خبر أن نكون جنوب افريقيا .. معاريف

الساعة 11:03 ص|22 سبتمبر 2009

بقلم: عوفر شيلح

لقائد فرقة غزة العميد إيال ايزنبرغ، توجد تفسيرات جيدة جدا لما رأته عينا القاضي ريتشارد غولدستون في القطاع. وهو يضرب الامثلة من العالم ويفصل بشكل مقنع الخطوات التي اتخذها الجيش الاسرائيلي قبل كل اصابة لمنزل في اثناء "رصاص مصهور" ولكن غولدستون لم يسبق له ان سمع ايزنبرغ او اي جهة اسرائيلية رسمية اخرى على الاطلاق. اذ ليس لاسرائيل، مثلما قال كيسينجر منذ قبل 30 سنة، سياسة خارجية، بل فقط سياسة داخلية – ونحن لا بد سندفع لقاء ذلك ثمنا باهظا.

لا يمكن لاي امرء معقول ان يتصور ان يمس الجيش الاسرائيلي بالمدنيين عن قصد وتوق في "رصاص مصهور" ولكن غض النظر الجماعي عما نفعله نحن وعن آثاره علينا، والذي يبدأ بالقيادة العمياء وينعكس في وسائل الاعلام المتزلفة تجاه مشاعر الجمهور، يقودنا الى وضع مقلق: منذ اليوم، ان يكون المرء اسرائيليا في العالم ذي الصلة بالنسبة لنا ثقافيا واقتصاديا هو امر أقل لطفا بكثير عما كان في الماضي. بعد بضع سنوات، نحن – الذين في نظر أنفسنا نواصل كوننا الضحية المطلقة – قد تكون الرواية الجديدة للسكان البيض لجنوب افريقيا في عهد الابارتهايد. ولا تقولوا لي ان هذا ظلم، ولا تنشغلوا بمثابرة في البحث عن العلل والدوافع الغريبة لدى المتهمين؛ اسألوا انفسكم ماذا ينبغي عمله لتغيير هذه المسيرة الخطيرة.

ايزينبرغ مثل قائد المنطقة الشمالية غادي ايزينكوت في جبهته، يتحدث بصراحة عن أنه في المرة التالية سيعمل الجيش الاسرائيلي بعنف اكبر، دون القيود التي فرضها على نفسه في "رصاص مصهور" او في حرب لبنان الثانية. هذه السياسة العملياتية والاعلامية تملى من مستويات أعلى بكثير من القادة الميدانيين. وهدفها واضح، وكله تجاه الداخل: بلورة شرعية لدى الجمهور الاسرائيلي، وفي حالة لبنان ايضا خلق تبرير كاذب للفشل – لم ننتصر لاننا كنا ليينين اكثر مما ينغبي. كما ان هذا هو السبيل للتصدي للطبيعة الاشكالية والوحشية للعدو، الذي ينغرس بين السكان المدنيين ويستخدمهم كدرع بشرعي. ولكن القادة الميدانيين، ومن يعطيهم التعليمات يتجاهلون من الاستنتاج الواضح الناشىء عن سياسة اطلاق النار هذه: محظور على اسرائيل ان تدخل في مواجهات لاسابيع حيال اعداء مثل حزب الله وحماس. من يقصف جنوب لبنان او غزة بالنار، سيجد نفسه بعد 34 يوما (مثلما قي 2006) او 23 يوما (مثلما في 2009) حين يعلن العدو عن النصر لمجرد هذا الصمود، والعالم بأسره ينظر الى الدمار الذي الحقه القوي بالضعيف ويضحك "جريمة حرب".

في المواجهة التالية ملزم رئيس الوزراء ان يقوم بالضبط بعكس ما فعله ايهود اولمرت، الذي يدعي بأنهم يظلمونه في محاكمة الحملات العسكرية في ولايته: بدلا من محاولة كسب الوقت للجيش، عليه ان يبلغ القادة العسكريين بأن لديهم زمنا محددا، بضعة ايام وهذا هو. ايهود باراك وغابي اشكنازي ملزمان بأن يفعلا ما ارادا ولم يتجرأا عليه في "رصاص مصهور": ان يشرحا للقائد بأن كل يوم يمر يضعفنا ويلحق بنا الضرر، ولا يكسب لنا وقتا لتعظيم النصر. والمواطن الاسرائيلي، ذاك الذي يسافر في العالم لخوض الاعمال التجارية او للمشاركة في المؤتمرات الاكاديمية او لاستهلاك وانتاج الثقافة، ينبغي ان يفهم بأنه سيدفع الثمن. لن يجديه البكاء على اللاسامية ولن يجديه ادارة الظهر للمتهمين والتظاهر بأنهم غير موجودين. ان نكون جنوب افريقيا هذا ليس مجرد اهانة اخلاقية بل ضرر عملي هائل، اخطر بكثير مما سيوقعه علينا حزب الله او حماس.

اما عندنا، فان السلطة تبث بأن المهم هو فقط اذا كان اوباما سيسمح لنا أن نقصف ايران (وحتى احتمال ذلك صغير حين نكون جنوب افريقيا)، ووزير الخارجية يعلن بأن الغرب اقل اهمية من جنوب امريكا او افريقيا. عندنا، السلطة ونحن نفضل ان نضع ايدينا على العيون وان نفكر بأن الاخرين لا يرونا – وبعد ذلك ان نشعر بالصدمة عندما يقربنا القاضي غولدستون، اليهودي المحب لاسرائيل والذي يقف على رأس لجنة الامم المتحدة خطوة اخرى نحو بريتوريا.