خبر الحرب التي لم تنقض.. يديعوت

الساعة 11:56 ص|24 سبتمبر 2009

بقلم: اريئلا رينغل هوفمان

في الخامس من كانون الاول 1973 لحظت قوة مظليين، مكثت في كمين على ضفاف البحيرة المرة، جماعة صغيرة من الجنود المصريين في قارب مطاطي على وجه الماء. انتظر الجنود بهدوء، وعندما وصل المصريون الشاطىء اطلقوا النار وقتلوهم جميعا. وجد على جثة واحد منهم يوميات مكتوبة بخط مرصوص جميل. ترجم جندي احتياط يتحدث العربية، خريج قسم الاستشراق في الجامعة العربية، هذه اليوميات.

في الثالث والعشرين من تموز 1973 كتب الجندي محمد ناده، الذي كان كما يبدو رجلا مصريا من الضفادع: "اليوم، بعد اربع سنوات خدمة، انهيت دورة غطس. ما الذي يتوقع لي بعد اربع سنوات خدمة؟ يتوقع ان اسرح ولم تؤهلني الحكومة لأي عمل". وكتب في الاول من آب: "لا اعلم لماذا أحب البحر. البحر قاس، لكنني عندما أسمع أمواجه أمتلىء فرحا. كل شيء يشبه أنشودة كبيرة... قبل تجنيدي للجيش كنت شابا عاطفيا بلا خبرة، يخاف المس بعصفور او ان يخطف زهرة... كنت أنظر الى الحياة نظري الى فيلم سينما فيه أناس وأوضاع تمر وتجري ازاء ناظري المتفرج".

وكتب في السادس من تشرين الاول، يوم نشوب المعارك: "أكتب هذه الاوراق على أرض سيناء وازائي دبابة للعدو. وصلنا سيناء من طريق القناة. عبرنا في الساعة الثانية والنصف. جلسنا على الارض ونحن ننتظر التقدم والهجوم. توجد خسائر، الدبابة الاولى التي انفجرت كانت لي. لينصرنا الله". في السابع من تشرين الاول يندب صديقا قتل الى جنبه، اعتاد ان يصيد معه في بحيرة الاسكندرية: "بدأت أفكر في البيت، في أمي، في العائلة كلها وأتخيل ماذا يحدث اذا مت. ماذا تساوي الحياة ها هنا في جحيم سيناء؟ أنا أكره الحرب، لكنني في الوقت نفسه مستعد للتضحية بحياتي".

بعد ذلك أتت الهدنة. "لماذا نموت ويقتل بعضنا بعض؟ لماذا يحاربنا اليهود، على أرضنا ويريدون أخذها منا؟ يجب أن يكون لذلك سبب". في الليل يتأمل الكواكب، ويفكر في القاهرة ويتذكر حبيبته: "أحتاج سنين طويلة لأنسى حبي لنورا".

في الايام الاخيرة قبل أن يركب ذلك القارب الصغير الذي حاول أن يقطع البحيرة، كتب كم هي صعبة الايام، والبرد الفظيع، والجوع على أثر الحصار الاسرائيلي. "أقام لي خفاجي حفلة عيد ميلاد. أتى بصندوق فارغ من الكوكا كولا، ووضع قطعة ورق في كل زجاجة، وغمسها بالنفط وأشعلها. كانت أربع وعشرون زجاجة. أربع وعشرون شمعة... في الليل حلمت كيف أعود الى مدينتي ويجري أبي نحوي برغم أنه يعاني ألم رجليه منذ سنين. انفجرت بالبكاء. علمت أنه يجب ان أحارب هذه الافكار التي هي أخطر سلاح في يد العدو".

"كل ما أعرف قوله الان"، يكتب في الصفحة الاخيرة، في نهاية اليوميات، قبل بضعة أيام من اطلاق النار عليه وقتله، "هو: أمعك سيجارة؟ أمعك ماء؟ هل ستأتي قوة الأمم المتحدة؟ متى نموت؟".

اختار يوسي بلوم – هليفي الذي كان محاربا في قوات الصاعقة البحرية ومظليا هذا النص لينهي أو ليكاد ينهي كتاب "التقدس" – ذكريات من حرب يوم الغفران الذي كتبه في 1999 قبل عشر سنين بالضبط. نحو من 600 صفحة تحقيق مشحونة بالتفصيلات التي تبدأ بالاخفاق الكبير، بصياغته، وتنتهي بما يدعوه "التقدس" – التحول في الحرب.

وفي كل مرة أقرأ فيها هذه المقاطع، وطلبه في نهاية اليوميات أن تنقل اذا مات الى أبيه محمد محمود ناده في الاسكندرية، في حي لطف، شارع عادل خيري، حانوت السيد جعبر، بائع البراميل، لا استطيع الا افكر انه لولا ان وقع في نهايته اسم محمد، لكان من الممكن بتغيير طفيف للصياغة ان يكون موقعا باسم اوري او ليئور او يهوشع او شخص اخر من جميع الموتى في تلك الحرب – حرب يوم الغفران التي انتهت قبل 36 سنة وما تزال ها هنا. لنرى كم تتشابه الاحلام، وكم تتشابه الآمال، وكيف يوجد للحزن الوجه نفسه.