خبر أيمن خالد يكتب : الأسباب الخفية وراء تأجيل تقرير جولدستون

الساعة 05:46 ص|06 أكتوبر 2009

الأسباب الخفية وراء تأجيل تقرير جولدستون

أيمن خالد

سيعرف الفلسطينيون ذات يوم أن تأجيل تقرير جولدستون لم يكن مجرد حدث عادي في حياتهم ولكنه حدث تم البناء عليه، لكي يغير معالم القضية الفلسطينية تغييرا كبيرا، فالعرب تاريخياً، ربما كسبوا كثيرا من الجولات، ولكنهم لجهلهم في إدارة الصراع، ظلت النتائج تخدم غيرهم، وأخيرا حول تقرير جولدستون ربما نطق كثير من الساسة وتسرعوا في الحديث عن طبيعة الحدث، وسيختلفون ويقتتلون ودونما وصول لما يخدم القضية، فحتى اختلافهم على أمر ينفعنا بقصد أن ينفعنا، لا يصلون سوى إلى البؤس بنا والحمد لله.

 

لمعرفة الأمريكيين بردة الفعل الفلسطينية، هم حصدوا وسيحصدون نتائج عديدة، من أبرزها طي ملفات كثيرة، ملفات فلسطينية، وأعادوا واجهة الصراع فلسطينية فلسطينية، وهي كذلك ستستمر ليس لأسابيع  وأشهر، وإنما دخلنا في متاهة من الصراع الفلسطيني الفلسطيني، ولكي لا نتوهم أي نوع من الصراع، فانه ليس صراعا حمساويا فتحاويا، لكنه صراع القضية الفلسطينية بين أهلها وأصحابها، ولا ندري بعد كيف سيتفاعل هذا الصراع،  فهي ليست ليلة القبض على الخائن متلبسا كما يظن البعض، ولا ليلة الطلاق البائن بين اثنين اختلفا على شيء ولن يلتقيا عليه.

 

لا يهم أمريكا أن تذهب حماس وفتح إلى الحوار في القاهرة، لان حوار الطرشان هذا يمكن تأجيله، وأيضا هناك أطراف فلسطينية عديدة يمكن الرهان عليها لصناعة خلافات جديدة، وبالتالي فمن السهل جدا على أمريكا وإسرائيل أن تلعب بالساحة الفلسطينية كيف تشاء في ظل الفوضى السياسية والعبث والجهل المركب، الذي يعيش عليه اغلب الساسة الفلسطينيين الذين والحمد لله لا يقرأون إلا الصحف اليومية، ويظنون أن إدارة الوطن، موجودة بين السطور المكتوبة.

 

برأيي خطوة التأجيل هذه فرصة لنسف الحياة السياسية الفلسطينية وتغيير مجراها بشكل لا مثيل له، لان الذي سيترتب على التقرير من نتائج وفق المعادلة الأمريكية هو التالي:

 

1-   مزيد من الصراع بين عباس والفصائل بعمومها ومزيد من الصراع داخل فتح وبالتالي فما نراه أن أقطاب  فتح  من القادة داخلها باتت تعيش هاجسا قديما وهو أن أمريكا عندما قررت الانتهاء من عرفات شجعت بعض من حوله على الانفلات من بين يديه، وهم يعتقدون الآن أن أمريكا استنفذت محمود عباس لأنه استنفذ ما لديه وبالتالي هم يعلنون للفلسطينيين أنهم براء من عباس لأجل طموحات شخصية لا غير لكن كل ذلك يعزز الانشقاق الفتحاوي، وبالتالي الانتخابات القادمة ستدخلها فتح  مفككة بلا إطار شامل، مما يمهد لبروز طرف ثالث في معادلة الصراع الفلسطيني الفلسطيني.

 

2-   عباس أمام مرحلة صعبة فإما أن يتنازل أكثر وإما أن تحرقه أمريكا إلى الأبد وبالتالي من نتائج هذا التقرير أن عباس فقد استقلاليته مطلقا ويستعد للموت وهو يعيش لحظات الموت الحقيقي والسياسي معا ولا يعرف كيف سيجمع خيوط حركة فتح ليوم واحد فقط.

 

3-   حماس والفصائل سوف ترفع سقفها وترفض توقيع الاتفاق إلا بشروطها لأنها لا تستطيع قبول ما حدث بسهولة، وهي صورة ظهرت مؤشراتها بالأمس.

 

4-    غزة محاصرة والوضع الفلسطيني سيبقى مغلقا ومعقدا ولا يوجد قرار في الضفة ولا في غزة للمصالحة وبالتالي فالانتخابات معقدة والضغط هو على الاثنين معا حماس وفتح، أو الضفة وغزة وهذا هدف أمريكي هام وهذا سيعزز بقاء إسرائيل تسرح وتمرح في الاستيطان وتطويق القدس ولا من يتكلم، فالصراع الفلسطيني الفلسطيني سيعمل على تحطيم فكرة انتفاضة ثالثة لان لدى الفلسطينيين ما يشغلهم عن إسرائيل.

 

5-   الخطوة ما بعد تعقيد الوضع الفلسطيني هي ما حصل اليوم في رام الله، حيث الطرف الفلسطيني الجديد الذي سيدخل اللعبة ويكون قويا وهو اليسار الفلسطيني، فاليسار اليوم لم يشارك في مؤتمر غزة كما لم يقف مع عباس وبالتالي فالمظاهرة في رام الله هي (إعلان تشكيل جديد لليسار الفلسطيني ولكن هذه المرة بزعامة المبادرة الوطنية)  أي الدكتور مصطفى البرغوثي.

 

6-   اليوم هو مؤشر جديد على وحدة اليسار وبالتالي هناك   ثلاثة اطراف فلسطينية على طاولة الانتخابات القادمة وكل ما يلزمها هو فقط رحيل عباس الذي سيرحل مقتولا أو مطرودا أو محترقا من أمريكا من خلال استقالة أو انقلاب فتحاوي قادم.

 

7-   الصراع على الانتخابات سيكون لأول مرة مثيرا للغاية، وهو لن يكون بين فتح وحماس ولكن بين الساحة كلها، فسوف يصوت لصالح المبادرة او اليسار كثير من الفتحاويين في فتح ولا استبعد إعلان اليسار قائمة واحدة مشتركة برئاسة البرغوثي، وهنا سيكون وضع المبادرة قويا لأنها ستشمل لأول مرة اليسار والعناصر الناقمة على فتح من داخل فتح، وأيضا العديد من المستقلين الشامتين بالطرفين حماس وفتح.

 

8-   فاذا كانت الانتخابات الماضية قد أفرزت الصراع بين حماس وفتح فالانتخابات القادمة ستفتح صراعا بين كل الفلسطينيين بصراع الكل الفلسطيني واختلاف الكل الفلسطيني وليس من يتفق على حكومة ولا برنامج ولا شيء، لأن تقسيم الغنائم لن يرضي طرفا بعينه، لان الساحة الفلسطينية لن تكون كما كانت، فهناك تبدل هائل، لا استطيع ان احدد ملامحه، ولكن هناك صورة واحدة ستحتاج إلى الاجابة والكثير من التفسير، فلجنة المبادرة الوطنية ستكون قوية زعيمة اليسار الجديد، ستحصد مقاعد كثيرة، وسيكتشف بعض الساسة، ان القضية الفلسطينية انتقلت من أيدي السياسيين او في جزء كبير منها انتقلت من أيدي السياسيين الى ايدي لجان ومنظمات طابعها غير سياسي، وهنا السؤال الحاد، فإذا أصبحت قوة من غير الفصائل تقف على رأس الهرم أو قريبة منه، فما هو شكل القضية الفلسطينية، في ظل إدارة من هم ليسوا فصائل مقاومة، وكيف ستقبل فصائل المقاومة الشكل الجديد؟

 

أنا أظن أن الفلسطينيين يقتربون من الطلاق البائن بين بعض، ولأول مرة سيجد الفلسطينيون انقساما لم يروه ولا حتى في الأحلام، واتفاقا مستحيل الحدوث ولا حتى في المنام، فمن الأفضل، أن يفكروا بالمخرج، لأن المخرج بالاتفاق، وليس بالبحث في متاهة لا خروج منها.

 

من هنا، خبراء الساسة الامريكان، يعرفوننا جيدا، ويعرفون كيف نفكر بعقل القبيلة، وكيف نعيش وراء خيال الزعماء، فكل ما يلزم الامريكيين أي لعبة سياسية، تكون مدخلا واسعا للصراع الداخلي، بينما هم يرسمون للخطوة التالية.

 

نحن على بوابة صراع فلسطيني مرير ؟؟ وقتل للقضية  بأيدي أهلها.