خبر عباس.. ومخرجات نظرية « الخيار الأوحد » ..صالح النعامي

الساعة 09:35 ص|03 أكتوبر 2009

عباس.. ومخرجات نظرية "الخيار الأوحد"

صالح النعامي

ـ الإسلام اليوم 2/10/2009

 حتى في أكثر أحلامه ورديَّةً لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتوقع حجم الإنجاز الذي حققه في اللقاء الثلاثي الذي جمعه بكل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس السلطة محمود عباس. فحسبما أعلن مساعدوه، فقد استعد نتنياهو لسيناريو يقوم أوباما من خلاله بتحويل اللقاء إلى رافعة للضغط على إسرائيل لإجبارها على تقديم التزام بتجميد الاستيطان، سيما بعدما عاد مبعوثه للمنطقة جورج ميتشيل بخفَّيْ حنين في أعقاب ثمانية جولات في المنطقة هدفت إلى إقناع تل أبيب بقبول موقف أوباما الذي أعلنه خلال خطاب القاهرة والقاضي بتجميد الاستيطان. لكن ما حدث كان عكس كل مخاوف نتنياهو ورهانات عباس؛ إذ أن أوباما تراجع علنًا وبدون سابق إنذار عن مطالبته بتجميد الاستيطان، واكتفى بالمطالبة بـ "ترشيده ولجمه"، ليس هذا فحسب، بل إن أوباما أصرَّ على إلزام محمود عباس بالموافقة على استئناف المفاوضات مع إسرائيل في ظل إصرار نتنياهو على مواصلة الاستيطان وعمليات التهويد. ولا يحتاج المرء للقول: إن مجرد موافقة عباس على حضور هذا اللقاء قبل الحصول على تعهد إسرائيل بتجميد الاستيطان يُعد تراجعًا واضحًا عن التعهدات التي قدمها عباس للفلسطينيين والتي أطلقها في مناسبات عديدة، وتحديدًا أمام اجتماعات المؤتمر العام السادس لحركة فتح وأمام اجتماع المجلس الوطني في رام الله، والتي شدد فيها على أنه لا يمكن عقد أي لقاء بينه وبين نتنياهو دون الحصول على التزام إسرائيلي مسبق بتجميد الاستيطان. ومن أسف أن إحدى نتائج اللقاء الثلاثي هي مجاهرة إسرائيل بابتزاز السلطة بشكل غير مسبوق؛ عندما أبلغ المسئولون الإسرائيليون قيادة السلطة أنه يتوجب عليهم سحب طلب التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أن توافق إسرائيل على منح السلطة ترخيصًا بتأسيس شركة ثانية للهاتف النقال في الضفة الغربية، ناهيك عن "مكافأة" عباس بالسماح لقطعان المستوطنين بتدنيس المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة وحماية الجنود الإسرائيليين الذين جرحوا العشرات من الشبان الفلسطينيين الذين تصدَّوْا لهم.

ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن النتيجة المخزية للقاء الثلاثي بالنسبة لعباس كانت متوقعة للأسباب التالية:

1- لقد حرص عباس، وفي أكثر من مناسبة، على التأكيد على وحدانية المفاوضات كخيار أمام السلطة، بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي. وقد شدد عباس على نظرية "الخيار الأوحد" في مقابلاته الصحافية عشية اللقاء، عندما أكد أنه على الرغم من المواقف الإسرائيلية فإن البديل عن المفاوضات هو المزيد من المفاوضات. وواضح تمامًا أنه عندما يسمع الإسرائيليون هذا الموقف الصريح والواضح من رئيس السلطة فإنه لا يوجد ما يقنعهم بتغيير مواقفهم الصريحة والمعلَنة. بل على العكس تمامًا فإن إسرائيل ستبدي مزيدًا من التشدد في مواقفها.

2- وكان الأجدر بعباس الاستماع لما قاله وزير الخارجية والأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي الذي أكد أن تاريخ العلاقات الإسرائيلية العربية يدلل بشكل لا يقبل التأويل على أن إسرائيل لا تعرف إلا لغة القوة، وأنه كلما أبدت الأطراف العربية استعدادًا للتنازل كلما زادت شهية إسرائيل للمطالبة بالمزيد من التنازلات.

3- وكان الأجدر بعباس الاستماع إلى عالم الاجتماع الإسرائيلي سامي سموحا الذي شدد مؤخرًا على أن المجتمع الإسرائيلي لا يبدي استعدادًا للتعاطي مع مشاريع التسوية السياسية الهادفة إلا في ظل نوع من الضغط الذي يهدد أمنه الداخلي. فهل يعتقد عباس أنه لمجرد أن يعلن أنه ضد العنف فإن إسرائيل ستبدي مرونة إزاءه؟. إن من يتشبث بهذا النهج يتجاهل نتاج تجربة 16 عامًا من المفاوضات مع إسرائيل حرصت السلطة خلالها على التفاوض كخيار أوحد، فماذا كانت النتيجة؟ تعاظُم المشروع الاستيطاني بنسبة تجاوزت الستين بالمائة مقارنة مع الفترة التي كانت سائدة قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو. ومن ناحية أوباما فإنه وجد في عباس الطرف الأضعف والذي بالإمكان ممارسة الضغوط عليه؛ إذ إن ممارسة الضغوط على نتنياهو ستحرِج أوباما نفسه؛ بسبب أوراق القوة الكبيرة التي يمتلكها نتنياهو في الساحة الأمريكية الداخلية.

4- لم يطَمْئن عباس فقط الإسرائيليين بالتزامه بعدم تبني أي خيار آخر سوى المفاوضات، بل إنه أخذ على نفسه محاربة الفلسطينيين الذين يرى أنهم قد يقومون بتهديد أمن إسرائيل، ولم يتورع للحظة واحدة عند دفع التنسيق الأمني مع الإسرائيليين قُدُمًا، لدرجة أن قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية يكيلون المديح لدور أجهزة عباس الأمنية في تعقُّب المقاومين ومطاردتهم وتعذيبهم. ومن الواضح أن هذا السلوك سيغري نتنياهو بمواصلة التشدد، فإن كانت السلطة تقدِم على هذا السلوك في ظل التعنت الإسرائيلي، فما الذي سيُقنع حكام تل أبيب بتغيير نمط سلوكهم تجاه هذه السلطة.

5- هناك أساس للاعتقاد أنه على الرغم من "خيبة الأمل" المفتعلة التي عبر عنها العديد من ممثلي السلطة، إلا أن عباس سيمضي في التفاوض مع إسرائيل، وذلك وفق خطة مدروسة تهدف إلى إعلان سلطة حكم ذاتي في الضفة الغربية، وهي التي يحضِّر لها رئيس وزرائه سلام فياض ويبشرنا بأنها ستكون "الدولة الفلسطينية". فلِأنَّ الحديث يدور عن حكم ذاتي، فلا يوجد هناك مسوغ لإبداء حساسيات تجاه مشاريع الاستيطان ومخططات التهويد، لأنَّ الحكم الذاتي يقضي بضمان بقاء السيادة لإسرائيل على أرض. وبالفعل فإن هناك حديثًا متواصلاً عن إمكانية استئناف المفاوضات بين السلطة وتل أبيب برعاية أمريكية في واشنطن ضمن السقف الذي حدده نتنياهو.

قصارى القول أن التراجع وخيبات الأمل غير المتناهية التي ينتهي إليها دائمًا عباس هي نتاج طبيعي لنظرية "الخيار الأوحد" التي يتشبث بها.