خبر غولدستون ضد الانسانية..معاريف

الساعة 09:05 ص|25 سبتمبر 2009

بقلم: بن درور يميني

لنبدأ من النهاية. ريتشارد غولدستون نفذ جريمة اخلاقية ليس ضد اسرائيل وانما ضد حقوق الانسان. هو حولها الى سلاح بيدي الانظمة الظلامية. غولدستون لم يكن مهملا وانما فعل ذلك عن سوء نية مبيتة. الانتقادات التي صدرت في الايام الاولى بحق تقريره جاءت على اساس القراءة الاولية. وكلما تكشفت تفاصيل هذا التقرير اتضح انه فرية مصطنعة بغطاء قانوني.

اللغة المستخدمة قضائية بارعة. مشهد من المواثيق الدولية حول حقوق الانسان والشعوب ولكن التقرير يخدم محور الارهاب والشر. اجل هناك ضريبة كلامية هامشية جدا كانتقاد لحماس. هؤلاء الاشخاص الحاذقون من امثال غولدستون سيجترون من فوق كل منصة الادعاء بأنهم موضوعيون. فهم ايضا وجهوا الانتقادات لحماس. وانهم لمتنورين حضاريين كما يدعون.

لنبدأ بالامر غير الموجود في التقرير. حوالي 600 صفحة دون اي ذكر لايديولوجية حماس. لحماس ميثاقها وهذا الميثاق هو أساس الصراع بين اسرائيل والكيان الشيطاني الذي اقيم في غزة. هذا الميثاق هو ميثاق لاسامي صرف وهو يوضح ان حماس لا تختلف عن الطالبان بل على العكس هي اسوء منها. قادة حماس يصرحون بأنهم يتضامنون مع الطالبان ويرغبون في السيطرة على العالم الحر كله ويتحدثون عن كراهية اليهود والغاء وقف اطلاق النار مع اسرائيل. تقرير غولدستون لا يتضمن كلمة واحدة حول ذلك.

لو ان غولدستون تجاهل الصلة بين الايديولوجيا والتنفيذ العملي فليكن. ولكن عندما يعرج على اسرائيل ها هو يقوم بتلطيخ اسم المشروع الصهيوني. على سبيل المثال في البند 206 من التقرير وكملاحظة هامشية يتحدث عن الممتلكات الفلسطينية التي تمت مصادرتها. ليس لان ذلك ذو صلة بشيء ما. وانما كان على غولدستون الحاذق ان يوفر المبررات لحماس. دقة تاريخية؟ بالتأكيد لا. هذا منتوج آخر من منتوجات صناعة الكبد. لان الممتلكات التي صودرت ونهبت من اللاجئين اليهود الذين طردوا من الدول العربية اكبر بكثير من ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين المتبقية في اسرائيل. ولكن ايانا وبلبلة عقل غولدستون بالنبش في الحقائق والتحقق منها.

لا حاجة للسير بعيدا لكشف الاكاذيب. من الممكن ان نبدأ بالبند رقم 1 . هناك يقول غولدستون انه قد منح الصلاحية في التحقيق في كل تجاوزات حقوق الانسان والقانون الانساني التي نفذت خلال العمليات العسكرية في غزة. أحقا؟

في هذه المرحلة سننتقل كلنا للقرار الذي اتخذه مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة، والذي قام بتعيين لجنة غولدستون. هناك تم تحديد صلاحية اللجنة في البند الرابع عشر: "التحقيق في تجاوزات قوانين حقوق الانسان والقانون الانساني من قبل القوة الاحتلالية اسرائيل، ضد الشعب  الفلسطيني، في كل المناطق الفلسطينية المحتلة خصوصا في قطاع غزة المحتل، اثر العدواني الحالي، ويدعو اسرائيل لعدم اعاقة عملية التحقيق والتعاون مع اللجنة".

هذا فرق صغير وهامشي. غولدستون كرجل قانون حاذق يدرك ان قرار مجلس حقوق الانسان يدخله في مشكلة. فليس فيه مطلب بالتحقق العادل وانما أمر بالتحقيق ضد اسرائيل فقط مع تحديد التهمة مسبقا. فكيف يمكن لغولدستون ان يبيح مثل هذا الامر غير  المنصف؟ اولا هو لا يذكر القرار الذي هو مصدر الصلاحيات. وثانيا بالتعاون مع رئيس المجلس المخول بتعيين اللجنة تم تعديل صيغة التخويل لتلائم الصورة الموضوعية المزعومة التي يحاول اطفاءها.

33 دولة شاركت في التصويت لاقامة اللجنة ليست هناك دولة ديمقراطية واحدة ايدت هذا القرار فهل يمكن التعامل بجدية مع هذه الاغلبية التلقائية من الدول غير الديمقراطية؟ بالتأكيد لا. ذلك لان ممثل الباكستان الدولة التي تسببت في هذه السنة فقط بمليون لاجىء في اطار صراعها المبرر ضد بضعة مئات من مقاتلي طالبان – ستجد صعوبة في التحدث عن "العقاب المتناسب". من اجل ابراز الصورة الاستعراضية هناك حاجة لرجل قانون مع هالة دولية. شخصية مع صورة اعتبارية تنشر مقالات في "نيويورك تايمز" و "هآرتس" وتظهر في الـ بي بي سي. هذه الطريقة لتحويل اسرائيل الى دولة مارقة وهذا اسلوب دعاوي لم يفكر به حتى العبقري غوبليز. يهودي ومع "ماض صهيوني" ايضا. ليست هناك وسيلة اكثر مثالية من ذلك.

التمعن الدقيق في التقرير يظهر ان عملية الافتراء قد نجحت. هذه ليست فرية هابطة من النوع القديم وانما اكثر احكاما والان يسمون ذلك "رواية". لجنة غولدستون تبني هذه الرواية مرحلة بعد اخرى.

وبالفعل تبدأ الرواية في البند 27 تحت عنوان الحصار. اسرائيل وفقا لهذا البند فرضت حصارا. كيف بدأ ذلك؟ هل كانت هناك الاف الصواريخ؟ هل كانت هناك سيطرة عسكرية من حماس على القطاع خلال تنفيذ المجزرة ضد العشرات وربما المئات من الفلسطينيين؟ ليست هناك كلمة واحدة في الحكاية الافتتاحية. وليست هناك كلمة حول الارهاب الداخلي الذي مارسته حماس ضد فلسطينيين بسطاء.

اثر "الحصار" يقول غولدستون، "تم تقليص المناطق الصناعية". هذا نموذج مذهل لتطوع اللجنة من اجل خدمة صناعة الكذب. والقول بان الفلسطينيين قد عملوا على اقامة مصانع قبل "الحصار". المشكلة تكمن في ان حماس اختارت مادة خامة واحدة فقط وهي المواد الناسفة والصناعة هناك في حالة ازدهار. ينتجون الصواريخ. "من اجل الشعب الفلسطيني" كما ادعى فتحي حماد عضو البرلمان عن حماس، "الموت هو الصناعة". هذا يظهر حتى في البند 475 من التقرير. ولكن غولدستون محامي الشيطان يصر على اتهام اسرائيل. كذب اللجنة يكرر نفسه عندما تقوم بابراز صورة وهمية حول العدوانية الاسرائيلية الثابتة. اسرائيل ووفقا للبند 29 شرعت في عملية "الرصاص المصهور". في هذه المرحلة لا يذكرون كلمة حول الصواريخ. بنفس الطريقة تقريبا تحدثنا اللجنة في البند 193 بان اسرائيل هي التي شرعت في عملية السور الواقي متسببة بقتل مئات الفلسطينيين. وهنا نجد العجب العجاب حيث لا تذكر كلمة واحدة حول سلسلة العمليات الارهابية في المقاهي والمطاعم والحافلات. ليست هناك كلمة واحدة حول مذبحة عشاء عيد الفصح في فندق باراك في نتانيا حيث قتل اكثر من 30  اسرائيليا – تلك المجزرة التي كسرت سياسة ضبط النفس الطويلة واجبرت اسرائيل على الخروج للعملية.

في البند 30 يظهر عدد القتلى الفلسطينيين بالمقارنة مع الاسرائيليين. التناسب هنا هو الذي يعطينا النتيجة. عدد كبير جدا من الفلسطينيين وعدد قليل جدا من الاسرائيليين. وفقا لهذا المنطق يكون الناتو قد نفذ جرائم حرب في قصف يوغسلافيا في 99 لان النتائج كانت مشابهة لتلك التي توصلنا اليها في غزة: اكثر من الف قتيل ليوغسلافيا واغلبيتهم من المدنيين من دون اية خسارة في قوات الناتو. نفس الشيء في افغانستان. فهل يحول ذلك دول حلف الناتو الى مجرمي حرب؟ الباكستان سعت الى ازالة مئات مقاتلي الطالبان والقضاء عليهم فتسببت في قتل الالاف وتهجير الملايين. نفس الشيء في لبنان عندما اضطر لمقاتلة مئات قليلة من فتح الاسلام. مخيم لاجئين بأكمله في نهر البارد دمر وقتل المئات بينما تحول عشرات الالاف الى لاجئين. العالم يفهم قضية التناسب بالمواجهة مع الارهابيين الذين ينتشرون بين المدنيين.ولكن عندما يصل غولدستون الى اسرائيل يرفض فهم ذلك رغم ان تهديد حماس على اسرائيل اكبر من تهديد الطالبان على اوروبا او فتح الاسلام على لبنان. غولدستون يعرف ساحات المعركة الجديدة الا انه يتجاهلها. لان الهدف كان تشويه صورة اسرائيل ولذلك توجب عليه ان يكذب وان يضلل.

كيف يتم اعفاء حماس من المسؤولية عن الجرائم الصعبة؟ تقرير غولدستون يقتبس مئات الدراسات التي قامت بها جهات اخرى. احدى هذه الجهات المقتبسة هي منظمة العفو الدولية طبعا التي اصدرت تقارير معادية كثيرة جدا ضد اسرائيل. تم اقتباس هؤلاء بتوسع. ولكن كان هناك تقرير اخر لامنستي نشر في 21 شباط 2009. التقرير المفاجىء يقوم بذكر سلسلة من الاحداث التي قامت فيها حماس بتصفية عشرات عناصر فتح خلال ايام عملية "الرصاص المصهور" في غزة تحديدا. وفي الواقع يتضح ان حماس خلال الحرب قتلت فلسطينيين اكثر من الاسرائيليين. واليكم المفاجأة: ليس لهذا التقرير اي ذكر في تقرير غولدستون من بين كل التقارير المذكورة. هناك ذكر للتعرض لعناصر فتح (في البند 80 مثلا) ولكن مع جهد بارز للتقليل من أهمية المسألة. من الممكن الاستمرار بندا بعد اخر وحدثا بعد اخر بكشف ستار التضليل والكذب. والمجال لا يتسع هنا لكشف مسيرة الكذب هذه المسماة "تقرير غولدستون" هناك امثلة قليلة حول الطريقة المستخدمة. هذا التقرير جدير بدراسة معمقة. وعلى دولة اسرائيل ان تشكل لجنة تحقيق برئاسة قانونيين من الدرجة الاولة من اسرائيل والعالم من اجل تفحص ادعاءات غولدستون بندا بعد اخر ودحض هذه الفرية. ولكن هناك من الان بنية تحتية جدية للقول بأن ريتشارد غولدستون قد نفذ مهمة الخداع والتضليل. غولدستون هو مجرم يختبىء تحت مظلة حقوق الانسان. من اجل حقوق الانسان يتوجب كشف النقاب عنه وعن اكاذيبه. والحقيقة يجب ان تخرج الى النور.