خبر قليل من التناسب..معاريف

الساعة 11:26 ص|18 سبتمبر 2009

بقلم: بن درور يميني

قراءة الصحف في اسرائيل او حول اسرائيل، هي مهمة صعبة. هذا ليس لان العالم الكبير لا يرى الا الجانب السوداوي. نحن ايضا لا نرى بأنفسنا الا السواد. التمعن في صحف اسرائيل خلال السنة الاخيرة مثل السنوات السابقة يظهر اننا الدولة الاكثر فسادا في العالم والاكثر اجرامية وعنصرية وعنفا. الصحف تقوم بواجبها. من المفترض بها ان تكون كلب الحراسة للديمقراطية. على الصحف ان تكشف وتحذر وتظهر الاخفاقات والنواقص وان تكشف الفاسدين وان تنتقد وتنتقد وتنتقد بالتأكيد. ولكن في بعض الاحيان يبدو ان الصحف عندنا مدمنة بعض الشيء على هذا الدور. هناك اسباب لا تنتهي للانتقاد ولكن احيانا يتوجب الاعتراف نحن نتجاوز التناسب والحدود بعض الشيء. من شدة السواد في العينين لم تعد لدينا قدرة على رؤية النور. وهناك نور كهذا وبكمية كبيرة.

كل مجال نلمسه تقريبا نجد ان اسرائيل هي احدى الدول الرائدة فيه. رغم كل الحروب والاجرام والعنف وحوادث الطرق والجهاز الطبي الذي نحب كثيرا تشويه صورته – اسرائيل هي احدى الدول التي يعتبر المدى العمري فيها من الاعلى في العالم. 79 سنة. اسرائيل على مستوى فرنسا واليابان وفيرلندا. ولكن اين مشاكلهم واين مشاكلنا. اين النفقات التي تصرف على الفرد من اجل الصحة واين هي عندنا ورغم ذلك مع ميزانيات اقل بكثير ومع جهاز صحي يشمل كل السكان تصل اسرائيل الى قمة المسيرة العالمية. ولكننا نحب التذمر. ما من شك اننا في المرتبة الاولى في العالم في هذا المجال ايضا.

العام الماضي تميز بسلسلة من المسائل التي تشغل جدول الاعمال الشعبي. الجريمة المتصاعدة وحوادث القتل تسببت بالشعور بان اسرائيل تتحول الى مكان خطير. الاستقبال الذي حظي به التلاميذ القادمون من اثيوبيا في بعض مدارس بيتح تكفا حول اسرائيل الى دولة عنصرية. كما ان التحصيل التعليمي في اسرائيل يثير الاعتزاز. فهل تحولنا الى عالم ثالث فعلا؟ هذا في مجال الفساد ايضا الذي لا يزول من عناوين الصحف. فهل نحن اكثر الامم فسادا؟ نفس الشيء ايضا في مجال الكفاح ضد حماس. تقرير يتلوه تقرير يظهرون اسرائيل بصفتها الدولة الاجرامية فوق الارض.

فهل هذه هي اسرائيل الاكثر سوءا بين الامم ام اننا امام افراط ومبالغة هوجاء؟ من اجل صحتنا النفسية يجدر بنا التحقق من هذه الامور واحدة تلو الاخرى في المجالات الاساسية. ولكن في هذه المرة مع ارقام ومعطيات وليس مع خيالات مبتدعة. الصورة التي ستتكشف ستكون مغايرة وربما حتى معاكسة.

لنبدأ بالعنف. فعلا في الاشهر الاخيرة اجتازت اسرائيل تجربة غير لطيفة لكن هذه التجربة لا تستطيع ان تخفي المعطيات. في اسرائيل سجلت 58 حادثة اجرام لالف شخص. في كندا 75 في المانيا 76 في نيوزيلندا 102 في بريطانيا 104 وفيرلندا 109. بالاضافة الى ذلك اسرائيل موجودة في منحنى هابط. على سبيل المثال قبل ثلاث سنوات كانت النسبة 74 جريمة لالف شخص قد هبطت الى 58. كما ان الارتفاع في احداث القتل في الاشهر الاخيرة لن يغير موقع اسرائيل بصورة جوهرية. في مجال الاغتصاب، هناك في اسرائيل 36 شكوى في السنة حول حدوث اغتصاب او محاولة اغتصاب لكل مائة الف. في السويد ومن اجل المقارنة هناك 46 حادثة اغتصاب في السنة. اي ان اسرائيل مكان اكثر أمنا بناء على ذلك ومن المطمئن التجول في شوارعها.

في امتحانات بي جي للمقارنة اسرائيل موجودة في مرتبة غير جيدة بالمرة. هذه معطيات يتوجب ان تقلق كل اسرائيلي عاقل. ولكن شيئا ما يحدث لاحقا. قبل اسابيع قلائل. وزع المجلس الاوروبي للابحاث مثل عادته في كل عام هبات خاصة للعلماء الشبان. واسرائيل حظيت بانجازات هائلة في اطارها حيث فاز 13 اسرائيليا بالهبة او بالمنحة المنشودة. 13 من بين 300. هذا الرقم يخفي شيئا اكثر اهمية: بريطانيا وصلت الى المرتبة الاولى بعدد الفائزين مع 43 عالما شابا. الا ان عدد سكان بريطانيا 61 مليون اما عدد سكان اسرائيل فهو 7.4 مليون. ولذلك عند التحقق من الانجاز الاسرائيلي بالمقارنة مع عدد سكانها يتضح اننا في المرتبة الاولى في العالم في انتاج العلماء. معهد وايزمن للابحاث مثلا موجود في المرتبة الثانية في عدد العلماء الذين حصلوا على المنح والهبات، هو يسبق مؤسسة راقية كجامعة اكسفورد.

هذا الامر يتمخض عن نكتة غريبة. في الوقت الذي يقوم فيه الكثيرون من الاكاديميين باصدار احكام مدينة لدولة اسرائيل ويحولونها الى الدولة الرهيبة والشريرة الا ان اسرائيل هذه تقوم بانتاج ابحاث وانجازات علمية معتبرة لها وللانسانية. المشكلة هي ان الاوائل يصلون الى العناوين والاواخر يختبئون في الوراء.

لننتقل الى العنصرية. مثلما هو الحال في كل عام كان التلاميذ من اصل اثيوبي في محور الفضيحة التي تتعلق بافتتاح السنة الدراسية. صحيح ان مدارس قليلة رفضت قبول هؤلاء التلاميذ الاثيوبيين الذين يتجاوزون الحصة المتفق عليها الا ان ذلك لن يغير شيئا. الانطباع الناشىء هو وفقا للعناوين ان المجتمع الاسرائيلي عنصري وليس هناك كذب اكبر من ذلك.

لنتحقق من انجازات التلاميذ الاثيوبيين. نسبة الحائزين على امتحان الثانوية العامة من التلاميذ مواليد اسرائيل تبلغ 57 في المائة اما من بين مواليد اثيوبيا فتصل الى 42 في المائة. ليس هناك مجموعة مهاجرين في العالم بالمرة استطاعت الوصول الى انجازات هائلة كهذه خلال فترة زمنية قصيرة مع بدايات صعبة جدا. هذا الامر لم يكن ليحدث في مجتمع عنصري يقوم على التفرقة. وعموما مجموعة القادمين من اثيوبيا هي الاكثر استثمارا في الدولة منذ اقامتها. وهناك شك ان تكون هناك مجموعة مهاجرين في العالم تحظى باستقبال حماسي الى هذا الحد وظروف مذهلة كذلك. صحيح ان هناك بعض مظاهر العنصرية ولكنها استثنائية اما القاعدة فهي القبول الذي يفضي الى الانجازات الهائلة. نحن امام مجموعة وصل الكثيرون من ابنائها الى البلاد وهم لا يعرفون القراءة والكتابة. وخلال جيل واحد وصل 42 في المائة من ابناء هذه الجالية الى امتحان الثانوية العامة. صحيح ان هذه ليست شهادة تمكنهم من الدخول التلقائي الى الجامعة الى ان الايجابيات اكثر من السلبيات وهناك خط ارتفاع في الحصول على امتحان الثانوية العامة. هذه بطاقة شرف للمجتمع الاسرائيلي وليس العكس.

        وزيران في السجن ولوائح اتهام تقدم رئيس ورئيس وزراء الامر الذي يثير الانطباع بأننا في دولة فاسدة. فهل اسرائيل تقود الفساد العالمي فعلا؟ هذا امر بعيد جدا. طوال سنوات كثيرة قالوا لنا ان هناك دولا لا تحدث فيها مثل هذه الامور بكل بساطة كبريطانيا المحترمة مثلا ولكن الواقع مختلف. وربما حتى بالعكس.

قبل اشهر قلائل فقط انفجرت في بريطانيا قضية المبالغ المدفوعة لاعضاء البرلمان. حتى ان بذلت اسرائيل جهدا فلن تصل الى مستويات كهذه من الفساد السياسي الواسع والمنظم تقريبا. من الممكن ايضا ذكر سلسلة قضايا في فرنسا في مجال شركة النفط الوطنية "الف" التي تسببت بادانة رولان دومي وزير الخارجية السابق ورئيس المجلس الدستوري وكذلك بارساله للسجن. ولكن هناك شك ان يكون اولمرت او بنيزري او هيرشزون معا او على انفراد قد وصلوا الى طرف المستوى الذي بلغته الفضيحة الفرنسية. التحقيق جرى ايضا ضد الرئيس الفرنسي بتهمة الرشوة. الا ان القانون يعفيه من الاجراءات القضائية طالما كان رئيسا. من الممكن التحدث ايضا عن الشريك المخالف للقانون للرئيس براك اوباما في شراء بيته في شيكاغو. صفقة غريبة كان من الممكن ان تقطع الفترة الرئاسية من نصفها لو حدثت عندنا. ولكن الامر مر وغفر بطريقة ما في الولايات المتحدة.

نفس الشيء في قضية الاستطلاعات الدولية. ليست فيها اي مقارنة جدية بين دولة ودولة. هذا استطلاع يتحقق من موقف رجال الاعمال في العالم. الاستطلاع يساوي تقريبا الاستطلاعات التي تقول ان دولة اسرائيل هي الدولة الاكثر خطورة للسلام العالمي. هذا ليس جديا هذا هو الانطباع وليس الحقائق.

الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون والادعاء في اسرائيل هي الاقوى في العالم. هناك من يعتقد ان هذا وضع مثالي الا ان القوة مفسدة. قضية القبلة التي قام بها حاييم رامون هي مثال على اساءة الاستخدام وربما عن سوء نية للقوة القانونية الهائلة التي تمتلكها الجهات القانونية.

على اية حال هناك في اسرائيل فساد. ولكن ليس هناك اي دليل على انها الاكثر فسادا من دول غربية اخرى.

في تكرارية ثابتة تصل اسرائيل الى العناوين الدولية كدولة تنفذ بصورة دورية متواصلة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. اسرائيل هي الاكثر اجراما بين الامم. هذه الزاوية كرست بكلمات لا تنتهي من اجل اظهار صناعة الكذب التي تعمل ضد اسرائيل من البيت ومن الخارج. ليس هناك مكان لتكرار كل المقارنات المشبعة بالمعطيات حول التعرض للمدنيين في النزاعات الاخرى بالمقارنة مع عملية "الرصاص المصهور" في غزة. كل عملية تحقق جدية طرحت هنا اوضحت مس اسرائيل بالمدنيين بصورة نسبية ومطلقة اقل من التعرض الذي يحدث بحق هؤلاء المدنيين من قبل القوات الغربية في الصدامات الاقل خطورة. قوات حلف الاطلسي قتلت عددا من المدنيين يفوق عدد الجنود في عملية القصف في يوغسلافيا قبل عشر سنوات. قوات الناتو تقتل عددا اكبر من المدنيين في الصراع ضد طالبان بالمقارنة مع ما تفعله اسرائيل في صراعها ضد حماس. وحماس كما يجب ان نذكر تهدد اسرائيل بدرجة اكبر من تهديد طالبان لاوروبا ورغم ذلك وجهت عشرة انتقادات للعالم تسعة منها خصصت لاسرائيل. الانتقاد مسألة جدية ولكن ليست الانتقادات المغرضة او الاستحواذية. ولان تشويه صورة اسرائيل تحول الى مسألة شاغلة مركزية للكثير من منظمات حقوق الانسان في العالم فان النتيجة قد اصبحت معروفة سلفا.

شيء ما شخصي. عبدكم الوفي يتجول في ارجاء العالم. لديه امكانية للعيش في دول اخرى. يتوجب ان يكون الشخص هناك في تلك الدول الواقعة وراء البحر من اجل الادراك بان الحياة في اسرائيل رغم كل شيء اكثر لطفا ورقة. ان كان هناك احد ما يعتقد ان الهجرة من فرنسا تحدث فقط بسبب اللاسامية فقد وقع في الخطأ. هم يأتون الى هنا لان الوضع هنا افضل. من يحتاج الى الخدمات المختلفة والعروض الثقافية والفنادق وغيرها من الامور اليومية يعرف ان الوضع هنا اكثر سهولة ورقة عادة. حتى بالنسبة للطابور امام وزارة الداخلية.

اسرائيل تتميز بسلسلة مشاكل غير بسيطة. فهل سنتحول الى دولة ثنائية القومية؟ هل ستكون هنا اغلبية مناهضة للصهيونية بعد عقد او اثنين من الزمان؟ ربما. هذه مشاكل تناولناها هنا وهي مشاكل جديرة بالعلاج العاجل من قبل القيادة العاقلة المتعقلة. هناك مجريات خطيرة يمكن ايقافها بل ومن الواجب القيام بذلك.

ولكن الان مع رأس السنة يجدر ان نعرف ونتذكر ان انجازات اسرائيل واسهامها في العلوم العالمية وابتداء التكنولوجيا الراقية وتحلية مياه البحر والادوية المتطورة التي تواجه الامراض الصعبة والزراعة العالمية والتنمية البشرية – هي المستويات الاعلى في العالم على ما يبدو بالتأكيد بالمقارنة مع حجمها. ان عرفنا فقط كيف نواجه المجريات الخطيرة على المدى الطويل فهذه الدولة ستكون احدى الدول الرائعة.

الحياة في اسرائيل هي حق وليس واجب. يجدر بنا ان نذكر ذلك حتى نواصل التحسين والتطوير والتقويم، وهناك  ما يمكن اصلاحه الا وهو المشروع الهائل الذي اقيم هنا.