خبر ومرة اخرى عباس يتنازل.. هآرتس

الساعة 11:31 ص|05 أكتوبر 2009

بقلم: عميرة هاس

في مكالمة هاتفية واحدة الى مندوب م.ت.ف في جنيف أعرب محمود عباس عن استخفافه بالعمل الشعبي، وبعدم ثقته بقوتها المتراكمة ومكانة الحركات الجماهيرية في سياقات التغيير.

على مدى تسعة اشهر عمل الالاف – الفلسطينيين، مؤيديهم في الخارج، نشطاء اسرائيليين ضد الاحتلال – كي لا يدفن هجوم الجيش الاسرائيلي في سلة المهملات التي تلقي فيها الشعوب المحتلة ما لا يتدبر مع مفهوم تفوقها. بفضل تقرير غولدستون، حتى في اسرائيل بدأوا يتلعثمون بعض الشيء عن الحاجة لفحص ذاتي للهجوم على غزة ولكن بعد لحظة قصيرة من وصول القنصل الامريكي العام لزيارته يوم الخميس، امر زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ممثله في مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة، بأن يطلب من نظرائه تأجيل التصويت على تبني استنتاجات التقرير الى شهر اذار.

ضغط امريكي كبير واستئناف المفاوضات للسلام هما التفسير لهذه التعليمات. وتلوى الناطقون الفلسطينيون في نهاية الاسبوع بين الروايات المختلفة كي يسوغوا الخطوة، وشرحوا بأن الحديث لا يدور عن الغاء بل تأجيل لستة اشهر. فهل في غضون ستة اشهر سيتبنى ممثلو الولايات المتحدة واوروبا في جنيف التقرير؟ هل في الاشهر  التالية ستطيع اسرائيل القانون الدولي، تعتقل ابنائها في المستوطنات وتعلن عن مفاوضات فورية على تفكيكها واقامة دولة في المناطق؟ هل هذا ما كان يعرضه للخطر تبني التقرير؟ واضح ان لا.

الكثير من السخافة السياسية وقصر النظر كشفت عنه هذه المكالمة، عشية احتفال النصر لدى حماس على شرف تحرير السجينات. في هذا اليوم بالذات رفع هو غزة الى العناوين الرئيسة في سياق انهزامية م.ت.ف، سياق البصق في وجه ضحايا الهجوم – هكذا شعروا في غزة وليس فيها فقط. عباس أكد عمليا، بأن حماس هي التي تمثل القيادة الوطنية، وزود بالذخيرة الحجة في ان طريقها – طريق الكفاح المسلح – يحقق الانجازات التي لا تحققها المفاوضات.

لا يدور الحديث عن كبوة منفردة، بل عن نمط عمل وتفكير – منذ أعدت قيادة م.ت.ف مع النرويجيين السذج والمحامين الاسرائيليين الخبيرين اتفاق اوسلو. استخفاف وانعدام اهتمام بالمعرفة وبالتجربة التي جمعها الكفاح الشعبي الطويل لسكان المناطق المحتلة أديا الى الاخطاء الاولى (غياب قول صريح في ان الهدف هو اقامة دولة في حدود معينة، التنازل عن حظر البناء في المستوطنات، نسيان السجناء، التوقيع على مناطق ج وما شابه). نزعة التنازل العضال التي دوما من انتاج الرغبة في "التقدم". وبالنسبة لـ م.ت.ف وفتح فان التقدم هو في واقع الامر وجود السلطة – التي تعمل اكثر من اي وقت مضى كوكيل فرعي للجيش الاسرائيلي، المخابرات الاسرائيلية والادارة المدنية.

هذه قيادة اقتنعت بان الكفاح المسلح – وبالتأكيد في ظروف التفوق العسكري الاسرائيلي – لا يمكنه ان يؤدي الى الاستقلال (وبالفعل، الاثار المحملة بالمصائب للانتفاضة الثانية تثبت صحة هذا الموقف)، وتؤمن بالمفاوضات كطريق استراتيجي لتحقيق الدولة والانخراط في العالم الذي تصممه الولايات المتحدة. غير انه في مثل هذا العالم يوجد اجر شخصي لنزعة التنازل العضال هذه، وهو امتيازات للقيادة وللدوائر الفورية المحيطة بها. الاجر الشخصي يقرر التكتيك.

فهل حقا الخيار هو فقط بين المفاوضات وبين مسرح الكفاح المسلح (بين هنود وجيش ذو سلاح فوق متطور)، كما تعرضه القيادة الفلسطينية؟ لا. الخيار الحقيقي هو بين المفاوضات كجزء من كفاح شعبي، منصوص عليه في اللغة الثقافية العالمية للمساواة والحقوق – وبين مفاوضات الشراكة التجارية، حين يكون الصغير يشكر بخضوع الكبير على سخائه.