خبر أين الرأس..هآرتس

الساعة 11:15 ص|18 سبتمبر 2009

بقلم: أسرة التحرير

اذا كانت في اسرائيل أجواء عيد عشية رأس هذه السنة، فهي قائمة بفضل العادة والتقاليد، ولا سيما في الدائرة الخاصة والعائلية. على المستوى الوطني تدخل اسرائيل موسم الاعياد دون كثير من الدواعي للفرح والاحتفال: مكشوفة الرأس او غاضبة بسبب اتهامات جسيمة، اكثر عزلة من أي وقت مضى على المستوى الدولي، على شفا خطر النبذ الحقيقي، تجني ثمارا سياسية واعلامية مريرة على كل محاولة عسكرية للدفاع عن نفسها او نيل الهدوء، عديمة الافق السياسي، يائسة من الحل ومن السلام.

اذا كان في رأس السنة العام الماضي لا يزال أمل ما في التجدد والتغيير، مع فرصة للتطهر من خطايا الماضي، مع نهاية الولاية الاشكالية لايهود اولمرت وخطوات الاستطلاع من تسيبي لفني لاقامة حكومة جديدة – فان هذه السنة، بعد ان ترسخت حكومة نتنياهو وتبدل الرؤساء في البيت الابيض، يخيل أن اسرائيل تراجعت كثيرا الى الوراء، وبسرعة: مكروهة، مريرة، عنيفة، متمترسة حول عدالة موقفها، تلتف باحساس الضحية، ومواساتها الغريبة الوحيدة هي ان كل هذا ليس بذنبنا بل نتيجة اللاسامية العالمية.

من هذه الناحية فان تقرير لجنة غولدستون عن حملة "رصاص مصهور" والذي يتهم اسرائيل بجرائم حرب بل وحتى بـ "جرائم ضد الانسانية"، جاء في أسوأ توقيت ممكن. وليس فقط لانه "هدية عيد" مريرة: فبحدته غير المسبوقة يبث ريح اسناد شديدة ليس فقط في ظهر كارهي اسرائيل واعدائها، بل وايضا في ظهر المفهوم المتشائم، العدمي والانطوائي الذي يحرك حكومة اسرائيل الحالية؛ هذه التي تنشغل بجمع الادلة عن مظاهر اللاسامية وانعاش الاسباب للانطواء في غيتو الاحساس بعدالة الموقف اكثر مما في البحث عن السبل للانخراط كأمة طبيعية في المنطقة وفي العالم المتغير. فسبيل واحد كهذا هو مثلا التحقيق باستقامة وبشجاعة في افعالنا. وفيما اذا كانت "اخلاقياتنا" ليست مجرد كلمة فارغة تماما.

ولكن حتى دون التوغل في تقصي الحقائق والدوافع التي تظهر في التقرير الصعب يمكن القول ان ردود الفعل العاطفية الشديدة التي يثيرها في اسرائيل بتشجيع من قيادتها ووسائل اعلامها الصفراء، بما في ذلك المطالبة برفضه رفضا باتا – ليست سوى الجانب الاخر من عملة الحماسة والعناد، اللتين حركتا منذ البداية حملة "رصاص مصهور" نفسها. حملة، سحقها كان معروفا للجميع في لحظة حدوثها، بل ومعلن ومرافق في اماكننا بالهتاف وبتعابير التشجيع. في الحالتين يدور الحديث عن ردود فعل حسية عاطفية، في رد فعل شبه شرطي اكثر منه بتفكير مترو مسبق.

اسرائيل هي امة انفعالية، ساخنة المزاج، مشحونة بالصدمات العميقة والمخاوف المبررة. ولكن يمكن التوقع من قيادتها لسلوك عقلي بارد المزاج وذكي امام أزمات الواقع – وليس الصدى الصافي للمخاوف ومشاعر المرارة، كما يتصرف بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان انطلاقا من نهج متشائم يميل الى تحقيق ذاته.

في رأس السنة درجنا على الصلاة "فلنكن رأسا وليس ذيلا". فحبذا وعلى الاقل حكومات اسرائيل ان تحرك بقدر اقل من العضو المهتز ليستخدم بتواتر اعلى ذاك العضو الذي يفكر.