "وطنية" باراك في مفاوضات "كامب ديفيد-2".

ومن هنا يجب أن يؤخذ ما يجري الآن في واشنطن بمنتهى الجد، ومن ثم الحذر والاستعداد للمواجهة؛ لأن الركون إلى "وطنية" نتنياهو لم يعد مضمونا بعد هزيمة جيش الكيان الصهيوني في حربيه الأخيرتين في لبنان وقطاع غزة، كما في ظل الحاجة الأميركية المستميتة إلى حل للصراع في فلسطين لاستخدامه في الخروج من أزماتها العسكرية والسياسية مع العالم الإسلامي.