خبر كل شيء شخصي -هآرتس

الساعة 10:11 ص|01 أكتوبر 2009

بقلم: جدعون ليفي

 (المضمون: تقرير غولدستون بدأ المهمة وعلى اسرائيل انهائها حتى يدفع مجرمو الحرب الثمن عن جرائمهم - المصدر).

اسرائيل تدين بالعرفان للقاضي غولدستون وللتقرير الهام الذي اصدرته لجنته. بعد وجبة القاذورات التلقائية التي وجهت لهذا التقرير عبثا يتكشف لاسرائيل فجأة ان من الاجدر بها ان تحقق اخيرا في احداث عملية "الرصاص المصهور". لماذا؟ ما الذي حدث؟ الارض تبدأ بالاهتزاز تحت أقدام عدد من السياسيين والضباط الاسرائيليين بصورة شخصية.

يتضح ان هذه هي الطريقة الوحيدة لتعليمنا الدروس والعبر. غولدستون وضع مرآة امامنا فحاولنا تحطيمها كعادتنا ولكن في هذه المرة وخلافا للتقارير السابقة – مهمة التحطيم لم تنجح. فجأة نشر (ونفي) ان وزير الدفاع توجه لاهارون باراك لترأس لجنة تقص للحقائق. وفجأة يدعو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" الى تبني "الشيفرة الاخلاقية" التي اعدها مع البروفيسور آسا كيشر.  وفجأة يدعو رئيس الوزراء بالامس بجلسة تشاور عاجلة بصدد تشكيل لجنة تقصي الحقائق.

ما الذي حدث؟ يتضح مرة اخرى ان كل شيء شخصي. صحيح ان هذه الخطوات قليلة ومتأخرة جدا: لا يكفي تشكيل لجنة تقص للحقائق او شيفرة اخلاقية – اذ قال صاحبها قبل عدة أيام في مقابلة مع "معاريف" ان الطبيب الغزاوي عز الدين ابو العيش هو المسؤول عن قتل بناته – التي ليست باخلاقية ومع ذلك من الجيد ان الارض قد بدأت تهتز من تحت اقدامنا.

ايهود براك وجابي اشكنازي يتصببان عرقا؟ اسرائيل ستتعلم بهذه الطريقة فقط. ليس فقط ان تبرهن عن جرائم حرب قد ارتكبت في غزة، وانما ايضا ان كان هناك من سيضطرون لدفع فاتورة الحساب عن افعالهم. هذه بشارة طيبة لاسرائيل: بفضل غولدستون سيفكرون في اسرائيل مرتين وربما ثلاث قبل صب متر اضافي واحد من الرصاص المصهور على رؤوس السكان المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة.

من الان لن يكون الاعتبار الوحيد في نظر اسرائيل هو الحد الادنى من الخسائر في طرفنا، من الان سيؤخذون بالحسبان المترتبات الدولية والشخصية لكل هجمة وحشية. هذا بالضبط دور الجهات الدولية: منع تكرار الهجمات المنفلتة على شاكلة الرصاص المصهور. غولدستون ادى دوره بذلك وخلال ذلك برهن ايضا عن انه صهيوني وصديق لاسرائيل: بفضله قد تغير اسرائيل طرق عملها القائمة على القوة وستدرس للمستقبل جوانب القانون الدولي والثمن الشخصي الذي سيترافق مع تجاوز هذا القانون. ان كنا قد اعتقدنا حتى الان ان علينا ان نفكر فقط كيف نقتل من دون ان نقتل فعلينا ان نفكر من الان بالثمن الذي سيترافق مع قتل الناس في الجانب الاخر.

خسارة اننا انتظرنا غولدستون، خسارة اننا نعتمد بهذا القدر على ضغوط الاجانب حتى نبلور صورتنا، وخسارة اننا نصبح جاهزين لتفحص انفسنا فقط عندما يلوح ضرر شخصي بجانبنا. لو كانت هناك حرب يجدر ان نحقق فيها بمبادرة منا وعلى الفور فهي عملية "الرصاص المصهور". هذه العملية قد الحقت بنا خسائر قليلة ولذلك  لم يفكر احد بالتحقيق بمجرياتها، الا ان ما حدث في غزة لا يمكن ان يبقى معلقا في  الفضاء، والمسؤولون لا يستطيعون مواصلة التصرف وكأن شيئا لم يحدث.

الجراح في غزة لم تشفى بعد. والانقاض لم ترفع من هناك والمنازل لم تعمر. كما أن اسرائيل لم تشفى ايضا: هي ما زالت على قناعة بأن كل شيء قد جرى كما يجب. الان ظهرت التشققات والتصدعات. هناك شيء جدي مثير للكآبة في حقيقة ان هذا يحدث فقط بعد ان خشي القادة الاسرائيليين على مصيرهم الشخصي. الان يحدونا الامل بأن لا يتنازل غولدستون والامم المتحدة والعالم. لم يكن اي اسرائيلي يرغب في مشاهدة باراك وهو يعتقل في لندن ولكن كل اسرائيلي نزيه يجب ان يتمنى بأن يدفع المسؤولون عن جرائم الحرب التي ترتكب باسمه الثمن ومن الافضل ان يحدث ذلك في البلاد.

التعليل الديماغوجي الفارغ الذي يسوقه اسرائيليون كثيرون اذ يقولون ان اسرائيل قد فعلت في غزة ما يفعله الجميع، قد يكون صحيحا الا انه مشوه بالمنظور الاخلاقي. لا يمكن لاي مخالف لحركة المرور او مجرم اخر ان ينقي نفسه من الذنب بالقول ان "الجميع يفعلون ذلك".

 العالم يتشدد مع اسرائيل؟ ربما. ولكن اسرائيل ايضا تتمتع بعدد لا ينتهي من الافضليات المفرطة والمبالغ فيها. العالم يتعامل معنا بصورة مغايرة، يغض البصر عن مفاعل ديمونا ويصمت ازاء الاحتلال، والان لم يعد راغبا بمواصلة الصمت ازاء ما يحدث في غزة. لماذا؟ لاننا بالغنا في افراطنا هذه المرة. هذا ليس فقط حق العالم وانما واجبه.

غولدستون بدأ المهمة ومن الافضل لاسرائيل ان تواصلها. في اخر المطاف الصورة التي تظهر في مرآة غولدستون هي صورتنا وليست صورة غولدستون.