خبر أمراض جلدية خطيرة وجروح تنتظر عمال نقل الأسمنت من الأنفاق في غزة

الساعة 06:29 ص|04 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم-غزة

جروح غائرة والتهابات جلدية حادة هي حصاد العمل في نقل وعتل أكياس الاسمنت البلاستيكية من أنفاق الموت الحدودية، وتوصيلها لطالبيها في مختلف المناطق، كما يقول الشاب الخريج سعدي محمد (22 عاما)، الذي لم يستفد من مردود أربعة أيام عمل قضاها في نقل الاسمنت وتوصيله إلى طالبيه في أماكن مختلفة من قطاع غزة.

واضطر محمد إلى شراء أدوية ومراهم بما يفوق ما حصده لقاء العمل في هذه المهنة الخطرة والمرهقة جداً، ولم يجد مفراً من آلامه سوى الاعتناء بعدة جروح غائرة في مؤخرة رقبته وكتفه الأيمن وذراعيه.

وقال محمد الذي تخرج من جامعة الأزهر الفصل الماضي إن الأمل راوده في العمل عدة أيام حتى يتمكن من الإنفاق على نفسه، لكنه توقف بعد أربعة أيام، واضطر إلى إنفاق ما جمعه من نقود في العمل على علاج جروح وتقرحات نجمت عن الاحتكاك المستمر بالأسمنت الذي يرشح من الأكياس البلاستيك الرديئة إلى جلده وجسمه.

وبدا محمد عليلاً غير قادر على تحريك ذراعيه من شدة الألم وانتشار التقرحات والجروح الواضحة في معظم أنحاء رقبته.

وأضاف: إن عمله اليومي كان يمتد من ساعات الصباح الأولى حتى منتصف الليل، وكان يتقاضى عشرة شواكل لقاء تحميل وتنزيل طن من الأسمنت.

وأوضح محمد الذي يحلم بالعثور على وظيفة محترمة تنقذه من براثن العمل في الأشغال الشاقة الذي لم يتعود عليها أن العديد من أبناء عمومته أغروه بالعمل نظراً للعائد المادي المرتفع الذي يتجاوز 60 شيكلا يوميا، لكنه أدرك فيما بعد أن هذا المبلغ قليل جدا مقابل المتاعب والأمراض النفسية والبدنية التي تصيب من يعمل في مهنة شديدة الخطورة كهذه.

والحال نفسه يتكرر مع نظير عبد الله (28 عاما)، الذي أصيب بدوار حاد وضربة شمس بسبب انتظاره المتواصل بجانب إحدى فتحات الأنفاق تحت الشمس اللاهبة، فأدخل إلى المستشفى مدة يومين للتعافي، ليس فقط من الدوار وضربة الشمس، بل كذلك لمعالجة جروح غائرة أخذت أشكالاً متنوعة في رقبته وكتفه.

وأبدى عبد الله امتعاضه الشديد إزاء طريقة العمل والإجحاف التي يتعرض له العاملون في هذه المهنة، بالرغم من أنها وفرت مئات فرص العمل للشباب والمتعطلين عن العمل.

وقال عبد الله وهو مستلق على فراشه إن رحلة العمل الشاقة تبدأ من الساعة الخامسة فجراً، بالتوجه إلى مدينة رفح على الحدود المصرية، وتنتهي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ويتخللها سفر في الكثير من المناطق لتوزيع الاسمنت على الزبائن.

وانتقد بشدة تدني الأجور، معتبراً أن عشرة شواكل لقاء تحميل وتنزيل طن من الاسمنت أجر تافه وضئيل جداً لا يتناسب مع حجم التعب والمخاطر الذي يتعرض له العاملون.

ولفت إلى أنه حاول الصمود بالتغلب على جروحه والاستمرار في العمل من أجل مساعدة والده في الإنفاق على الأسرة لكنه اضطر للتوقف بعدما أصيب بدوار شديد وصداع أدخلاه المستشفى.

ولوحظ أن كثيرا من الشبان الذين يتحمسون للعمل في هذه المهنة للتخلص من جحيم العوز يتهربون وينسحبون من العمل فيها في الساعات الأولى من ممارستها، بسبب ما يواجهونه من إرهاق ومتاعب، كما هو الحال مع الشاب راغب حسين (19 عاما)، الذي لم يتحمل التعب وفضل مغادرة مدينة رفح على نفقته الخاصة لعدم قدرته على استكمال العمل، بعد أن أيقن بعد تحميله أول طن من الأسمنت عدم مقدرته على مواصلة العمل، بسبب إحساسه بحكة وآلام جلدية حادة في مؤخرة عنقه، وهو ما دفعه إلى مغادرة المكان دون أن يخبر رب العمل.

ووصف حسين العمل في هذه المهنة بأنه مرعب ومميت، مؤكداً أنه لا ينوي العودة إليه مهما حدث.

وأبدى حزنه الشديد على العاملين في هذه المهنة، معتبرا أن جميع العاملين فيها محتاجون ويضطرون للعمل من أجل التغلب على ضنك الحياة، معتبراً أن المرض والموت بانتظار المجبرين على العمل في سوق البضائع المهربة، سواء كان مكان العمل باطن الأرض أو سطحها.