خبر المشروع الصهيوني فـي ذروته .. الياس سحاب

الساعة 08:28 م|24 سبتمبر 2009

المشروع الصهيوني فـي ذروته ..

الياس سحاب ـ السفير 24/9/2009

كتبتُ هذه الأسطر قبل يوم من انعقاد القمة الثلاثية اوباما ـ نتنياهو ـ عباس، لكنها من ذلك النوع من القمم التي تسمح لك بقراءة واضحة لحصيلتها قبل انعقادها، كما بعده.

فحتى قبل انعقاد القمة بأيام، تورط رئيس السلطة الفلسطينية بتصريح سياسي، كان من المؤكد وهو يدلي به بنبرة واثقة، انه أعجز من تنفيذ محتواه، وأنه ذاهب حتماً الى فعل عكس ما يصرح به. ذلك بعدما ظل لأيام عديدة يؤكد انه غير ذاهب الى القمة الثلاثية اذا لم يصدر قرار إسرائيلي بتجميد ولو جزئي ومؤقت للاستيطان.

الذي حدث، أن مناورات نتنياهو ظلت تلف وتدور حول موضوع الاستيطان، لكن الوضع بقي على حاله، بل أسوأ من ذي قبل، بعد اتخاذ الحكومة الإسرائيلية القرار ببناء مستوطنات جديدة، وباعتبار القدس والمنطقة المحيطة بها، خارج الموضوع تماماً، في تناقض مع ما تصرح به الإدارة الأميركية، والسلطة الفلسطينية.

ومع ذلك، ظل مؤتمر القمة الثلاثي العتيد مندفعاً نحو الانعقاد، كأن الإنجازات الإيجابية على طريق التسوية تحيط به من كل حدب وصوب، فانعقدت القمة، وهي تبدو حتى من قبل انعقادها، بين رابحيْن وخاسر.

الرابح الأول هو نتنياهو، المعبر عن اقصى حالات التطرف في إسرائيل، في تصريحاته كما في حركته العملية على ارض فلسطين المحتلة. فقد تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، رغم كل ما بذلته الإدارة الاميركية من جهود عبر المندوب الخاص للرئيس اوباما، ورغم تصريحات وتهديدات رئيس السلطة الفلسطينية، من المحافظة على نبرة تصريحاته المتطرفة، وعلى وتيرة حركة الاستعمار في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس، واثقاً من أن حاجة الطرفين الآخرين في مؤتمر القمة الى انعقاده، اكثر من حاجته. وهذا ما سارت اليه الامور حرفياً.

الرابح الثاني، وإن بدرجة أقل، كان الرئيس اوباما. مع ان مبعوثه الشخصي سجل فشلاً ذريعاً كان من السهل التنبؤ به منذ البداية، ليس لأن واشنطن لا تستطيع الضغط على اسرائيل، بل لأنها لا تريد ذلك. وهكذا، فإن حاجة الادارة الاميركية لمؤتمر القمة الثلاثي، كانت منذ البداية حاجة شكلية، لا علاقة لها البتة بتسجيل اي نجاح في مجال تجميد الاستيطان. كان المقصود منذ البداية، جر رئيس السلطة الفلسطينية الى هذه القمة الثلاثية، حتى من دون تسجيل أي خطوة الى الامام، لمجرد القول إن رأس الهرم في الامبراطورية الاميركية، ما زال قادراً على استدعاء من يشاء للاجتماع به متى شاء، ومن غير أي إنجاز سياسي يبرر ذلك الاجتماع. وهذا ما تم حرفياً.

أما الخاسر الوحيد، فقد كان بشكل واضح، بل فاضح، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي لم تشفع له التفسيرات التي تبرع بها رئيس دائرة المفاوضات، صائب عريقات، مدعياً قوة وهمية للطرف الفلسطيني، عندما اكد انه ذاهب الى اجتماع عادي، وليس الى مواصلة المفاوضات.

ان نظرة شاملة الى الوضع الراهن للقضية الفلسطينية، على ارض فلسطين اولاً، ثم في محيطها العربي ثانياً، ثم في المحافل الدولية ثالثاً، وخاصة تلك التي تعقد تحالفات استراتيجية مع إسرائيل، تؤكد لنا ان المشروع الصهيوني الذي ولد في نهاية القرن التاسع عشر، وارتبط باستعمار مباشر لفلسطين في مطلع القرن العشرين، يعيش حالياً أعلى ذروة وصل اليها:

ـ فهو يسيطر عملياً على كامل تراب فلسطين التاريخية، سيطرة ضمت أقسامها الغربية في حرب 1948، واستولت على أقسامها الشرقية في حرب 1967، ونجحت في تحويل الاحتلال الى وضع دائم (42 عاماً حتى اليوم) تجري في إطاره عملية تهويد كامل للأرض المحتلة، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بأسره.

ـ الحركة السياسية المعبرة عن شعب فلسطين، وصلت الى أدنى دركات التمزق والجمود وانعدام الوزن، كما وصل التكوين الاجتماعي لفئات شعب فلسطين الى أسوأ حالات التمزق والتشتت.

ـ نجحت قيادة المشروع الصهيوني في عقد اتفاقيات سياسية مع اكبر دولة عربية، ثم الدولة العربية صاحبة أطول حدود مع فلسطين، وأخرجتهما عملياً من الصراع، كما بدأت تخوض غمار عمليات تطبيع في شتى الميادين مع عدد من الدول العربية، حتى اصبح النظام العربي الرسمي عملياً، على هامش الصراع التاريخي مع المشروع الصهيوني، ان لم يكن خارجه.

ـ مع أن كثيراً من المجتمعات المدنية في قارتي اميركا وأوروبا، قد بدأت تظهر فيها تحركات واعية للطبيعة العنصرية للمشروع الصهيوني، فما زالت الأنظمة الرسمية في القارتين، تتعامل مع إسرائيل، كأن المساس بالمشروع الصهيوني، هو مساس بأمن الكرة الارضية.

إن هذه الذروة غير المسبوقة التي وصل اليها المشروع الصهيوني في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، اصبحت تضع القضية الفلسطينية للمرة الاولى تاريخياً أمام احتمال خطر التصفية النهائية، حتى لو تم ذلك على شكل دويلة فلسطينية تابعة للمشروع الصهيوني ومكملة له، الأمر الذي يستدعي اول ما يستدعي، استعادة حركة الشعب الفلسطيني بكل فئاته، وحدتها اولاً ثم حيويتها التاريخية، في تحرك استراتيجي جديد، يتجاوز نهائياً وكلياً مرحلة اتفاقيات اوسلو، التي كانت السلم الذي ارتقته الحركة الصهيونية الى الذروة التاريخية التي تقف فيها اليوم.