خبر عندما تدوي المدافع يصمت الاحتجاج.. هآرتس

الساعة 11:06 ص|22 سبتمبر 2009

بقلم: عكيفا الدار

"نحن نتحدث عن وقت الحرب وكل حدث يمس بمعنويات الشعب" – هذه العبارة ليست مستخرجة من مخطوطات يمينية وانما قيلت خلال عملية "الرصاص المصهور" على لسان ممثل لشرطة اسرائيل اراد اقناع محكمة الصلح في تل ابيب بابعاد مواطنين تظاهروا ضد الحرب عن المدينة. في ذلك الوقت تقريبا وخلال نقاش في محكمة الصلح في حيفا حول تمديد اعتقال احداث صغار اطلق القاضي موشيه جلعاد التصريح التالي: "من يسمح بقول امور ضد الدولة ومؤيدة لمعارضيها حتى في الوقت الذي يقوم هؤلاء برشق مواطنيها بالصواريخ، ملزم بالانصياع لقوانينها ومن المحظور عليه بالتأكيد ان يتعرض لعناصر الشرطة الراغبين في فرض النظام. هذا الامر يشبه ذلك الانسان الذي يبصق في البئر الذي يشرب منه".

هذه مقتطفات من الدرر الذي تزين تقرير منظمة عدالة الجديد بعنوان "احتجاج محظور : تقييد حرية التعبير لمعارضي الهجمة العسكرية على غزة من قبل السلطات المسؤولة عن تنفيذ القانون". معدات هذه الوثيقة التي تنشر هنا لاول مرة المحامية عبير بكر ورنا عسلي قامتا بتحليل وتمشيط مئات قرارات الحكم وطلبات الاعتقال خلال اشهر طويلة. هن قمن بجمع الشهادات من عشرات نشطاء حقوق الانسان الذين اعتقلوا وتعرضوا للتهديد ابان الهجمة على غزة ووثقتا سلوك المؤسسة الاكاديمية الاسرائيلية خلال اختبار الشتاء الماضي.

الاعتقال حتى النهاية

وثيقة عدالة استكملت قبل ايام قلائل من نشر تقرير غولدستون. هي ترسخ الحقائق وتعمق الانتقادات الموجهة للمس بحرية التعبير وعدم تحمل الخطوات الاحتجاجية بالاساس ان صدرت عن المواطنين العرب، ضد الهجمة الوحشية على السكان المدنيين في قطاع غزة. التقرير يشير الى ان الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون لم تستفد من عبرة احداث اكتوبر 2000 ولم تستوعب توصيات لجنة أور.

خلال الفترة التي عكفت فيها الباحثتان على اعداد تقريرهن نشر في وسائل الاعلام بأن رئيس الدولة شمعون بيرس قد قبل توصية وزير العدل السابق دانيال فريدمان باصدار عفو عن 59 مواطنا نفذوا مخالفات جنائية احتجاجا على عملية فك الارتباط في آب 2005. الرئيس صرح حينئذ ان العفو صدر من خلال التفهم لاحتجاج الشبان وان هذا كان حدثا تاريخيا استثنائيا وغير عادي.

المتظاهرون العرب (وثلة من اليهود) الذين احتجوا ضد احداث دموية حصدت ارواح المئات من ابناء شعبهم – لم يحظوا حتى بالقليل من مظاهر التفهم هذه التي ابداها بيرس. "كل قرارات المحاكم التي راجعناها اظهرت امتناع الهيئات القضائية المختلفة عن ذكر سبب الغضب الشعبي الذي كان لدى معارضي الحرب ودفعهم للخروج الى الشوارع" كتبت الباحثتان، "مئات القتلى والجرحى والدمار الذي الحقه الجيش الاسرائيلي بسكان غزة لم تذكر بالمرة في اي قرار من قرارات تمديد الاعتقال. المعتقلون اظهروا بصفتهم مخالفين للقانون وجناة يتوجب التشدد باصدار الحكم عليهم بسبب الوضع المزعوم بمعزل عن السياق السياسي الذي صدر فيه احتجاجهم".

الحشد من اجل الحرب لم يتوقف عند الاجهزة القضائية الدنيا. محكمة العدل العليا قبلت استئنافات الدولة فقط من بين سبعة استئنافات بصدد الاعتقال حتى انتهاء الاجراءات القضائية – ورفضت كل الاستئنافات التي قدمت من قبل المعتقلين انفسهم. قاضي المحكمة العليا آشر غورنيس وقع على قرار بصدد اعتقال فتى صغير حتى انتهاء الاجراءات القضائية بالكلمات التالية: "تغيير الاوقات والظروف طبعا سيؤدي الى اعادة النظر في قضية الاعتقال". ومن اجل ازالة الشك اكد قائلا: عندما اقول تغيير الظروف فانا اقصد انهاء العملية العسكرية في قطاع غزة وانخفاض عدد اعمال الشغب في اطار اللواء الشمالي".

الباحثتان تذكران بأن محك تغيير الظروف تمخض عن فصل بين قضية الاعتقال حتى انتهاء الاجراءات والاعتبارات بصدد المتهم ذاته – وركز نتائج الاجراءات القضائية على سلوك الجماعة وليس على سلوك الفرد. هما تذكران بأن قضية الاعتقالات جاءت لتوفير أدوات موحدة بصدد نجاعة حرمان انسان من حريته ولا تفصل بين فترة الحرب وفترة السلام.

الباحثتان من عدالة استدلتا من النسبة العالية للمعتقلين حتى انتهاء الاجراءات، بأن الاعتقال تحول في ايام الحرب الى هدف بحد ذاته. الشرطة والنيابة العامة رفضتا بشدة تدارس امكانية اطلاق سراح المعتقلين او الاكتفاء بشروط مقيدة حتى عندما تعلق الامر باحداث صغار من تلاميذ المدرسة. ممثلو الدولة اكدوا في الواقع على ان هدف الاعتقالات هو "توجيه رسالة رادعة للجمهور عموما ولجمهور المشاغبين خصوصا". في نقاش اخر حول تمديد الاعتقال اعترفوا بان الامر يهدف الى "ردع اولئك المشاغبين بالقوة واعتقالهم حتى انتهاء الاجراءات القضائية ايضا من اجل ارسال رسالة للجمهور بأن سلوكا كهذا لا يغفر". هذه الامور قيلت في طلب اعتقال غير مدعوم – حسب قول المحكمة – لكل الحقائق والادلة المطلوبة. بصورة هزلية بعض الشيء عادت الشرطة واعتبرت الاحداث الاحتجاجية ضد الحرب "خرقا للسلام". الميل السائد في العالم بما في ذلك اسرائيل ، هو اخراج الصغار والاحداث من الاجراءات القضائية الجنائية الرسمية وتفضيل اجراءات بديلة تعبر بصورة وفية عن احتياجات هؤلاء الاحداث ورفاههم. رغم ذلك وخلال العملية قبع مئات الاحداث طوال اسابيع وراء القضبان منتظرين محاكمتهم. التمعن في بعض القرارات بصدد الاعتقال لفترة محددة يشير الى الطريقة التي ضخمت فيها الشرطة التهم المنسوبة للمشبوهين حتى تمدد اعتقالهم.

على سبيل المثال في الـ 29 من كانون الاول 2008 وضع على طاولة محكمة الصلح في الخضيرة طلب من الشرطة بتمديد اعتقال مشبوهين لسبعة ايام بتهمة المشاركة في اعمال شغب واعاقة شرطي من اداء وظيفته. ممثل الشرطة ادعى ان المشبوهين اشعلوا اطارات السيارات ورشقوا الشرطة بالحجارة ودعوا الى قتل اليهود. المحكمة امرت باطلاق سراحهم وقالت للشرطة بأن "طلب تمديد الاعتقال ليس قائما على الحقائق ومضخما وانه كان من الافضل ان لا تكتب الامور التي جاءت بالطلب بالمرة".

بدلا من اداء الواجب ضمان تجسيد حرية التعبير بقوة اكبر خلال الفترات العاصفة والخلافية – اختارت الشرطة استخدام قوة التجربة لاسكات الاصوات الاحتجاجية. شهادات كثيرة وصلت لعدالة اشارت الى ظاهرة واسعة لاعتقال اشخاص فقط بسبب وجودهم في منطقة الحدث. اشخاص من دون ماض جنائي اتهموا بارتكاب مخالفات خطيرة وقضوا الليلة في المعتقل وتم اصطيادهم بالاغلال. في ساحات كثيرة جرت فيها مناوبات احتجاجية جاءت الشرطة بقوات معززة وفرقت المتظاهرين بالقوة بذريعة انهم يشاركون في تجمع محظور. الشاهدات تشير بوضوح الى ان كل مناوبات الاحتجاج لم تكن بحاجة لترخيص من الشرطة. في حالات معينة اشترطت الشرطة اطلاق سراح المعتقلين لانهم شاركوا في المناوبات الاحتجاجية، بامتناعهم عن المشاركة في مظاهرات جديدة. تهديدات الشرطة لتفريق الفرق الاحتجاجية القانونية ازدادت حدة عندما وقفت فرق احتجاجية مضادة من اليمين مؤيدة للهجوم على غزة. في هذه الحالات ادعى رجال الشرطة ان تجمهر ثلاثة اشخاص فأكثر هو سبب كاف لتبرير تفريق التجمع باعتباره تجمعا غير قانوني وتحويل كل المشاركين فيه الى مشاغبين محظورين. تفريق المظاهرات تم بصورة عنيفة وتسبب بجراح وكدمات شديدة للمتظاهرين احيانا. والباصات التي كانت متوجهة لساحة الحدث صودرت فاضطر المستأجرون الى العودة على اعقابهم.

الشاباك ساهم هو الاخر بقسطه في اسكات الاصوات الاحتجاجية. الشرطة استدعت المتظاهرين للتحقيق البوليسي ولكن مع وصولهم الى محطة الشرطة اقتيدوا الى محققي الشاباك. نشطاء اخرون قالوا بأن المحققين وجهوا اسئلة سياسية وهددوهم بالملاحقة وتحميلهم مسؤولية كل مخالفة تنفذ خلال المظاهرات. المستشار القضائي للحكومة ساند طريقة التحقيق والتهديدات التي استخدمها الشاباك بذريعة ان هذا الامر يهدف الى تهدئة الخواطر.

وما الذي فعلته المؤسسة الاكاديمية؟

التقرير يتهم الاكاديميين الذين وقفوا جانبا خلال الاحداث الدموية في غزة وضبطوا انفسهم ازاء موجة الاعتقالات الجماعية لنشطاء السلام. محاضرون قلائل فقط تجرأوا على الاحتجاج  العلني ضد الهجمة العسكرية. الاكاديميون الذين احتجوا في الماضي على الاعتقالات الجماعية للمستوطنين الصغار لم يقولوا كلمة واحدة ازاء الشبهات بارتكاب الجيش الاسرائيلي لجرائم حرب لاعتقال جماعي للاحداث الصغار الذين تظاهروا ضد العملية العسكرية. مؤسسات اكاديمية ابرزت من خلال بيانات صحافية تأييدها للحرب ووقفت جانبا عندما تعرض الشاباك والشرطة بالمضايقة للطلاب اليهود والعرب المحتجين ضد الهجوم. جامعة حيفا التي تزخر بالطلاب العرب نشرت في ذروة ايام عملية "الرصاص المصهور" بيانا صادرا عن رئيس الجامعة مفاده: "كخطوة تضامنية مع جنود جيش الدفاع الاسرائيلي الذين يخوضون القتال في غزة ومع سكان الجنوب حولت جامعة حيفا البرج المركزي فيها الى راية للوطن... الجامعة ليست برجا عاجيا وعلاقتها بالمجتمع هي جزء لا يتجزأ من هذه العلاقة. من خلال هذه الخطوة الرمزية تعبر الجامعة عن تقديرها الكبير لسكان الجنوب ووقوفها من وراء جنود الجيش الاسرائيلي".

قرار منهجي في المحاكم

رد الناطق بلسان وزارة العدل: "خلال عملية الرصاص المصهور" سجلت احداث تجمهر وشغب خطيرة على خلفية قومية متطرفة، مصحوبة احيانا بخرق للنظام العام ورشق للحجارة واغلاق للطرقات، مع تشكيل خطورة على حياة الانسان والامن العام، على غرار احداث اكتوبر 2000 سابقا (وان لم يكن بنفس الشدة والحدة). الى جانب مساعي فرض القانون والنظام طولبت النيابة العامة ببذل جهود مكثفة لتطبيق القانون وكبح انتشار الظاهرة. من خلال تطبيق قانون مكثف والاصرار على الاعتقال حتى انتهاء الاجراءات القضائية على اساس ذرائع الاعتقال المعروفة.

"قرارات المحاكم المنهجية منذ ايام اكتوبر 2000 أمرت باعتقال المشاغبين بما فيهم صغار السن المشاركين في اعمال احتجاج على خلفية وطنية متشددة شكلت خطرا على المارة ورجال الامن. المحكمة العليا قررت في اكثر من مرة بأن الشخص يرشق ممثلي القانون بالحجارة او المارة الذين لا ذنب لهم يدل على انه سيشكل خطورة على الامن العام وعلى حياة الانسان. كون هذه الاعمال نابعة من حماس ايديولوجي يضيف الى هذه الخطورة بعدا جديدا يشير الى العمل ذاته. اتساع الظاهرة يؤدي الى الدعم والمساندة من قبل اولئك المشاركين".

"وما ان تحولت الظاهرة الى جزء من النظام اليومي لاولئك المشاغبين، قررت المحكمة بأنه لا يتوجب تجاهل الخطورة الحقيقية على حياة الانسان المتمثلة بذلك. في حالات تم فيها اعتقال الاحداث الصغار وجهت التعليمات للنواب العامين بمطالبة المحاكم تحديد مواعيد قريبة قدر المستطاع لجلسات المحكمة والتطلع لاجراءات سريعة بصدد هذا الملف".

شرطة اسرائيل افادت بأن رد وزارة العدل يعبر عن موقفها في المسائل المذكورة.