خبر القرضاوي يفتي: على المسلمين تنظيم مظاهرات سلمية لإبلاغ صنّاع القرار بحاجاتهم

الساعة 06:27 ص|05 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم : غزة

أفتى الدكتور يوسف القرضاوي رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، بأن للمسلمين- كغيرهم من سائر البشر- الحق في أن ينظموا المسيرات والتظاهرات السلمية، للتعبير عن مطالبهم المشروعة، وإبلاغ صناع القرار بحاجاتهم بصوت مسموع لا يمكن تجاهله.

وشدد القرضاوي على أن هذا الأمر يدخل في دائرة الإباحة ولا صحة لتحريمه، كما أفتى بذلك أحد العلماء، باعتبارها من "البدع التي لم يعرفها المسلمون، وليست من طرائق المسلمين، وإنما هي مستوردة من بلاد اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من الكفرة والملحدين".

وأباح القرضاوي المسيرات والتظاهرات، إن كان خروجها لتحقيق مقصد مشروع، كأن تنادي بتحكيم الشريعة، أو بإطلاق سراح المعتقلين بغير تهمة حقيقية، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو بإلغاء حالة الطوارئ التي تعطي للحكَّام سلطات مطلقة، أو بتحقيق مطالب عامة للناس؛ مثل: توفير الخبز أو الزيت أو السكر أو الدواء أو البنزين، أو غير ذلك من الأهداف التي لا شك في شرعيتها؛ فمثل هذا لا يرتاب فقيه في جوازه.

وجاء في نص فتواه: "إنَّ صوتَ الفرد قد لا يُسمع، لكنَّ صوت المجموع أقوى من أن يُتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون وكان معهم شخصيات لها وزنها كان صوتهم أكثرَ إسماعًا وأشدَّ تأثيرًا؛ لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قويٌّ بجماعته؛ ولهذا قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية 2)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"، وشبَّك بين أصابعه".

وذهب القرضاوي في تأكيده على مشروعية المسيرات والتظاهرات بأنها من أمور "العادات وشئون الحياة المدنية، والتي الأصل فيها الإباحة، وأشار إلى أن هذا ما قرره بأدلة- منذ ما يقرب من نصف قرن- في البابِ الأول من كتاب: (الحلال والحرام في الإسلام)، الذي بيَّن في المبدأ الأول أن القاعدة الأولى من هذا الباب: (أن الأصل في الأشياء الإباحة)، وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره جمهور الفقهاء والأصوليين.

واستدرك: فلا حرامَ إلا ما جاء بنصٍّ صحيحِ الثبوت صريح الدلالة على التحريم، أما ما كان ضعيفًا في مسنده أو كان صحيح الثبوت ولكن ليس صريح الدلالة على التحريم، فيبقى على أصل الإباحة؛ حتى لا نُحرِّم ما أحل الله، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا"، وتلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (مريم: من الآية (64).

ويختلف القرضاوي بذلك في الرأي مع بعض العلماء الذين أفتوا بعدم جواز التظاهر، وذلك بسبب "المحذورات الشرعية" التي تشهدها التظاهرات، ومن ذلك: اختلاط الرجال بالنساء، واستخدام سباب وشتائم لا تجوز شرعًا، والاعتداء على ممتلكات الأبرياء كتحطيم محلاتهم أو نوافذهم أو إيقاد النار في المرافق العامة. فيما ذهب علماء آخرون في أدلة تحريمهم، باعتبارها من "البدع التي لم تقع في عهد النبوة".

لكن العلامة القرضاوي اعتبر أن القول بهذا "قول مرفوض؛ لأن هذا إنما يتحقَّق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص؛ فالأصل في أمور الدين (الإتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع)؛ مدللاً بأن الصحابة والتابعين ابتدعوا أمورًا كثيرة لم تكن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك ما يُعرف بـ(أوليَّات عمر)، وهي الأشياء التي ابتدأها عمر رضي الله عنه غيرَ مسبوقٍ إليها؛ مثل: إنشاء تاريخ خاصّ للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها".

وأكد أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، والتي تسمى (العادات أو المعاملات)؛ فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرَّمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (الأنعام: من الآية 119) عامٌّ في الأشياء والأفعال، وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض، الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي، وفيها جاء الحديث الصحيح: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وأوضح ردًا على من يستدل في تحريم المسيرات والتظاهرات بأنها مقتبسة أو مستوردة من عند غير المسلمين، أن ذلك "لا يُثبت تحريمًا لهذا الأمر، ما دام هو في نفسه مباحًا ويراه المسلمون نافعًا لهم؛ فـ"الحكمة ضالَّة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها"، مدللاً بأن المسلمين اقتبسوا في عصر النبوة طريقةَ حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهي من طرق الفرس، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا؛ حيث أشير عليه أن يفعل ذلك؛ فإن الملوك والأمراء في العالم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا.

كما رفض القرضاوي التذرع في تحريم المسيرات والتظاهرات السلمية؛ بالخشية من أن يتخذها بعض المخرِّبين أداة لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل؛ مضيفًا: من المعروف أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها؛ حتى تكون وسيلة للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.

وتابع: يكفي أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجَّح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان، كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظِّموها بأن يتولوا ضبطها؛ بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسئولية عن ذلك، وهذا المعمول به في البلاد المتقدمة ماديًّا.

وساق القرضاوي، واقعة في عهد النبوة كدليل على جواز تنظيم المسيرات، وذلك عندما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حين دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم معلنًا الشهادتين، حيث يقول: "فقلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم" قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليَّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبةٌ لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق".