خبر انتهينا من المجالات الغامضة.. معاريف

الساعة 10:18 ص|29 سبتمبر 2009

بقلم: ياعيل باز ميلاميد

سيناريو كان ام لم يكن: كل كبار المستشارين لدى الرئيس الامريكي براك اوباما، بما فيهم المبعوث الامريكي الخاص جورج ميتشيل، يستدعون على عجل الى لقاء في الغرفة البيضاوية. على جدول الاعمال: تحريك المسيرة السلمية في الشرق الاوسط والتي يرى اوباما فيها مصلحة صرفة للولايات المتحدة. في بداية اللقاء يقول الرئيس لمستشاريه انه يعرف جيدا كل المشاكل التي تقف في طريق من يحاول وضع رأسه المعافى في سرير المريض في الشرق الاوسط. فهو يعرف المراوحة في المكان، عناد كل الاطراف، الصراعات الداخلية لكل واحد من الزعيمين ضد المعارضة داخل حزبيهما، او الوعود التي لا تستوفى ابدا والالية الهدامة للعلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين، والتي يتحمل مسؤوليتها الطرفان بقدر متساو.

"انتخبت كي احدث التغيير"، يقول، "التغيير في كل موضوع. وهذا يتضمن ايضا الشرق  الاوسط. من اجل التغيير تنبغي المراهنة. احيانا حتى على كل الصندوق. وهذا ما انوي عمله. فليقولوا اني لا افهم انماط هذه المنطقة الغريبة، وليقولوا اني مرتجل ، وليقولوا اني الحق ضررا. ولكني قررت ان احرك المسيرة السلمية، ولا اعتزم التراجع". الجالسون في الغرفة فهموا الرسالة. فبعد كل شيء فانهم يعملون مع هذا الرجل المصمم منذ نصف سنة. وهم يعرفون قدرته على اتخاذ القرار، تمسكه بالافكار التي يؤمن بها، وقدرة الرهان العالية لديه. لكل واحد منهم كان واضحا بأن عليهم ان يبدأوا في العمل بنشاط من اجل جلب الطرفين الى قمة ثلاثية، حتى لو كان كل ما يخرج عنها سيكون مجرد صورة قاتمة، بل وربما محرجة. من لم يفهم اغلب الظن الرسالة هما بنيامين نتنياهو وابو مازن، اللذين واصلا التسلق الى اعلى شجرة مطالبهما، دون ان يفهما انه بقدر ارتفاع التسلق هكذا يكون عمق الهبوط. في البلاد تنافست الصحف بينها على ان تتوج بكلمات اقسى الرئيس الامريكي بأنه الخاسر الاكبر في اللقاء، او اللقاء نفسه كهدر اكبر.

غير ان سلوك واقوال اوباما يمكن ان نراها ايضا بشكل مغاير تماما. بالذات لانه يعرف بعمق ما هي الامور العالقة منذ عشرات السنين في المفاوضات بين اسرائيل والسلطة اختار ان يسير ضدها بكل القوة. ان يلمس الجراح المفتوحة والنازفة، دون ان يراعي الالم الذي يثيره. بعد نصف سنة فقط من انتخابه، فهم اوباما ما يرفضون عندنا رؤيته منذ اكثر من اربعين سنة: ان المستوطنات، ولا سيما غير القانونية منها، هي عائق هائل ضد كل احتمال للتسوية كما انه فهم بان استمرار البناء فيها، توسيعها اكثر فاكثر على حساب الجمهور الفلسطيني، سيؤدي الى الشلل المطلق لكل امكانيات الحوار.

كما ان سلوك الفلسطينيين معروف ايضا. فهم دوما سيطالبون بالشروط المسبقة للعودة الى حدود 67 من اجل مواصلة المفاوضات. ودوما سيضعون كل عائق يتمكنون من وضعه كي يواصلوا البقاء مع احتلال دون امل. لقد ملت السلطة الجديدة في الولايات المتحدة هذه "اللعبة" الغبية بيننا وبين الفلسطينيين. مل الرئيس جبن كل واحد من الزعيمين من مواجهة كتلتيهما السياسيتين. وهو يعرف من تجربته بأن من لا يرى آلاف الكيلومترات الى الامام ولا يتطلع للوصول الى ابعد مسافة ممكنة سيبقى دوما عالقا ومراوحا في المكان.

لبنيامين نتنياهو توجد الان فرصة لا تتكرر كي يتحول من سياسي يخاف كل انواع النواب الصغار الى هذا الحد او ذاك، الى زعيم حقيقي. ان يخوض خطوة شجاعة من التغيير الحقيقي الذي ينطوي ايضا على تنازلات غير بسيطة. اذا ما سار في هذا الاتجاه بكل القوة، فان الجمهور سيكون معه وهو سيكسب عالم لسنوات طويلة وسيدخل التاريخ مثل زعيم اخر من معسكره، مناحيم بيغن. كل ما يحتاج هو ان يكف عن التخوف من بني بيغن وبوغي يعلون، وحتى من تسيبي حوتوبلي ، وبدلا من ذلك يمنح الجمهور في البلاد الامل ويشق طريقا جديدة. تماما مثلما حقق اوباما للجمهور الامريكي، ويحقق ربما ايضا لسكان المنطقة، رغم التوبيخ والاستخفاف من وسائل الاعلام الاسرائيلية.