خبر المظلة النووية بين الردع والدفاع .. طلعت مسلم

الساعة 06:22 ص|27 سبتمبر 2009

المظلة النووية بين الردع والدفاع

 

طلعت مسلم الجزيرة نت 26/9/2009

برزت مؤخرا قضية المظلة النووية الأميركية في الوطن العربي في منتصف شهر أغسطس/آب 2009 على أثر تصريح للرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة الأهرام قبل زيارته لواشنطن ويتلخص الموقف الذي عبر عنه الرئيس في: أن مصر لم تتلق اتصالات رسمية بشأنها، وأن مصر لن تكون طرفا فيها إن صحت التقارير، وأن مصر لا تقبل بوجود قوات وخبراء أجانب على أرضها، وأن مصر لا تقبل بوجود قوى نووية إقليمية سواء من إيران أو إسرائيل، وأن مصر متمسكة بمبادراتها لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي، ثم لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة التدمير الشامل.

كانت وزيرة الخارجية الأميركية قد حذرت إيران في يوليو/تموز 2009 من مغبة "إحراز السلاح النووي" وأشارت إلى أن بلادها ستمد في هذه الحالة مظلتها الدفاعية على دول الخليج العربي والشرق الأوسط وتدعم إمكانياتها العسكرية.

كما ذكرت تقارير صحفية مصرية أن الولايات المتحدة تسعى لنشر مظلة دفاعية في الشرق الأوسط في تزامن مع تحقيق تسوية نهائية للصراع العربي الإسرائيلي، وأن المظلة الدفاعية تتكون من مجموعة نظم بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ، ومراكز تحميل معلومات رئيسية، وقواعد اتصالات مركزية، وطائرات إنذار وسيطرة "أواكس" بعيدة المدى تزود بها مصر والمملكة العربية السعودية.

أثارت تصريحات الرئيس مبارك ردود فعل مختلفة ما بين تشجيع رفض وجود قوات وخبراء أجانب، إلى حديث عن وجود قوات أجنبية فعلا على أرض مصر وفقا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، إلى مناقشة جدوى المبادرات حيث لم تتحقق أي نتيجة عملية بعد مرور 35 عاما على الأولى، و29 عاما على الثانية، وكيفية مواجهة التهديد عموما، والتهديد النووي خصوصا، بينما أثارت قضايا ضمانات معاهدة حظر الانتشار النووي للدول غير النووية، وكيفية تحقيق السلام العالمي في ظل الأسلحة النووية. أخيرا ثارت قضايا نظرية حول المظلة النووية والمظلة الدفاعية، ومظلة الردع.

بروز فكرة المظلة النووية

ظهرت فكرة المظلة النووية الأميركية مع وجود الأسلحة النووية للاتحاد السوفياتي سابقا حيث أصبحت هذه المظلة ضمانا لحماية الدول غير النووية من حلفائها من دول حلف شمال الأطلسي بينما أصبح الاتحاد السوفياتي يوفر الحماية أو الضمان لدول حلف وارسو، وقد كانت المظلة النووية بديلا لامتلاك الأسلحة النووية بالنسبة لبعض الدول، وكانت الدول غير النووية التي صدقت على معاهدة حظر الانتشار النووي طالبت بضمان حمايتها من الهجوم النووي من دول نووية، بينما اعتمدت دول أخرى على الدخول في مناطق خالية من الأسلحة النووية.

وقد اعتبر حلف شمال الأطلسي منذ بدايته أن القوة النووية للولايات المتحدة إحدى مكونات الدفاع عن غرب أوروبا ضد غزو سوفييتي محتمل. وبالرغم من ذلك فقد طورت بريطانيا مشروعها النووي المستقل، وعلى أثر ذلك وقعت مع الولايات المتحدة معاهدة لتبادل تصميمات الأسلحة الأميركية وبذا انتفت الحاجة إلى تطوير مستقل لهذه الأسلحة، أما فرنسا فقد طورت هي الأخرى قوة نووية وتركت البناء القيادي لحلف شمال الأطلسي بينما ظلت على تحالف مع دول غرب أوروبا.

كانت دول حلف الأنزوس (أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة) مختلفة فأستراليا قد اعتمدت على برنامج لتطوير الأسلحة النووية في أوائل سبعينات القرن العشرين، لكنها وافقت في النهاية على الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار وأصبحت مناصرة لنزع السلاح النووي، أما نيوزيلندا فقد لجأت إلى إخلاء منطقتها من الأسلحة النووية، وبذا لم تعد تعتبر أنها تحت المظلة النووية للولايات المتحدة.

وعادة ما تكون المظلة النووية الأميركية مرتبطة بالأحلاف إلا أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اقترحت امتداد المظلة النووية الأميركية إلى إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كجزء من المظلة الدفاعية.

لم يكن اقتراح هيلاري كلينتون هو البداية، فقد برزت أهمية الدفاع ضد الصواريخ البالستية مع انتشار الأسلحة النووية في الهند وباكستان ثم في كوريا الشمالية وقبلها كان انتشار الصواريخ البالستية لدى كثير من الدول، وكان الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون قد امتنع عن التصديق على مشروع الدفاع الصاروخي وتركها لمن يخلفه.

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ازداد اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بالدفاع المضاد للصواريخ وبرغم معارضة الاتحاد الروسي، فقد اعتبر ما أصبح يطلق عليه اسم "الدرع الصاروخي" أحد المكونات المقترحة للمظلة النووية، بحجة أن انتشار المعرفة والتكنولوجيا النووية أصبح يهدد بوصولها إلى عناصر إرهابية، هذا بالإضافة إلى أن امتلاك كوريا الشمالية لسلاح نووي، واحتمال امتلاك كل من العراق وإيران للأسلحة النووية يجعلها قادرة على تهديد الولايات المتحدة وأوروبا.

وهكذا فإن الدرع الصاروخي المقترح للدفاع عن الولايات المتحدة وأوروبا هو في حقيقته مظلة دفاعية أكثر منها نووية، حيث لا يشترط فيه استخدام أسلحة نووية.

كانت عقيدة الولايات المتحدة النووية مغلفة بالعموميات والغموض بما يهدف إلى ردع العدو المحتمل عن الهجوم النووي بأن يظل يخمن رد فعل الولايات المتحدة، أي أن المظلة في حقيقتها كانت "ردعية" وكانت تدعو إلى عدم تأكيد أو نفي وجود أسلحة نووية أميركية في أي مكان، ولكنها توحي باحتمال استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية في حال تعرضها أو أحد حلفائها لعدوان بما فيه استخدام أي دولة نووية لأسلحتها النووية وذلك كرد فعل لتصرف غير محدد من طرف معاد.

وفي يونيو/حزيران 2009 وبعد اجتماع كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس كوريا الجنوبية لي ميونغ باك في البيت الأبيض أصدر الرئيسان بيانا يقول "استمرار الالتزام بالردع الممتد بما في ذلك المظلة النووية للولايات المتحدة" وهو ما اعتبر تأكيدا بأن الولايات المتحدة سترد إذا حولت كوريا الشمالية تهديداتها المعادية التي كثيرا ما رددتها ضد كوريا الجنوبية إلى واقع. لكن الرئيس الأميركي لم يكرر هذا الالتزام، كما لم يكرره مستشاره الصحفي.

تعتبر المظلة النووية بمعنى مظلة الردع النووي قائمة في كل من غرب أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، كما تعتبر المظلة الدفاعية وتضم شكل الدفاع الصاروخي إلى جانب مظلة الردع النووي مشروعا تحت الإنشاء في غرب أوروبا والولايات المتحدة، وليس هناك نموذج للمظلة النووية سوى المظلة على كوريا الجنوبية التي تتعهد فيها الولايات المتحدة صراحة باستخدام أسلحتها النووية في حال تعرض كوريا الجنوبية لعدوان نووي بينما تظل المظلة النووية في باقي المناطق يغلفها الغموض والعمومية.

علاقة المظلة بالوجود العسكري الأجنبي

نلاحظ أن كل البلاد التي تشملها المظلة النووية للولايات المتحدة فيها وجود عسكري للولايات المتحدة لكن أوروبا تعتبر وحدة واحدة بمعنى أنه ليست هناك بالضرورة قوات في كل دولة ولكن كثيرا من دول أوروبا بها قوات أو معدات أميركية وخاصة في ألمانيا وبلجيكا واليونان وإيطاليا وهولندا والنرويج والبرتغال وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة، في حين هناك قوات أميركية منفصلة في كل من اليابان وكوريا الجنوبية. أي أن المظلة بأنواعها يصاحبها وجود عسكري أميركي ولكن ليس بالضرورة في كل دولة من دول المنطقة.

شكل ومكونات المظلة النووية

في حال مد المظلة النووية إلى الشرق الأوسط فمن المتوقع أن تشتمل على شق الردع الغامض الذي يوحي باستخدام الولايات المتحدة لأسلحتها النووية لحماية من تعتبرهم حلفاءها في المنطقة، والشق الدفاعي المرتبط بالدفاع المضاد للصواريخ، وأن تشتمل على وجود مجموعة نظم بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ، ومراكز تجميع معلومات رئيسية، ومراكز اتصالات مركزية، وطائرات إنذار وسيطرة "أواكس" بعيدة المدى تزود بها مصر والمملكة العربية السعودية، ولا يشترط وجود قوات أجنبية في كل دولة، كما يمكن –نظريا على الأقل- أن تعمل المعدات بأطقم محلية.

ومن المعروف أن تحقيق الردع لا يحتاج بالضرورة إلى وجود عسكري حيث يمكن للصواريخ الأميركية سواء البالستية العابرة للقارات منها أو التي تطلق من البحر أو من الجو أن تطلق صواريخها على أي مكان في العالم دون إعادة تمركز، لكن الدفاع المضاد للصواريخ يتطلب وجود عناصره في مناطق مناسبة لاعتراض الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها، لذا لا بد أن تكون قريبة نسبيا من الأهداف التي تقوم بحمايتها.

الحاجة إلى حماية من الأسلحة النووية

إن وجود أسلحة نووية لدى أطراف دولية بيننا وبينها نزاعات يمكن أن تتحول إلى صراعات مسلحة يؤكد الحاجة إلى حماية من هذه الأسلحة، وهو ما دعا الدول غير النووية للمطالبة بالحماية، وهو ما ينطبق على العالم العربي حيث هناك تهديد إسرائيلي نووي قائم، وتهديد محتمل من إيران، كما أن احتمال التهديد النووي من إحدى الدول النووية الأخرى لا يمكن استبعاده تماما.

هذا يعني الحاجة إلى الحماية من الأسلحة النووية، وبشرط أن تتحقق الحماية في جميع الأحوال ومن جميع المصادر، وهو ما لا يمكن الاطمئنان إليه إذا كانت الحماية أميركية سواء بالردع أو الدفاع حيث لا نتوقع أن تقوم المظلة الأميركية بحماية الدول العربية من تهديد نووي إسرائيلي.

إن المناطق الخالية من الأسلحة النووية في حد ذاتها لا تحقق حماية نووية, إما لأنها لا تملك وسائل لمنع القوى النووية من دخولها، أو لأن التهديد النووي يمكن أن ينبع من خارج المنطقة لكنه يؤثر على دول المنطقة.

احتمالات توفر الحماية النووية

ليست هناك احتمالات لتحقيق هذه الحماية النووية في المستقبل القريب حيث تكاد تتركز القدرات في الولايات المتحدة، وهي دولة منحازة انحيازا تاما معلنا إلى إسرائيل، ولكن الوضع الأفضل هو أن يكون هناك نظام عالمي تابع للأمم المتحدة لتقديم الضمانات إلى الدول غير النووية على النحو الذي يبدو في ميثاق الأمم المتحدة عن طريق لجنة من رؤساء أركان الدول الخمس دائمة العضوية.

وإلى أن يتحقق النظام العالمي أو إخلاء العالم من الأسلحة النووية على الدول العربية أن تسعى لتطوير وتوفير نظام لحمايتها من التهديد النووي، وذلك عن طريق توفير بعض عناصر الدفاع الجوي التي لها قدرات مضادة للصواريخ أمثال "باتريوت-3" الأميركي و"إس-300" الروسي، وتوفير العناصر المساعدة لها بما فيها مراكز تجميع المعلومات ومراكز الاتصال وطائرات السيطرة والإنذار المبكر، ورادارات الإنذار، وبذا تصبح المظلة دفاعية عربية، وكذا توفير بدائل للردع النووي.

أما أن تكون المظلة ردعية على النحو الأميركي فهذا يتطلب امتلاك سلاح نووي وهو أمر يحتاج أولا إلى قرار، وثانيا إلى توفير إمكانيات للتطوير والحماية أثناء التطوير، وثالثا وأخيرا زمنا لتطويره.