خبر قطرات مياه على نافذة مأطومة..هآرتس

الساعة 09:01 ص|25 سبتمبر 2009

بقلم: الوف بن

براك اوباما فشل في قمة نيويورك كونه تحدث الى فضاء فارغ. دعوته لانهاء النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني بدت في القدس وفي رام الله، في تل أبيب وفي الخليل، كقطرات مطر تنساب على نافذة مأطومة. الرئيس الامريكي تحدث عن الاهمية الحرجة "لحل هذه القضية"، حين كان يجلس أمامه بنيامين نتنياهو ومحمود عباس بانعدام رغبة ظاهرة، ولم ينجح في اختراق جدران اللا مبالاة، انعدام الثقة وخيبة أمل الشعبين اللذين لا يعرفان سبيل حياة آخر غير النزاع الوطني.

أكثر من زعماء آخرين، على اوباما ان يعرف ان الثورات تحتاج الى جنود، الى اناس يرفعون العلم ويحدثون التغيير. وقد انتخب الى الرئاسة لان دعوته الى التغيير اثارت حماسة ملايين الامريكيين الذين آمنوا به وساروا وراءه. هذا لم يحصل له في الشرق الاوسط. هنا اوباما يعتبر كلجوج مزعج يكرر الشعارات من عهود أسلافه، وليس كثوري مثير للحماسة. ليس لديه جنود وليس لديه مؤمنون، وهذا ما يسمح لرئيس وزراء اسرائيل ولرئيس السلطة الفلسطينية بابعاده عنهما وتسويف الوقت بمناورات استنزاف وتبادل اتهامات.

ادعاء اوباما بان حل النزاع ممكن، مهم وعاجل غير مقبول من معظم الاسرائيليين. اوباما لم ينجح في أن يجند حتى ولو مؤيد واحد في الساحة العامة او في الساحة السياسية في اسرائيل ليقف امام نتنياهو ويدعوه الى قبول مبادرة الرئيس والاندفاع الى الامام نحو "حل الدولتين". الاسرائيليون لا يعتقدون بان اقامة دولة ابو مازن ستحسن وضعهم في شيء. لفكرة التقسيم لا يوجد اليوم الكثير من المؤيدين. اليسار العميق، الايديولوجي يكافح ضد الجيش الاسرائيلي باسم النزعة السلمية، ويسعى الى دولة ثنائية القومية باسم المساواة والليبرالية. اما اليمين فيسعى الى دولة ثنائية القومية باسم وحدة البلاد، تحقيق الوعد التوراتي والامن الذي تمنحه التلال المشرفة.

الوسط السياسي الاسرائيلي، الذي يمتد من ليمور لفنات وجدعون ساعر عبر تسيبي لفني وشاؤول موفاز، وحتى شمعون بيرس وايهود باراك، يؤيد ظاهرا التقسيم، اما عمليا فيقبل تقدير نتنياهو وأفيغدور ليبرمان بان حل النزاع ليس ممكنا، وان العرب لن يعترفوا ابدا بالدولة اليهودية، وان الاستراتيجية الوحيدة لاسرائيل هي الردع المسنود باستخدام القوة. اوباما تحدث أول امس في الجمعية العمومية للامم المتحدة عن الطفلة من سديروت التي تذهب الى النوم وهي خائفة من رعب صاروخ يقتلها في الليل. قلقه يمس شغاف القلب، ولكن معظم الاسرائيليين يؤمنون بان حملة "رصاص مصهور" هدأت روع أطفال سديروت اكثر بكثير من المسيرة السلمية التي يقترحها اوباما. وهم يؤمنون بان الرد على الصواريخ هو القصف على غزة، وليس الاتفاقات مع ابو مازن.

الهدوء الامني في الاشهر الاخيرة يوهن الاهتمام الذي يبده الجمهور الاسرائيلي بمشاكل الخارجية والامن. الاستطلاعات التي يقرأها نتنياهو تشير الى ميل واضح: معظم الاسرائيليين قلقون اليوم من المشاكل الداخلية، من التعليم ومن العنف، اكثر بكثير مما من المستوطنات وحتى من التهديد الايراني. الجمهور يريد أن تحسن الحكومة جودة حياته، وليس مؤتمرات سلام اخرى. ابو مازن يعتبر رافضا، ولي شريكا للتسوية.

شيء واحد فقط يقلق الاسرائيليين حسب الاستطلاعات: التخوف من الحظر السياسي والمقاطعة الدولية. تقرير غولدستون والمحكمة الدولية في لاهاي يثيران قلقا واهتماما أكثر بكثير من خطابات السلام لاوباما. ولكن طالما كانت العلاقات مع العالم على ما يرام، فليس هناك ما يدعو الى الخروج عن اللا مبالاة والانصات الى الرئيس الامريكي. الحجة القديمة لليسار، في أن التعليم والامن الشخصي لن يتحسنا الا اذا تخلصنا من المستوطنات ومن الاحتلال، لا تقنع الجمهور الاسرائيلي. حجة اليمين في أننا عندما خرجنا من غزة ساء الوضع الداخلي فقط، مقبولة اكثر.

القيادة وليس التنفيس

اوباما لا يثير حماسة الفلسطينيين ايضا. وعوده بحث حل الدولتين يستقبل بانعدام ثقة. استطلاع نشره هذا الاسبوع "المعهد الدولي للسلام" برئاسة تريه لارسون، الوسيط السابق من اتفاقات اوسلو، اظهر ان 70 في المائة من الفلسطينيين لا يؤيدون اوباما. 56 في المائة قالوا ان اوباما لن يحقق تقدما لاقامة فلسطين المستقلة. وهذا في استطلاع أغلبية المستطلعين فيه اعربوا عن تأييدهم لعباس وليس لحماس.

أوباما محق بقوله ان النجاح منوط بالاحساس بالالحاح. ولكن الاسرائيليين والفلسطينيين لا يشعرون بالالحاح، واوباما لا يقنعهم بانهم مخطئون. اوباما عبر عن خيبة أمله على مسمع نتنياهو وعباس، بالتوبيخ العلني وبمحادثاته المغلقة معهما، وقرر جدولا زمنيا عاجلا للمحادثات على استئناف المفاوضات. مظاهر خيبة الامل وانعدام الصبر لديه تعبر عن تقدير صادق للواقع، ولكن رئيس القوة العظمى انتخب كي يقود، لا ان ينفس او ان يتنافس معنا، نحن المحللين.

ومن أجل القيادة، فان عليه أن يخط طريقا واضحا  بحيث يفهمه كل واحد في اسرائيل وفي المناطق ويكون بوسعه أن يؤيده. في هذا الاختبار فشل اوباما حتى الان. هبوطه في الاستطلاعات وفقدانه الهالة المسيحانية، التي تمتع بها مع انتخابه، نبع من غموض وتعقيد الرسائل لدرجة ضياع النية. كان من الصعب التماثل مع "التغيير" ومع "نعم، نستطيع" من عهد الحملة الانتخابية، ولكن ليس مع الصيغ المركبة التي عرضها اوباما في خطته في المجال الصحي، او مع الاهداف غير الواضحة للحرب في الغانستان.

المبادىء التي عرضها اوباما لحل النزاع في الشرق الاوسط، في القمة الثلاثية يوم الثلاثاء وفي خطابه أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة في اليوم التالي، لم تتطلب ذكاءا خاصا: فقد بدت وكأنها "اقطع والصق" لتصريحات سلفه، جورج بوش. وقد عانت من المرض العضال لمبادرات السلام الامريكية في المنطقة، "الغموض البناء"، على حد تعبير هنري كيسنجر. وبدلا من اقتراح حلول عملية لمشاكل حقيقية، يتحدثون بالشعارات التي تظهر كمرضية لمطالب الطرفين الخصمين. هكذا امريكا تبقى في الوسط، وتظهر المبالاة والتدخل بالحد الادنى من المخاطرة او الثمن السياسي.

بدون مضمون

وهاكم مثالان. اوباما قال – في أعقاب بوش – بان الدولة الفلسطينية ستؤدي الى "انهاء الاحتلال الذي بدأ في 1967". في اللحظة الاولى يبدو هذا كشعار اليسار الاسرائيلي، "كفى للاحتلال"، وكرد مناسب لتطلعات الفلسطينيين. نتنياهو ورفاقه من اليمين، الذين يرفضون بشكل عام الادعاء بانه يوجد احتلال، يفترض بهم ان يغضبوا وان يشعروا بالاهانة. ولكن ليس لديهم أي داع للانفعال، إذ ان الصيغة الامريكية لا تقول في واقع الامر أي شيء. فهي لا تدعي بان الاحتلال ليس على ما يرام او ليس مناسبا، بل فقط انه سينتهي من تلقاء ذاته اذا ما قامت دولة فلسطينية في حدود ما. هذا يبقي مساحة هائلة للمرونة الاقليمية والاجرائية، دون عرض حل حقا.

اوباما، "شدد"، على تعبيره على أن امريكا "لا تقبل بشرعية استمرار المستوطنات". لا شك ان مثل هذا القول لن يحقق له مؤيدين في مجلس "يشع" للمستوطنين او في خيمة الاحتجاج لليمين، ولكنه فارغ من المضمون ومشوش بالضبط مثل احاديثه عن انهاء الاحتلال. يمكن ان يفهم منه مثلا ان الولايات المتحدة تقبل شرعية المستوطنات التي بنيت حتى الان. كما ليس واضحا ما هو معنى "انعدام الشرعية". هل هذا يعني أنه ينبغي حل المستوطنات؟ عدم اضافة المنازل لها؟ ان المستوطنين اناس أشرار؟ أم ان الرئيس الامريكي بالاجمال يريد لمعارضته للاستيطان ان تسجل في البروتوكول دون أن يدخل في شقاق مع اسرائيل ومع مؤيديها في امريكا؟

في صيغه الغامضة، يعترف اوباما بان ليس لديه فكرة عن كيفية حل النزاع، ولا يوجد غطاء لادعائه بان الحل ممكن. الخطوات العملية التي عرضها تعزز الاشتباه بان ليس لديه حقا ما يقترحه. اوباما تخلى عن "الخطوات البانية للثقة" التي أمل في ان يحققها – تجميد المستوطنات مقابل طيران العال في سماء السعودية وفتح ممثليات اسرائيلية في دول الخليج – ويدعو الان الاطراف الى استئناف المفاوضات في اسرع وقت ممكن "بدون شروط مسبقة".

نتنياهو يرى في ذلك انتصارا: البناء في المستوطنات سيستمر، واسرائيل ستدخل في المحادثات دون أن تضمن شيئا للفلسطينيين. لا خطر على سلامة الائتلاف وعلى وحدة الليكود. اوباما ايضا قزم مخاطرته السياسية حين كلف بدفع المفاوضات الى الامام خصمته، وزير الخارجية هيلاري كلينتون. وها هي طريق ناعمة لالقاء تبعة الفشل المتوقع عليها والمس بفرصها للمنافسة المتكررة ضد اوباما.

وهناك من يدعي بان اوباما ببساطة اخطأ باطلاق الدعوات الى القمة. تصوروا ماذا كان سيحصل في الرأي العام الاسرائيلي، كما قال هذا الاسبوع مستشار سياسي قديم، لو أننا بدلا من عباس رأينا الى جانب نتنياهو بشار الاسد.