خبر القدس .. وحدها في معركتها الأخيرة ! .. ماهر رجا

الساعة 01:12 م|17 سبتمبر 2009

القدس .. وحدها في معركتها الأخيرة !

ماهر رجا

لا شيء يبدو بقسوة الواقع العربي ومفارقاته حين يتعلق الأمر بالقدس المحتلة، ولعل المشهد يزداد مفارقة وإيلاماً في الشهر المبارك حيث تصوم معظم الرسميات العربية ووسائلها الإعلامية عن ذكر اسم القدس، فيما تتعرض المدينة بمقدساتها وشعبها للهجمة الاستيطانية التهويدية الأخطر منذ وقوعها أسيرة بيد الصهاينة عام 1967.

"القدس قلب الصراع" مقولة يفهمها الصهاينة جيداً ويدركون أن التمكن من تهويدها بالكامل يفتح البوابات أمام المشروع الصهيوني في المنطقة وليس في فلسطين وحدها، وقد ذُكر أن وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه ديان، وحين  اقتحم جنبات المسجد الأقصى عام 1967 برفقة  الحاخام الأكبر للجيش الصهيوني "شلومو غورين" رفع صوته أمام جنوده مردداً: " اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب ".

وسواء تأكد ذلك أم لا فإن المخططات الصهيونية ما بعد احتلال القدس كانت تقول تلك العبارة بالأفعال، حيث بدا شرقي القدس على مدار أربعين عاماً أرضاً لحروب إسرائيلية خفية حيناً ومعلنة حيناً آخر لمحو هويتها ومعالمها التاريخية، وكان الاستيطان أشد الأسلحة فتكاً بدءاً من "مشروع القدس الكبرى" الذي أريد له أن يغرق القدس القديمة ويحاصرها بالمد الاستيطاني ما بين قلنديا شمالاً وبيت لحم جنوباً.

ومع أن تلك الاستراتيجية الإسرائيلية لم تتغير، إلا أن خطواتها شهدت تسارعاً منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، ذلك أن إسرائيل شعرت وقتها بالحاجة إلى فرض وقائع على الأرض في وقت قصير كي تضعها على طاولة مفاوضات "الوضع النهائي".

إلا أن مرحلة جديدة أكثر خطراً على المدينة المقدسة بدأت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في نهايات العام 2000، ففي ذلك الحين قررت حكومة شارون أن استكمال تهويد المدينة ومقدساتها أضحى في سباق مع الوقت. وعشية انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي أوصلت نتانياهو إلى سدة رئاسة الوزراء، كانت المصادر السياسية والصحفية الصهيونية تتحدث عن وثيقة مفصلية في مسار الخطط الإسرائيلية لحسم السيطرة على القدس.

كانت الوثيقة المذكورة قد وضعت في عهد أرييل شارون رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، وحققت تقدماً في فترة وجود أولمرت في رئاسة الوزراء. وبعودة نتانياهو إلى واجهة القرار السياسي في إسرائيل وضعت الحكومة الصهيونية القدس في رأس أولويات مهماتها العاجلة. وأشارت تعليقات صحفية في الكيان الصهيوني إلى أن حكومة نتنياهو – ليبرمان تعتبر القدس حربها الأولى وترى أن معيار انتصاراتها السياسية يتوقف على إنجاز الهيمنة المطلقة على القدس ، وتذهب إلى حد وصفها بـ"هارمجدون" مبكرة أي المعركة الأسطورية التي يعتقد اليهود أن المسيح اليهودي سيبيد على أرضها الأغيار والعرب من مسلمين ومسيحيين.

 في سياق هذا الفهم للصراع على القدس وأولويته، أعلنت حكومة نتانياهو مقولة "القدس أولاً" وبحيث يجري حسم السيطرة على القدس عبر مسارين:

- التهويد وتسريع إجراءات محو الوجه العربي والإسلامي للمدينة والمقدسات الإسلامية والمسيحية، والتركيز على المسجد الأقصى باعتباره حجر الزاوية في هذه المقدسات.. وقد أصبح من نافل القول الإشارة إلى مخططات أعمال الكنس اليهودية ومتاحفها وأنفاقها تحت أسوار المسجد، فضلاً عن مصادرة الأراضي في محيطه وبناء الفنادق اليهودية والمناطق السياحية والحدائق التوراتية، وهذه كلها اليوم تحت الضوء وبحقائق معلنة.

- محو الديموغرافيا الفلسطينية من المدينة ، اي محاولة إفراغ القدس من سكانها العرب الأصليين باستجلاب المستوطنين واعتماد سياسات إسكان تمييزية واقتلاع العائلات الفلسطينية من بيوتها وبناء مستوطنات جديدة وتعميق توغل الجدار العازل في المدينة فضلاً عن سياسات هدم المنازل ومنع إصدار تصاريح بناء للمقدسيين  واستمرار إغلاق المؤسسات الفلسطينية.

وما يزيد من تهديد الإجراءات الصهيونية ومخططاتها أن  مصادر بحثية فلسطينية مختصة بشؤون جغرافية القدس وخرائطها تؤكد اليوم  أن الإجراءات الاستيطانية التي اتخذت على امتداد السنوات التسع الماضية تمكنت تقريباً من تحقيق أحد أهم الأهداف الميدانية الإسرائيلية والمتمثل بقطع التواصل بين الضفة الغربية والقدس على طريق عزلها تماماً.

القدس إذاً تواجه اليوم خطر النهاية كمدينة عربية إسلامية ، ولا يبدو أن هناك ما يقلق الإسرائيليين فهم لا يتوقعون رسائل أو حتى تصريحات مواجهة من الجانب العربي والإسلامي. إذ فيما تستمر مخططات محو القدس وتحويلها إلى مدينة لما يسمى بالهيكل اليهودي الثالث، لم تعد تُسمع حتى صيحات الاستنكار من العواصم العريية. ولم يعد مستبعداً أن تستيقظ الأمة العربية والإسلامية ذات يوم على انهيار المسجد الأقصى فتكتفي بتظاهرات واستنكارات ثم ينتهي الأمر ويضيع المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.

إنها صورتنا الأشد وضوحاً اليوم..صورة هذه الأمة من المحيط إلى الخليج ومن جاكرتا إلى طنجة. ففي خلفية الصورة، مدينة القدس، جريحة كما كانت منذ واحد وستين عاماً. وحيدة كما كانت، سوى من أبنائها العزل، محاصرة ومهددة  على حدود شغاف القلب.

تنادي القدس اليوم وقد مادت بها الأعمدة فيما يقف العرب متفرجين ، وكما هو الحال دوماً، لا تمتد يد، ولا يرتفع صوت، ولا تفكر دولة من دول التسويات والسلام الصهيوني، بمجرد أن تعتب على أصدقائها الصهاينة ..تنادي القدس اليوم، في صحارى عربية قاحلة،  فالعواصم مشغولة بانتقاء السجاد الأحمر الذي تنتظر أن تفرشه أمام خطا عصر التطبيع القادم.. وفي هذه الأثناء يعلن نتنياهو بدء المرحلة الأخيرة من الحرب الفاصلة.. الحرب على القدس.