خبر انجاز أوباما « التاريخي ».. ومهمة ميتشل القادمة!../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 10:31 ص|29 سبتمبر 2009

انجاز أوباما "التاريخي".. ومهمة ميتشل القادمة!

عبد اللطيف مهنا

28/09/2009  11:23 

وعدنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإطلالة جديدة لمبعوثه للمنطقة جورج ميتشل قريباً. وعده هذا أطلقه إثر فروغه للتو من الاحتفالية الاستعراضية المطلوبة، ذات المصافحات واللقطات المصورة لما دعاه البعض انجازه "التاريخي"، أو ما عرف بالقمة الثلاثية، أو بالأحرى اللقاء الذي ضم إليه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، في نيويورك على هامش انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. مهمة ميتشل القادمة تم تحديدها هذه المرة من الآن. إنها متابعة ما بعد هذا الإنجاز الأوبامي. أما مهمته تلك التي أنجزها على خير وجه في المرة الأخيرة التي سبقت الإنجاز الأوبامي المشار إليه ومهّدت له، فقد ثبت الآن ما كنا قد أشرنا إليه يومها في مقال سابق لنا تناولها، ألا وهي ما اقتصر على مسعى تحقيق هذا الإنجاز "التاريخي" إياه، أي الضغط على رام الله للتخلي عن اشتراطاتها لحضور القمة، أو تلك التي من بينها بأن لا تفاوض بدون موافقة ما من قبل نتنياهو على تجميد الاستعمار، أو حتى شيء من ذلك، يليها البدء بالتفاوض حول ما يطلقون عليه قضايا الوضع النهائي، التي من بينها القدس، وحق العودة، أو القضيتان اللتان يرفض نتنياهو مجرد ذكرهما.

 

مهمة ميتشل هذه نظر إليها في حينه في بلادنا من زاويتين مختلفتين أسفرتا عن استنتاجين نقيضين. الأولى أنه إنما آت للضغط على نتنياهو لدفعه إلى الموافقة على ذلك التجميد أو التعليق للاستعمار، ولو إلى حين، تسهيلاً لبدء التفاوض، وإغرائه لركوب مثل هذا المركب، الذي يعد خروجاً على ثوابته، بمكافأة سخية هي بشائر التطبيع العربية، التي لاحت بوادرها تلوح سلفاً عبر إشارات تسربت حينها هنا وهناك. ومن كان قد نظر من هذه الزاوية لم يلبث وأن أوصلته وقائع الجولة بسرعة قياسية إلى ما يؤكد له بأنها إنما قد فشلت فشلاً مدوياً، دفع هؤلاء بناءً على ذلك إلى استنتاج آخر وهو أن اللقاء الثلاثي قد لا يعقد، وإنه لن يتمكن أوباما من تحقيق منجزه "التاريخي" المنشود. بيد أن هؤلاء لم يطل بهم الوقت للتمسك بهذا الاستنتاج أو هذا الظن الحسن، عندما قفل ميتشل إلى بلاده عائداً حاملاً معه موافقة أبو مازن على حضور القمة العتيدة، وحاملاً معه أيضاً ما سبقه إلى واشنطن وهو تمسك نتنياهو بثوابته المعلنة إياها دونما لبس أو غموض أو مهادنة.

 

النظرة الثانية، كانت من زاوية انطلقت من الاستناد إلى موجبات العلاقة التاريخية العضوية و الاستراتيجية التي تربط بين الولايات المتحدة وحليفتها، بل ثكنتها المتقدمة، وأيضاً لم تغفل، أو لم يغب عن أصحابها، كون إطلالة ميتشل السلامية قد رافقتها إطلالة أميركية أخرى مختلفة، كانت ممثلة بالبوارج الحربية الأمريكية التي رست على شواطئ فلسطين المحتلة للمشاركة في المناورات العسكرية المشتركة المزمعة بين الحليفين، ومعها وما كان قد سبقها، كل ما من شأنه تعزيز الثكنة الأخطر في العالم بكل ما توفر للترسانة الأمريكية الأكثر تطوراً في العالم من منظومات صاروخية ومضادة للصواريخ، والتي تأتي في سياق تطور تلك العلاقة الاستراتيجية ببعديها العضوي والتاريخي، واستطراداً، تعزيز دور هذه الثكنة المتقدمة في خدمة أهداف المركز، أو هذا الدور المنسجم مع تطابق واندراج استراتيجية صاحبته مع الاستراتيجية الأكبر للإمبراطورية.

 

كان من السهل هنا التوقع، حتى المسبق، لنجاح مهمة ميتشل المؤكد، لأنها، ووفق سياق المنطق ومتابعة الوقائع، قد اقتصرت جوهرياً فحسب على هدف سهل هو جلب أبو مازن للقاء الثلاثي الاستعراضي المرسوم، وهذا ما تم.

 

إذن، ومن هذه الزاوية، لا يمكن لنا إلا أن نعترف بأن مهمة ميتشل تلك كانت ناجحة، وكيف لنا أن نتوقع بأنها لم تكن لتنجح، لاسيما إذا ما وضعنا في الحسبان معهود التواصل التقليدي عبر النقاشات الاستراتيجية شبه الدائمة بين واشنطن وتل أبيب، وقنواتها المستمرة المختلفة، بميتشل أو سواه، بإيباك أو يهود البيت الأبيض، والتي أوصلت مواقف نتنياهو، أو وثوابته، سلفاً إلى واشنطن لتتكيف معها، قبل وأثناء وبعد عودة المبعوث الأمريكي من جولته سالماً من الضغط على إسرائيل وغانماً ما حققه ضغطه على الفلسطينيين. وكنت في مقالي السابق الذي أشرت إليه بداية، المعنون "فشل ميتشل... أوباما يتكيّف مع ثوابت نتنياهو" قد تعرضت إلى هذا الفشل النجاح الذي أسهم في تحقيق احتفالية إنجاز أوباما التاريخي المطلوبة بعد أن أثخنت صورته التبشيرية التغييرية بالجراح العقبات الداخلية واللعنة الأفغانية!

 

الآن، أما وقد تم ذاك اللقاء الاحتفالي الاستعراضي وفق المراد، ويتهيأ ميتشل لما بعده، ما الذي رست عليه بورصة مواقف أطرافه السلامية الثلاث؟!

 

لعل الأمر هنا في غاية الوضوح، ولنبدأ بالطرف الأضعف، أي الفلسطيني، أنه، وبكل بساطة، وقد تخلى عما دعاه كبير مفاوضيه الدكتور صائب عريقات بخطوطه الحمر التي كانت قد بدأت في البهوت حتى قبل اللقاء الاحتفالية، قد ألقى سلفاً بورقته الأخيرة، وبالتالي لا غرابة بأنه قد عاد بما أجمع المجمعون على توصيفه بخفي حنين، والعودة لمعهود مناشدة الوسيط الأمريكي و"المجتمع الدولي" الغربي الضغط على إسرائيل والمسارعة لإنقاذ "عملية السلام"!

 

أما الطرف الأميركي، الذي لازال يتمسك بترداد أخدوعة "حل الدولتين"، أو خرافة "الدولة القابلة للحياة"، التي لم يبق التهويد لإيجادها حظاً حتى متخيلاً، فقد رست مواقفه إلى تمني مجرد "كبح" الاستعمار، بعد أن كان قد هبط مؤشرها الأوبامي من المطالبة بوقفه إلى تجميده فكبحه... مع إطناب أخانا باراك حسين أوباما، صاحب خطابي اسطنبول والقاهرة الشهيرين، في مديح مكارم تسهيل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطينيي الضفة "حياتهم وتنقلاتهم"... والتأكيد بأنه "لا نزال ندعو الفلسطينيين إلى وقف التحريض على إسرائيل"، بمعنى مطالبتهم الكف عن ذكر ما يتعلق بحقوقهم المغتصبة أو المطالبة بها... وأصبحت المعادلة لدى أوباما في غاية من الصراحة والوضوح: "ينبغي على الفلسطينيين بذل المزيد من أجل التقدم بالمفاوضات"، أما بالنسبة للعرب فـ"كلما خطا الإسرائيليون خطوات الكبح الاستيطاني، على الدول العربية أن تتخذ خطوات" تطبيعية مطلوبة منهم...

 

باختصار، تنازلات فلسطينية وتطبيع عربي مقابل مجرد خطوات لكبح "النشاط" التهويدي، وليس وقفه أو تجميده أو حتى تعليقه، لا أكثر لا أقل... وكان أوباما حاسماً، وكان على الجانب الفلسطيني تحديداً أن يسمع: "زمن الحديث عن بدء التفاوض قد ولى، وحان وقت التقدم". وفيما بدا، أو استوجبته المظاهر المرافقة لياقةً بحكاية "الوسيط النزيه" أو "الراعي للسلام" أن يوجه للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي معاً، قال أوباما بحزم: "هذه رسالتي للزعيمين. رغم كل العقبات في التاريخ، ينبغي البدء في المفاوضات"!.. ميتشل فيما بعد جعل الأمور أكثر وضوحاً: قال مؤكداً، إن واشنطن ترفض أية شروط مسبقة لبدء المفاوضات، بمعنى مفاوضات في ظل استمرار عملية التهويد وقد لا تنتهي حتى تهويد ما تبقى من فلسطين!

 

ما تقدم يجعل من تحصيل الحاصل أن الإنجاز الحقيقي والنجاح المؤزر كان من نصيب نتنياهو، أو ثوابته التي شرّعها قبل وإبان وبعد احتفالية أوباما العتيدة، قبل عودة الظافر ليحتفل مع الإسرائيليين المحتفلين بفوزه بتدشين 37 وحدة استعمارية جديدة تأكيداً على هذه الثوابت، أو قبل عودته ليستثمر حصاد تشدده داخلياً، سبق ذلك ومن على منبر الهيئة الدولية التي أسهمت "شرعيتها" في شرعنة اغتصاب فلسطين، حرص مجدداً على إيضاح كنه السلام الذي يريده مع العرب أو كرّره:

 

"نريد من الفلسطينيين الموافقة على ما رفضوه قبل ستين عاماً"... أي القبول بنتائج نكبتهم دون شرط أو قيد، والرضا باغتصاب وطنهم طائعين ودون شكوى، ناهيك عن تجنب مغبة الانجرار إلى "إرهاب" مقاومة الاحتلال، أو "عدوانية" المطالبة بحقوقهم التاريخية المشروعة في وطنهم وغير القابلة للتصرف... مع مصادقة العرب عبر التطبيع على هذا القبول والموافقة عليه، وحتى ضمانه... وأخيراً، بكل صفاقة ووقاحة وغطرسة، هي من سمات من سطا واحتل واغتصب ويمتلك القوة التي مكنته وتمكنه مما فعل ويفعل، يخاطب نتنياهو المستضعفين الفلسطينيين والعرب العاجزين منهم والمتهافتين على مسالمته، وعبرهم العالم أجمع: "نحن لسنا غزاة أجانب"... الأمر الذي هو الوجه الآخر لما يزعمه الإسرائيليون ويروجونه، ويضيفونه إلى ترسانة خرافاتهم وأساطيرهم لتبرير اغتصابهم لفلسطين، والقائل بأن العرب مجرد غزاة قدموا من الصحراء!

 

... سرعة انطفاء فقاعة أوباما التغيرية الاستعراضية المخادعة، أو هذه الظاهرة المسرحية أو الضرورة التجميلية الأمريكية لستر بعض قبح الإمبراطورية الذي عرّته حماقة سلفه أو جملة أسلافه في البيت الأبيض السابقين، ومعها رثاثة الوضع الفلسطيني واهتراء الواقع العربي، وبالتالي، حصاد اللقاء الثلاثي، أو "انجاز أوباما التاريخي"، كلها أمور تؤشر سلفاً على كنه مهمة ميتشل في إطلالته المنتظرة القادمة... لعله سوف يطالبنا جهاراً نهاراً هذه المرة، بما يطالبنا به نتنياهو من على منبر الهيئة الدولية، والذي قد يطوره لاحقاً ويحمّله لميتشل في إطلالة ميتشلية لاحقة، وهو مطالبة "الغزاة" العرب بالاعتذار لأنهم جشّموا الإسرائيليين عناء اغتصاب فلسطين وتهويدها!