خبر الاتفاق الممكن والمصالحة المؤجلة.. هاني المصري

الساعة 09:37 ص|03 أكتوبر 2009

الاتفاق الممكن والمصالحة المؤجلة

 

هاني المصري ـ الأيام 3/10/2009

تتكاثر المؤشرات التي تعزز أجواء التفاؤل بإمكانية توقيع اتفاق فلسطيني ـ فلسطيني في القاهرة خلال هذا الشهر.

الاتفاق المتوقع لا يحقق المصالحة الحقيقية ولا يُنهي الانقسام، ويؤجل الاتفاق على جزء مهم من قضايا الخلاف، ولكنه يضع آلية للتعامل مع واقع الانقسام القائم تقوم على مواصلة الحوار للتوصل الى اتفاق وعلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني في النصف الثاني من العام القادم، على امل ان تتضح الصورة بالنسبة لآفاق المفاوضات وعملية السلام وجدية الادارة الاميركية في التوصل لاتفاق سلام خلال العامين الاولين على تولي اوباما سدة الحكم.

لقد بات توقيع اتفاق انتقالي يؤجل البت في عدد من القضايا الأساسية هو المخرج الوحيد، بعد ان وافق الجميع على الورقة المصرية، وبعد ان تبلورت القناعة بان استمرار الواقع الحالي بدون لحلحة مع اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري باجراء الانتخابات بات خطراً متصاعداً، وليس مقبولاً استمراره من اللاعبين الاساسيين المؤثرين على ما يجري في القضية الفلسطينية، باستثناء اسرائيل التي تريد الحفاظ على الانقسام الفلسطيني وتحويله الى انفصال دائم .

ان العقبات الباقية على طريق الاتفاق الممكن تكاد تنحصر اولا بضرورة موافقة "حماس" على تحديد موعد جديد لاجراء الانتخابات، وهناك انباء لم تؤكد حتى الآن، عن موافقتها على موعد الخامس والعشرين من شهر حزيران القادم.

ثانياً: ضرورة موافقة الرئيس وحركة فتح على استمرار حكومة حماس حتى اجراء الانتخابات القادمة، على ان تقوم اللجنة المشتركة المقترحة عملياً بالتنسيق بين الحكومتين والتحضير لاجراء الانتخابات وفك الحصار واعادة اعمار قطاع غزة.

اذا توفرت النوايا الحسنة، وأعطى الرئيس ابو مازن موافقته على الورقة المصرية المعدلة في لقائه المنتظر مع وزير الخارجية ووزير المخابرات المصريين يوم الاثنين في العاصمة الاردنية، فاننا سنشهد ميلاد "اعلان القاهرة" الذي سيعلن إنهاء الانقسام بحضور الرئيس المصري والجامعة العربية وعدد من المسؤولين العرب، في موعد اقصاه قبل نهاية الشهر الجاري.

ماذا عدا عما بدا ؟ولماذا اصبح الاتفاق ممكناً؟

اولا: جراء وصول جميع الاطراف الفلسطينية الى قناعة ،وان بتفاوت، باستحالة إنهاء الانقسام عسكرياً أو عبر انتفاضة شعبية او تفجيرات أمنية او من خلال الحصار. فعدم التواصل الجغرافي بين الضفة والقطاع، وحقيقة وجود الاحتلال، تجعل اي طرف فلسطيني حتى ينتصر عسكرياً بحاجة الى مساعدة الاحتلال، والاحتلال لا يريد إنهاء الانقسام، فضلاً عن ان اي طرف اذا لجأ لمساعدة الاحتلال سيسقط وسينظر له شعبه كمتعاون مع الاحتلال.

ثانياً: سقوط رهانات جميع الاطراف الفلسطينية وتفاقم المأزق الذي تمر به القضية الفلسطينية. فـ "حماس" في وضع لا تحسد عليه بعد استمرار الحصار واغلاق معبر رفح، والتهدئة من جانب واحد، وعدم الشروع باعادة إعمار القطاع، وعدم إتمام صفقة تبادل الاسرى، وعدم الاعتراف بها وبحكومتها عربياً ودولياً واسرائيلياً، وذلك رغم انتخاب ادارة اميركية جديدة، وحدوث تطورات اقليمية ودولية كثيرة . و"فتح" بوضع صعب لا تحسد عليه. فرغم عقد مؤتمرها السادس بنجاح، استمرت اسرائيل بالعدوان والاستيطان والحصار والجدار، وتشكلت في اسرائبل اكثر الحكومات تطرفاً منذ تأسيسها، وانهار الوهم الجديد بامكانية إطلاق عملية سلام جادة اعتماداً على إدارة اوباما التي عجزت عن الوفاء بوعودها، سواء فيما يتعلق بتجميد الاستيطان او باطلاق خطة ملموسة قادرة على تحقيق السلام خلال عامين.

ثالثاً : فشل كافة الجهود والوساطات الرامية لإيجاد مصالحة حقيقية تشمل الاتفاق على كافة القضايا (الحكومة والمنظمة والبرنامج السياسي والامن والانتخابات). فاستمرت الخلافات، رغم التقارب السياسي الكبير، الذي حدث جراء تغيير "حماس" لموقفها واعتماد برنامج المنظمة الى حد كبير. فعقدة الشروط الخارجية، والموافقة على التزامات المنظمة لا تزال تمنع الاتفاق على حكومة وحدة وطنية او حكومة وفاق وطني. ولا يزال الخلاف حول موقع ومكانة المفاوضات والمقاومة في الاستراتيجية الفلسطينية مستمراً، رغم أننا نعيش في واقع انقسامي لا ينفع فيه لا المفاوضات ولا المقاومة. فأي نتيجة يمكن تحقيقها في ظل الانقسام من المفاوضات او المقاومة؟!!. كما توجد خلافات أكبر على صعيد طبيعة الدولة الفسطينية وبرنامجها الاجتماعي وكيفية النظر الى الحقوق والحريات والمشاركة بين فريق محافظ وآخر منفتح او أقل محافظة. فهناك طرف لا يستطيع ان يتصور انه لم يعد المهيمن على القيادة الفلسطينية بعد عشرات السنين من قيادته، وطرف لا يؤمن بالشراكة الحقيقية ويتصور أنه قادر على القيادة لوحده.

رابعاً: أن التطورات المحلية والإقليمية والدولية تشير الى حراك لم يتبلور حتى الآن فهنالك تغير في العلاقات السورية - السعودية، والسورية - الأميركية، والسورية - الفلسطينية، وعلاقة ايران بمجموعة الست الكبار خصوصا بعد لقاء جنيف ، وهو تغير لا يزال في بدايته، ولا يمكن الجزم الى اين يمكن أن يصل. فهو تغير يسمح حتى الآن بالاتفاق الممكن، ولكنه لا يسمح بتحقيق المصالحة. إنه اتفاق مطلوب لكي يساعد على توفير ظروف مناسبة لاستئناف المفاوضات، ولا يؤدي الى تحقيق المصالحة حالياً، التي بحاجة لكي تتحقق الى توافق عربي ودولي لا يمكن أن يتوفر بدون معرفة مآل المنطقة وخصوصاً بالنسبة لعملية السلام والعلاقات الأميركية الاسرائيلية والدولية مع ايران.

خامساً : لا يمكن أن تقبل مصر أن تفشل في جهودها، واستمرار الحوار يدور حول نفسه. فهو حوار استثمرت فيه مصر الكثير من رصيدها وهيبتها. فاذا كان النجاح التام متعذراً، لا مانع من التوصل الى الاتفاق الممكن الذي يمنع تدهور الموقف، ويحفظ لمصر ماء وجهها، ويمكن أن يكون خطوة انتقالية على طريق تحقيق الاتفاق النهائي أو على طريق حسم الخلاف عبر الانتخابات.

تأسيساً على ما سبق فان الاتفاق القادم والمحتمل، ولكن غير المؤكد حتى الآن، هو محاولة لكسب الوقت وادارة الوضع القائم على الأرض لحين نضوج الوضع لتوقيع اتفاق المصالحة الحقيقي أو حتى إجراء الانتخابات، وبما يضمن تجاوز موعد الاستحقاق الدستوري باجراء الانتخابات في 25/1/2010 بدون تفجر الموقف كله. فهو اتفاق يقوم على ما تم الاتفاق حوله في جلسات الحوار الوطني الشامل و الثنائي، ويسمح باستمرار الحوار حول القضايا التي لا يزال الخلاف حولها. انه اتفاق يشبه اتفاق أوسلو و ملحقاته، وأخشى أنه يؤدي الى ما أدى اليه "أوسلو"، اي الى خسارة الوقت بدلاً من كسبه. الأسئلة التي تطرح نفسها هي: ماذا اذا جاء وقت اجراء الانتخابات وفقاً لموعدها الجديد ولم يكن اتفاق المصالحة قد انجز؟ فهل ستقدم الانتخابات حلاً؟ أشك بذلك كثيراً. فاذا فاز طرف فوزاًَ ساحقاً، في الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، سيعتبر الطرف الآخر ان الانتخابات زورت وأنها غير نزيهة؟ واذا فاز طرف في الرئاسة وآخر في المجلس التشريعي، خصوصاً اذا فازت "حماس" مرة أخرى، سنعود الى دوامة الشروط الدولية والالتزامات وعودة الحصار الدولي؟واذا فاز طرف في انتخابات السلطة وآخر في انتخابات المنظمة (المجلس الوطني) ستكون الانتخابات ليست مدخلاً لإنهاء الانقسام وإنما لتكريسه وتعميقه ليشملَ الشعبَ الفلسطيني في جميع أماكن تواجده وليس في الضفة الغربية وقطاع غزة. واذا فازت "حماس" وأصبحت تقود المنظمة بدون أن تعتمد برنامجاً منسجماً مع الشرعية الدولية ستتعرض المنظمة للحصار؟  إن ميزة الاتفاق الممكن تكمن في أنه قد يمنع الانفجارَ لستة أشهر قادمة بعد الاستحقاق الدستوري، وهذا يعطي فرصة أطول لتحقيق الاتفاق الشامل والمصالحة الحقيقية. إن مثل هذا الاتفاق يحافظ على الأمر الواقع الانقسامي ويحاول تخفيف حدته ويحول دون تفاقمه الى وضع أسوأ من خلال العودة الى الاقتتال وإجراء انتخابات منفصلة في الضفة الغربية، أو في الضفة والقطاع كلا على حدة، وهذا يحول دون تحول الانقسام المؤقت الى قطيعة دائمة قد يكون هذا افضل من استمرار الانقسام بدون اي اتفاق، وبما يؤدي الى تعميق الانقسام تحت غطاء الحوار، وقد يكون أسوأ. فخطورة الاتفاق الممكن تكمن في أنه يكرس الانقسام ويمنحه الشرعية، ويقوم على كسر موعد الاستحقاق الدستوري عبر تأجيل الانتخابات، ما يحعل تأجيلها مرة ثانية مسألة سياسية وليست دستورية، وبالتالي سيكون تأجيلها أسهل من المرة الأولى.  رغم رؤية أهمية الاتفاق الممكن، وأنه يمكن توقيعه، ولكنني لا أنصح بعدم التوقف أمام مخاطره، وإنما الى ضرورة السعي الجاد للتوصل الى اتفاق وطني يستند أساساً على الاتفاق حول الاساس السياسي للنظام الفلسطيني، الذي يجب أن يشمل ركائز المصلحة الوطنية العليا والمرجعية وقواعد العمل السياسي والديمقراطي. بدون ذلك، لا يمكن أن تقدم الانتخابات اذا جرت مخرجاً أو حلاً بل يمكن أن تكرس الانقسام. لا يجب أن ينسى أحد أن فلسطين تحت الاحتلال، وأن قضية الشعب الفلسطيني لكي تنتصر تستوجب اتفاق أبنائها على استراتيجية قادرة على دحر الاحتلال بأسرع وقت وأقل التضحيات. إن الانتخابات تحت الاحتلال لا قيمة لها إذا لم تكن جزءاً من المعركة الفسطينية من أجل الحرية والعودة والاستقلال.